لبنان

عراقتشي: إيران مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار لبنان عبر الأطر الحكومية الرسمية
استشهاد القادة لا ينهي المقاومة، بل يزيدها قوة، ودماء سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، ستكون دافعًا جديدًا للمقاومة، وستقويها أكثر"
شدد وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقتشي، على أن حزب الله هو جماعة لبنانية مستقلة تنشط في الساحة السياسية والاجتماعية قراراتها سيادية ولا تمثل ذراعًا لإيران، مؤكدًا أن حزب الله جزء أصيل من المجتمع اللبناني، يضطلع بدور وطني في حماية بلده.
وجدد عراقتشي في حديث لقناة المنار مساء اليوم الأربعاء 04 حزيران/يونيو 2025، التأكيد على احترام السيادة اللبنانية ورفض إيران التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، معتبرًا اتهام لبنان بأنه ساحة تجاذب دولي محاولة لإضعافه وزرع الانقسام في صفوفه.
وأوضح عراقتشي أن زيارته إلى بيروت لم تقتصر على توقيع كتابه الجديد، بل تأتي في إطار سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز العلاقات مع الحكومة اللبنانية الجديدة. وأن السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية برئاسة الدكتور مسعود بيزشكيان، ترتكز على تعزيز التعاون الإقليمي وترسيخ سياسة حسن الجوار.
وقال إن زيارته إلى لبنان تأتي استكمالًا للسياسة التي تتبعها إيران لتعزيز وتوسيع علاقاتها الإقليمية. مشيرًا إلى أنه التقى خلال الزيارة كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية، ورئيسا مجلس النواب والوزراء، ووزير الخارجية.
وأكد عراقتشي أن هذه اللقاءات كانت بنّاءة وأثمرت اتفاقًا على توسيع التعاون التجاري والاقتصادي، وزيادة التنسيق السياسي، بما يحترم سيادة البلدين ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، مشددًا على دعم بلاده الكامل لاستقلال لبنان وسيادته، وداعيًا إلى إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" لما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة.
وفيما يتعلق بمشكلة حظر الطيران الإيراني في مطار بيروت، أوضح عراقتشي أنه أثار القضية مع المسؤولين اللبنانيين، وأبدى استعداد إيران لمعالجة أي ملاحظات فنية أو إجرائية بهذا الشأن، لافتًا إلى وجود إرادة لبنانية حقيقية لإيجاد حل يُعيد الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين إلى سابق عهدها.
احترام سيادة لبنان مبدأ ثابت
وفي سياق متصل، شدد عراقتشي على أن ما يُثار حول تصدير الثورة الإسلامية "مفهوم مضلل اخترعه أعداء الثورة"، مؤكدًا أن بلاده لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن مبادئ الثورة، المتمثلة في رفض الهيمنة والسعي إلى الاستقلال والكرامة الوطنية، تنتشر بفضل عدالتها وقيمها السامية، لا عبر التصدير القسري أو التدخل المباشر.
وردًا على الاتهامات بوجود "وصاية إيرانية" على لبنان، أكد أن هذه المزاعم تستهدف التقليل من شأن المقاومة اللبنانية، لافتًا إلى أن حزب الله جماعة لبنانية مستقلة تنشط في الساحة السياسية والاجتماعية، ولا تمثل ذراعًا لإيران كما يروج خصومها. وقال: إن "إيران ترفض التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، وحزب الله جزء أصيل من المجتمع اللبناني، يضطلع بدور وطني في حماية بلده"، مشددًا على أن اتهام لبنان بأنه ساحة تجاذب دولي محاولة لإضعافه وزرع الانقسام في صفوفه.
دعم إعادة الإعمار وفق الأطر الرسمية
وحول مسألة إعادة الإعمار، أبدى عراقتشي استعداد بلاده للمساهمة في إعادة إعمار لبنان، مشيرًا إلى أن الشركات الإيرانية تمتلك خبرات واسعة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى في دول عدة، منها العراق وسورية وأفغانستان. وأكد أن التعاون سيكون عبر الأطر الحكومية الرسمية، ووفق أولويات الحكومة اللبنانية.
كما كشف عن مباحثات أولية لتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين لدراسة فرص التعاون، معربًا عن استعداد إيران لتلبية أي طلبات لبنانية في هذا الإطار.
قرارات المقاومة سيادية
وردًا على سؤال أكد عراقتشي أن طبيعة الكيان الصهيوني قائمة على العدوان والانتهاكات، مشددًا على أن الاحتلال والإجرام هما جوهر سياساته. وقال: "إن الحكومة اللبنانية وقّعت على اتفاق وقف إطلاق النار، ويقع على عاتقها السعي إلى حمايته وتوثيق أي خرق يصدر عن العدو "الإسرائيلي" عبر لجنة وقف إطلاق النار".
أضاف: "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم جهود الحكومة اللبنانية في هذا المجال، ونأمل أن يبذل المجتمع الدولي مزيدًا من الضغوط على الكيان الصهيوني لإجباره على الالتزام بتعهداته التي يواصل انتهاكها بشكل منهجي".
وشدد عراقتشي على أن سلاح المقاومة "شأن لبناني داخلي بحت، يجب مناقشته وطنيًا بين الحكومة اللبنانية والمكونات السياسية والشعبية المختلفة، والقرار بشأن هذا الموضوع تتخذه المقاومة بالتنسيق مع القوى اللبنانية". وأوضح أن الدعم السياسي الذي تقدمه إيران للمقاومة "لا يعني بأي حال التدخل في قراراتها السيادية".
ووصف العلاقة بين إيران وحزب الله، بأنها "علاقة صداقة عميقة وتفاهم متبادل"، موضحًا أن الطرفين يتبادلان وجهات النظر بشكل مستمر، مع احترام إيران الكامل لاستقلالية الحزب وقراراته الوطنية، وأضاف: "حزب الله تنظيم مستقل يتخذ قراراته بما يخدم مصلحة لبنان أولًا وأخيرًا".
ونفي عراقتشي وجود أي ارتباط بين الملف النووي الإيراني وقضية سلاح المقاومة اللبنانية، مشددًا على أن "المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة تقتصر على الأنشطة النووية السلمية الإيرانية، ولم يتم التطرق إلى أي قضايا أخرى"، وأضاف: "منذ بداية المفاوضات، أوضحنا للأميركيين أن حوارنا يقتصر على الملف النووي فقط، ولا علاقة لقضية المقاومة اللبنانية بأي من مسارات التفاوض".
لا تنازل عن تخصيب اليورانيوم
وعن مسار المفاوضات النووية، أوضح عراقتشي أن بلاده خاضت حتى الآن خمس جولات تفاوضية مع الولايات المتحدة في أجواء من الاحترام المتبادل وبإرادة جدية للتوصل إلى اتفاق، مشددًا على أن موضوع تخصيب اليورانيوم يمثل أحد أبرز نقاط الخلاف الجوهرية.
وبيّن أن إيران تعتبر تخصيب اليورانيوم من أكبر إنجازات علمائها الوطنيين، ولن تتنازل عنه تحت أي ظرف، لافتًا إلى أن "تخصيب اليورانيوم ضروري لتلبية احتياجاتنا الطبية والصناعية، حيث تسهم النظائر المشعة المنتجة محليًا في علاج أكثر من مليون مريض سنويًا". وأضاف: "بعض علمائنا دفعوا حياتهم ثمنًا لهذا الإنجاز، ولن نتخلى عنه مهما كانت الضغوط".
وأعلن عراقتشي أن الاقتراح الأميركي "قيد الدراسة حاليًا، وسنرد عليه في الوقت المناسب بناءً على المصالح الوطنية الإيرانية"، وخطوطنا الحمراء واضحة؛ لن نتخلى عن حقنا السيادي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية". رافضًا الخوض في تفاصيل المفاوضات عبر وسائل الإعلام، مشددًا على أن "التفاصيل ستبقى داخل قاعات التفاوض المباشر، وأي إعلان رسمي سيتم عبر القنوات الرسمية".
رسالة ردع للكيان الصهيوني
وفيما يتعلق بالتهديدات "الإسرائيلية"، أكد عراقتشي أن إيران لا تستخف بالتهديدات، لكنها في المقابل لا تخشاها، مشيرًا إلى أن "أي عدوان على إيران ستكون عواقبه كارثية على المعتدين... قدراتنا الدفاعية والردعية كبيرة، ومنشآتنا النووية محصنة وموادنا موزعة بطريقة تجعل توجيه ضربة قاضية أمرًا بالغ الصعوبة". وقال: "البرنامج النووي الإيراني قائم على العقول والخبرات الوطنية، وهو غير قابل للتدمير بالقصف".
المقاومة مدرسة تحررية لا تموت
وشدد عراقتشي على أن المقاومة "ليست شخصًا أو زعيمًا، بل مبدأ ومدرسة تحررية ضد الهيمنة والاحتلال والظلم"، مؤكدًا أن استشهاد القادة يزيدها زخمًا. وقال: "إن استشهاد القادة لم ينهِ المقاومة، بل زادها قوة، كما حدث بعد استشهاد السيد عباس الموسوي”، وأنا واثق أن دماء السيد حسن نصر الله، ستكون دافعًا جديدًا للمقاومة، وستقويها أكثر".
وختم بالقول: "المقاومة كمدرسة تحررية ستظل ثابتة رغم تغير التكتيكات والأساليب، ولن تضيع أهدافها الكبرى مهما تغيرت الظروف"، مشددًا على أن دماء الشهداء كانت وستبقى الضمانة لهزيمة الظالمين، وأن المقاومة ستواصل طريقها رغم الجرائم الصهيونية، التي وصفها بأنها محكومة بالفشل.