اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي ترحيب عربي ودولي واسع باتفاق وقف إطلاق النار في غزّة

مقالات

إيران بين الانسحاب النووي والتأهب للمواجهة: إشارات التصعيد ومخاوف ما وراء الكواليس
مقالات

إيران بين الانسحاب النووي والتأهب للمواجهة: إشارات التصعيد ومخاوف ما وراء الكواليس

122

تعيش الساحة الإقليمية على وقع تطوّرات متسارعة وخطيرة في الملف الإيراني، حيث بدأت طهران تبعث بإشارات متزامنة ومتشعبة، تتراوح بين التراجع عن التزاماتها النووية، والتلميح لاحتمال المواجهة، والاستعداد الميداني لها، مدعومةً بإطلاق تقنيات فضائية متطورة ذات أبعاد لا تخلو من الدلالات العسكرية.

ورغم تعدد هذه الإشارات، فإنها تصب جميعها في خانة واحدة: التصعيد وعدم الاستقرار.

اتفاق القاهرة النووي.. من ورقة تهدئة إلى إعلان وفاة

شكل إعلان كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقتشي، عن انتهاء صلاحية “اتفاق القاهرة النووي” محطة مفصلية جديدة في مسار العلاقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في أيلول/سبتمبر الماضي، بوساطة مصرية، كان يهدف بالأساس إلى استئناف عمليات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية وفق شروط فنية جديدة، بعد أن جرى تعليقها بقرار من البرلمان الإيراني وصادق عليه الرئيس مسعود بازشكيان عقب حرب الاثني عشر يومًا.

لكنّ هذا الاتفاق الذي وُصف حينها بأنه خطوة لإعادة بناء الثقة، تحوّل اليوم إلى نقطة اشتعال جديدة بعدما أعلنت إيران رسميًا أنه “لم يعد ساريًا ولا موائمًا للوضع الراهن”.

آلية الزناد.. شرارة إعادة التصعيد

السبب المعلن وراء الخطوة الإيرانية هو إعادة فرض العقوبات الدولية عليها بعد تفعيل آلية الزناد من قبل الثلاثي الأوروبي (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) بدعم أميركي مباشر.

هذا القرار، وإن لم يكن مفاجئًا، إلا أنه جاء ليقوّض الجهود الدبلوماسية التي سعت القاهرة وبعض العواصم الإقليمية إلى ترميمها. فبدلًا من بناء الثقة، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من الاحتقان والتوتّر، وكأن واشنطن وحلفاءها أعادوا تشغيل عجلة المواجهة بصيغة مختلفة.

لكنّ السؤال الأبرز يبقى:

هل كان هذا السبب كافيًا وحده لانسحاب إيران من الاتفاق،

أم أن طهران تعلم شيئًا لا يعلمه الآخرون؟

هل هناك تحركات خفية تُنذر بحدثٍ أكبر تُحاول إيران الاستعداد له مسبقًا؟

بين العقوبات والفضاء.. معركة المعنويات

الملفت في الموقف الإيراني أنه جاء مترافقًا مع إطلاق قمر صناعي مزدوج المهام، مدني في الظاهر وعسكري في الجوهر. القمر الجديد الذي يجمع بين خصائص قمري “الكوثر” و”الهدهد”، صُمّم لأغراض الاستشعار عن بُعد والاتّصالات، لكنّه يحمل في طياته قدرات استخبارية دقيقة.

فمن الناحية التقنية، يمكن لمثل هذه الأقمار رصد التحركات العسكرية فوق الغلاف الجوي، واستشعار الصواريخ الباليستية والطائرات الشبحية، ما يجعله أداة إنذار مبكر في حال نشوب أي مواجهة.

وهذا التطور الفضائي يأتي في سياق واضح: تحصين إيران لنفسها من أي ضربة استباقية محتملة، خصوصًا بعد تزايد الحديث عن تحركات أميركية و"إسرائيلية" غير اعتيادية.

صحيفة "كيهان" الإيرانية بدورها أشارت إلى “تزايد احتمالات المواجهة”، مستندة إلى دخول حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج.

هل الحرب قادمة؟

المؤشرات كلها تدل على أن الحرب بين إيران والكيان "الإسرائيلي" لم تنتهِ بعد، بل جرى تعليقها عند هدنة مؤقتة فرضتها الحسابات التكتيكية.

فإيران، التي استنزفت "إسرائيل" خلال الحرب الأخيرة، أوقفت عملياتها وفق اعتبارات عسكرية بحتة مرتبطة بإعادة التموضع وتقييم الميدان، فيما واصل "الإسرائيليون" سياسة الاستفزاز الدبلوماسي والعقوبات غير المباشرة عبر الغرب.

ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تضيف طبقة جديدة من الغموض والتصعيد إلى المشهد. فقد أعلنت طهران منذ ساعات فقدان الاتّصال بالقمر الصناعي الجديد الذي أطلقته، بالتزامن مع انقطاع واسع للانترنت في عدد من المدن الإيرانية ليلة البارحة، ما عزز فرضية دخول المنطقة في مرحلة حرب سيبرانية خفية تستهدف البنية التكنولوجية والفضائية الإيرانية.

هذه الحادثة، التي لم تؤكد السلطات تفاصيلها بعد، تُقرأ في طهران على أنها إشارة أولى لصراع غير معلن يجري في الفضاء الإلكتروني والمجال المداري، تمهيدًا لمواجهة أوسع.

وفي المقابل، تواصل إيران تطوير برنامجها النووي والصاروخي، رافضةً أي نقاش حول إدراجه في المفاوضات. بل وتؤكد أن “البرنامج الصاروخي غير قابل للتفاوض مطلقًا”، وهو موقف يعكس قناعة راسخة لدى القيادة الإيرانية بأن الردع الذاتي هو الضمانة الوحيدة لبقاء النظام وسط ضغوط خارجية متزايدة.

العقوبات.. سلاحٌ ذو حدين

من الناحية الاقتصادية، تستهدف العقوبات الجديدة ضرب الروح المعنوية للشعب الإيراني وإثارة النقمة على النظام من الداخل، وهو ما عبّرت عنه صراحةً تصريحات بعض المسؤولين الغربيين.

لكن التجربة أثبتت أن هذه السياسة، رغم قسوتها، كثيرًا ما تأتي بنتائج عكسية، إذ تدفع الإيرانيين إلى الاصطفاف الوطني خلف قيادتهم، وتُعزز الاتّجاه نحو الاعتماد الذاتي والتصنيع العسكري المحلي، بما في ذلك تطوير المسيّرات وأنظمة الدفاع الجوي.

بين الدبلوماسية والردع معادلة معقّدة

في ضوء كلّ هذه التطورات، يبدو أن إيران دخلت مرحلة تحصين الردع الإستراتيجي استعدادًا لموجة جديدة من المواجهات السياسية والعسكرية.

فهي من جهة ترفض الخضوع لشروط الغرب في الملف النووي، ومن جهة أخرى تلوّح بورقة الرد العسكري والتقني في حال تم تجاوز “الخطوط الحمراء”.

وفي المقابل، لا تبدو واشنطن و"تل أبيب" في وارد تهدئة الموقف، بل تمضيان في سياسة التلويح بالقوّة والضغط النفسي عبر التصعيد الإعلامي والعقوبات المتتالية.

في المحصلة، المشهد الإيراني اليوم أشبه بهدوء ما قبل العاصفة. فكلّ المؤشرات، من الانسحاب من اتفاق القاهرة إلى إطلاق القمر الصناعي المزدوج، ثمّ فقدان الاتّصال به لاحقًا، تشير إلى مرحلة إعادة التموضع الإستراتيجي داخل إيران، تحضيرًا لمرحلة قد تشهد فيها المنطقة صراعًا مفتوحًا بين محورين متقابلين:

محور يريد فرض السيطرة على التقنية والردع، وآخر يسعى لحماية ما يعتبره “حقًا سياديًا” في امتلاك أدوات القوّة. ويبقى السؤال الذي يشغل العواصم كافة: هل تسير إيران نحو مواجهة حتمية؟ أم أن ما نشهده اليوم هو عرض للقوة قبل تسوية جديدة تُرسم خلف الكواليس؟ الجواب رهن الأيام المقبلة، حيث كلّ إشارة إيرانية جديدة قد تكون رسالة مشفّرة إلى من يقرأ ما بين السطور.

الكلمات المفتاحية
مشاركة