اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الهيئة الصحية الإسلامية تنفذ سلسلة أنشطة طبية وتوعوية في البقاع

تكنولوجيا

هكذا نسخّر الذكاء الاصطناعي لخدمة التعليم
تكنولوجيا

هكذا نسخّر الذكاء الاصطناعي لخدمة التعليم

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل التعليم من خلال شراكة جديدة بين المعلم والآلة تركز على التفكير النقدي والتقييم الإبداعي، مع ضرورة تعليم الطلاب مهارات "محو الأمية في الذكاء الاصطناعي"
113

لقد غيّر الإنترنت شكل علاقتنا بالمعرفة، إذ انتقلنا من عصر المعرفة المتخصصة والموثوقة إلى وفرة معرفية غير مصفّاة. اليوم، الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط علاقتنا بالمعرفة، بل يغيّر علاقتنا بالتفكير ذاته. ما نشهده ليس مجرد أداة جديدة، بل ثورة ذهنية تُعيد رسم أدوار المعلم والطالب، وتفتح الباب أمام طرق غير مسبوقة في التعلم والإبداع.

في عالم أصبحت فيه النماذج اللغوية الكبيرة مثل GPT وClaude  و Deepseek  قادرة على معالجة النصوص والصور والرموز بسرعة ودقة، لم يعد التعليم يدور فقط حول نقل المعلومات. الذكاء الاصطناعي يتيح للمتعلمين أدوات تساعدهم على التفكير، وتوليد الأفكار، وإعادة صياغة المعرفة بطرق إبداعية. نحن لا نستبدل الذكاء البشري، بل نشاركه في التفكير. وهذه النقلة تتطلب تغييرًا في ثقافتنا التعليمية، من الحفظ إلى الحوار، ومن التلقين إلى التفاعل.

عبر استطلاع آراء طلاب في إحدى الجامعات وجدنا أن استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي واسع النطاق، لكنه يختلف في الأهداف والطرق. بعضهم يستخدمه للمساعدة في الكتابة، وآخرون لتلخيص المحاضرات أو إنشاء أسئلة تدريبية. المثير أن كثيرًا من هؤلاء الطلاب لا يعتبرون هذا "غشًا"، بل "ذكاء في الاستخدام".

لكن هل هذا يعني أن دور المعلم انتهى؟ بالعكس. المعلم اليوم بحاجة إلى فهم كيف يتعامل طلابه مع هذه الأدوات، وتوجيههم نحو الاستخدام الأخلاقي والمستنير.

يفترض بالمعلم أن يكون متيقنًا أن الذكاء الاصطناعي لا يحلّ مكان الأستاذ، بل يمكن أن يعزز أداءه. يمكن للأستاذ استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحضير المحاضرات، توليد الاختبارات، تحليل بيانات الصف، بل وحتى تلقي اقتراحات لأنشطة تعليمية جديدة. الذكاء الاصطناعي هنا ليس "أداة إدارية"، بل شريك فكري يمكنه تحفيز المعلم على تطوير طرق تدريسه.

في ظل تزايد دمج الذكاء الاصطناعي في بيئات التعلم، لم يعد دوره يقتصر على توليد النصوص أو البحث السريع، بل بات أداة فاعلة في إعادة تشكيل العملية التعليمية ذاتها. من أبرز تطبيقاته الناشئة تقديم تغذية راجعة فورية للطلاب، ما يساعدهم على تحسين أعمالهم وتعلمهم دون الحاجة للانتظار، وهو ما يعزز استقلالية المتعلم ويحفزه على التكرار والتطوير المستمر. كما أظهرت التجارب أن أدوات الذكاء الاصطناعي تصلح أيضًا لمحاكاة المواقف الواقعية، كإجراء مقابلات أو لعب أدوار تعليمية في بيئات طبية أو قانونية، مما يجعل التعلم أكثر حيوية وواقعية. هذه التطورات تستدعي إعادة التفكير في معايير التقييم التقليدية.

من أكبر التحديات التي يطرحها استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم هي مسألة التقييم. لم يعد ممكنًا التأكد مما إذا كتب الطالب مقاله بنفسه أو بمساعدة الذكاء الاصطناعي.  لكن بدلًا من التركيز على اكتشاف الغش، يجب اللجوء لإعادة التفكير بأساليب التقييم: التركيز على العمليات التعليمية، مثل الخطوات والمراجعات، وليس فقط على المنتج النهائي. إذا استخدم الطالب الذكاء الاصطناعي لتحسين عمله، فربما هذا جزء من عملية تعلم فعّالة، وليس غشًا بالضرورة.

يوجد مجموعه نماذج عملية لإعادة تصميم المهام التعليمية في ضوء وجود الذكاء الاصطناعي منها:

• جعل خطوات التفكير مرئية (مثل المسودات، خرائط الأفكار).
• إشراك الطلاب في مراجعة ردود الذكاء الاصطناعي وتحليل صحتها.
• طلب تفسير استخدام الذكاء الاصطناعي: متى؟ ولماذا؟ وكيف؟
الهدف هو تعليم الطلاب ليس فقط "ما الجواب؟" بل "كيف وصلتَ إليه؟" ومن هنا تأتي قيمة التعلم الحقيقي.

هذا يقودنا الى التساؤل عن المهارات التي يجب أن نعلّمها الآن، إذ يجب التشديد على أهمية ما يسمى بـ "محو الأمية في الذكاء الاصطناعي" (AI Literacy)، والتي تشمل:

• فهم كيف تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي.
• تقييم موثوقية المخرجات.
• طرح أسئلة جيدة (prompt engineering).
• التفكير النقدي في النتائج والمعلومات.

هذه المهارات باتت أساسية تمامًا كما كانت القراءة والكتابة في العصور السابقة. إننا ندخل زمنًا جديدًا، حيث القدرة على التعاون مع الذكاء الاصطناعي هي مفتاح النجاح في سوق العمل والتعلم مدى الحياة.

الذكاء الاصطناعي قد يزيد من الفجوة بين الطلاب المتمكنين والطلاب المحرومين، إذا لم يُستخدم بطريقة عادلة. لذا، من واجبنا كمربين أن نضمن وصول جميع الطلاب إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، مع تدريبهم على استخدامها بمسؤولية. المسألة ليست فقط تقنية، بل أخلاقية وثقافية.

نحن لسنا بحاجة إلى أن نحب كل ما يفعله الذكاء الاصطناعي، لكن علينا أن نكون مستعدين للتعامل معه، وتعليم طلابنا كيف يعيشون معه بأمان وإنسانية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة