كلام الأمين

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في مؤتمر "الوحدة والاستقامة"
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في مؤتمر "الوحدة والاستقامة" الذي تقيمه الهيئة المركزية للاعتكاف في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا أبي القاسم محمد (ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين والشهداء إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتب الإمام الخميني (قده) في تحرير الوسيلة: "الاعتكاف وهو اللبث في المسجد بقصد التعبُّد"، وفي حديثه عن النية قال: " ولا يُعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص". فالتعبد بنية القربة إلى الله تعالى، والإخلاص له، يؤديان إلى ذوبانِ المخلوق في عشقِ خالقه، فيستمدُ من تعاليمه وصفاتِه ما يؤدي إلى سلوكٍ إنساني يتميزُ بمكارم الأخلاق، وأنبلِ الأداء، وحُسنِ التعامل مع الحياة الدنيا، وتحقيقِ سعادة الدارين.
الاعتكافُ اعتزالٌ محدودٌ في بيت الله تعالى ليجمع المؤمن نفسه، ويزيلَ الشوائب عنه، ويجدِّد العزمَ والانطلاق على المنهج الإسلامي المحمدي الأصيل، اقتداءً بمحمد (ص) وآل محمد (ص). وقد أحسن المنظمون (الهيئة المركزية للاعتكاف) لمؤتمر الاعتكاف في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما اختاروا عنوان هذا العام: "الوحدة والاستقامة".
إنَّ أهم نتيجة للاعتكاف هو التصميمُ على الاستقامة، وهي رأسُ البداية، وهي ما طلبها الله تعالى من النبي (ص) وأتباعه. قال تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (هود 112).
وقال رسوله الأكرم (ص): "إنْ تستقيموا تُفلحوا". وقال أمير المؤمنين علي (ع): "أفضلُ السعادة استقامةُ الدين". هذه الاستقامة هي التي أحيتْ الدينَ وتُحييه. هذه الاستقامةُ التي تجلَّت في قيام وحركة الإمام الخميني (قده) وهي التي أنتجت الثورةَ الإسلامية، وقيامَ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحملَ لواء حركات التحرر، وإحياءَ القضية الفلسطينية، والاستلهام من ثورة الإمام الحسين (ع)، والاستعدادَ للجهاد والتضحية...
وعندما ننطلق إلى التطبيق العملي بعد معنويات الاعتكاف وقرار الاستقامة، نصبحُ معنيين بعملِ الجماعة، واجتماعِ الأمة. ولا يتمُ الإنجازُ والفلاح إلَّا بالوحدة الإسلامية، التي تجمع طاقات الأمة لنصرة الدين والحق والاستقامة في مواجهة الأعداء والطواغيت والمنحرفين. هذه الوحدةُ مقترنةٌ بالعبادة، قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء 92). لاحظوا التماهي بين الارتباط بالله تعالى في رقي المعنويات، والترجمة العملية بالوحدة كنتاجٍ إيماني ينشر أريجه في حياة المؤمنين، الوحدةُ التي تمثل الالتزام والتعاون والنصرة والمقاومة المشتركة في مواجهة الكفر والباطل. كيف لا نكون موحَّدين؟ و "ملتقى المسلمين هو وجود النبي المبارك" كما يقول الإمام الخامنئي دام ظله، ويقول: " هنا لا يبقى معنى للفوارق السنية والشيعية والفرق المختلفة، والاعتدال والتوسط والتطرف، وأمثالها، فالجميع متفقون ومتحدون بقلوبهم وأرواحهم بشأن هذا المركز، وهذا المحور، وهذا القطب العقائدي والإلهي والإسلامي".
تجلَّت الوحدة الإسلامية اليوم، بتطبيق توجيهات الإمام الخميني (قده) في التوجه العالمي إلى نصرة فلسطين لمساندة أهلها من أجل تحريرها واستعادتها، بالمال والدم والإعلام والثقافة وبكل أشكال المقاومة. وبالمواكبة الفعالة من ولي امرنا الإمام الخامنئي (دام ظله) بالتوجيه المباشر لكل الأمة حول أهمية تحرير فلسطين، ووجوب نصرتها، وقد قدم الإمام الخامنئي (دام ظله) والشعب الإيراني المجاهد والعزيز كل الدعم المالي والتدريبي والعملي للمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وكل المقاومين في المنطقة تطبيقاً لعنوان الوحدة الإسلامية، كمسؤولية شرعية لها تكاليفها وتضحياتها ولكنَّها تعبيرٌ عن الالتزام بالتكليف.
لقد دفعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثمناً باهظاً منذ تأسيسها لأنَّها طبقت الوحدة الإسلامية على طريق الاستقامة، وخاضت حرب الاثني عشر يوماً في مواجهة أميركا وإسرائيل وانتصرت بحمد الله تعالى في إفشال المخطط الطاغوتي لإسقاط إيران. كان النظرُ إلى التكليف المشرف مهما كان الثمن، وهو النجاح الحقيقي للمستقبل.
لقد تألقت المقاومة الإسلامية في لبنان من خلال حزب الله بالاستقامة والوحدة خلال 43 سنة منذ التأسيس عام 1982، ببركة خط الإسلام، خط الإمام الخميني (قده). وعمل حزب الله على نصرة فلسطين والفلسطينيين من موقع الوحدة الإسلامية، وحقَّق إنجازات عظيمة في انتصارات متتالية على العدو الإسرائيلي وخصوصاً في تحرير الجنوب من دون قيد أو شرط عام 2000، ومواجهة عدوان تموز 2006 لمدة 33 يوماً. وقد برز شهيدنا الأسمى سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رض) كقائدٍ مُلهم وشجاع ومُعبِّر عن استقامة الدين، ومؤمنٍ بالوحدة الإسلامية، وهو الذي ربَّى أجيالاً على الجهاد والشهادة نُصرةً لفلسطين ومواجهة للعدو اللدود للأمة وهو الكيان الإسرائيلي الذي يتجاوز خطره فلسطين الى لبنان وكل دول المنطقة والعالم الإسلامي.
إنَّ عظيم التضحيات بتقديم شهيدنا الأسمى (رض) والسيد الهاشمي (رض) والقادة والشهداء والجرحى والأسرى ودمار البيوت والأرزاق لها ثمارٌ عظيمة في ثباتنا واستمراريتنا وإسقاط أهداف العدو، والعبرة في النتائج النهائية. ولن ندع العدو يحقق أهدافه بسلب أرضنا ومستقبل أجيالنا.
أشكر الهيئة المركزية للاعتكاف على تنظيم هذا المؤتمر المهم في هذه المرحلة، واستغل الفرصة لأشكر الشعب الإيراني العزيز والمجاهد الذي تحمل أعباءً كثيرة على طريق الاستقامة والوحدة وعلى طريق نصرة فلسطين ودعم المقاومة، فما صنعه هذا الشعب بقيادة الولي الفقيه هو تغييرٌ استراتيجي في خارطة المنطقة السياسية واتجاهها، وستستمر ثمار تضحيات هذا الشعب مع شعوب المنطقة وفلسطين حتى النصر بإذن الله تعالى.
الشيخ نعيم قاسم
الأمين العام لحزب الله