مقالات

بدعوة من الرئيس الأميركي، عقد اجتماع موسع على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة الرئيس التركي، وأمير قطر، وملك الأردن، ورئيس إندونيسيا، ومسؤولين كبار من مصر والسعودية والإمارات وباكستان.
بعد الاجتماع، أكد الزعماء والمسؤولون المذكورون من 8 دول عربية وإسلامية في بيان مشترك، أن إنهاء الحرب على غزة هو "الخطوة الأولى نحو سلام عادل ودائم"، مشددين على أن "الوضع المأساوي في قطاع غزة لم يعد محتملاً، بما فيه من كوارث إنسانية وخسائر بشرية فادحة، فضلاً عن عواقبه الخطيرة على المنطقة وتأثيره في العالم الإسلامي ككل"؛ ومجددين تأكيد موقفهم المشترك الرافض للتهجير القسري وضرورة السماح بعودة الذين غادروا، داعين إلى "إنهاء الحرب وتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، بما يكفل إطلاق سراح الرهائن، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الكافية".
كان هذا ملخصًا لموقف الزعماء المسلمين والعرب بعد الاجتماع مع الرئيس ترامب، ولكن ما كان موقف الأخير وما حقيقة أهدافه من هذا الاجتماع؟
بداية، في الشكل، كان لجلوس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على رأس طاولة الاجتماع إلى يمين الرئيس ترامب أكثر من دلالة، وأهمها أن الرئيس التركي مختلف في الموقف وفي الموقع عن باقي المسؤولين العرب والمسلمين، وأن ما يجمع الأميركيين به أعمق بكثير مما يجمعهم بباقي الدول المجتمعة وخاصة السعودية وقطر. وقد يكون الدور الذي لعبه الأتراك في سورية منذ بداية الحرب عليها حتى اليوم، وإسهاماتهم الرئيسة في إيصال الجولاني إلى السلطة، لتكون سورية اليوم برئاسة "أحمد الشرع" المرشحة الأولى والأقرب للتطبيع مع كيان الاحتلال، بدءًا باتفاق أمني واضح مما رشح حتى الآن من بنوده، حجم المكتسبات "الإسرائيلية" سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا وإستراتيجيًا منه.
ثانيًا، حول مضمون موقف الرئيس ترامب، والذي عبر عنه في كلمته المقتضبة للصحافيين في بداية الاجتماع، وحيث أكثر من عبارات التملق المشهور بها: "اجتمعتُ مع زعماء رائعين"، وكان الاجتماع رائعًا..
فقد كان واضحًا تركيز الرئيس الأميركي الأساسي على موضوع إطلاق سراح الرهائن "الإسرائيليين"، حيث كان ذلك محور كلامه الجدي فقط، دون أن يتطرق ولو ضمنيًا إلى ما يحصل في غزة من قتل وتدمير وتهجير، محملاً حركة حماس كل المسؤولية عن فشل محاولات التسوية وإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب؛ ليكون اللافت أيضًا في كلامه، إشارته "الودودة" إلى أنه سوف يتواصل مع "بيبي"، قاصدًا رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو"، لطرح الأفكار التي يمكن أن تسهم في إكمال تسوية إطلاق سراح الرهائن.
عمليًا، ومباشرة بعد الاجتماع المذكور، صرح المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، قائلًا: إن الولايات المتحدة "متفائلة... بل واثقة من أننا سنتمكن خلال الأيام المقبلة من الإعلان عن شكل ما من الانفراجة" في حرب غزة بين "إسرائيل" وحركة "حماس"؛ مضيفًا، أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، المكوّنة من 21 نقطة، عُرضت على بعض القادة، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فما هذه الخطة التي عُرضت على القادة الذين اجتمعوا مع الرئيس ترامب؟ وكيف يمكن أن تحمل حلاً لموضوع إنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الأسرى وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، والذي يتعرض أبناؤه للإبادة قصفًا أو جوعًا؟ وهل يتراجع نتنياهو عن عمليته البرية التي قطعت شوطًا كبيرًا في ما حققته من مستوى في التدمير وفي القتل داخل غزة؟
لتبقى حقيقة مضمون الأجوبة على هذه التساؤلات، غير بعيدة عن مسار الخداع الذي تمارسه الإدارة الأميركية بالتواطؤ مع نتنياهو، والذي يمكن تلخيصه بالآتي:
"خدعة التفاوض الأميركية الأولى في سلطنة عمان حضّرت لعدوان مفاجىء على إيران، والخدعة الثانية جاءت بعد إطلاق مقترح أميركي لحل في غزة، لينتج عنها عدوان غادر على قطر استهدف قادة حماس وفريق التفاوض لديها، بعد اجتماعهم لدرس مقترحات الطرح الأميركي حينها" .
فماذا يخبىء الأميركيون وراء مناورتهم الغامضة الحالية، والتي أعلن عنها ويتكوف مؤخرًا؟.