الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

تكنولوجيا وأمن معلومات

جيش يعمل في صمت: الـ AI مدعوم بذكاء البشر!
22/04/2025

جيش يعمل في صمت: الـ AI مدعوم بذكاء البشر!

من المغالطات الشائعة حول الذكاء الاصطناعي، أنّ إنتاجه نتيجة التقنيات المتقدّمة والآلات الذكية، بينما الحقيقة مغايرة تمامًا؛ إذ إنّ ملايين البشر حول العالم يساهمون في بناء هذه النماذج من وراء الكواليس، في أعمال شاقّة وروتينية لا تحظى باهتمام يُذكر.

تدريب بشري
من تصنيف صور الشوارع إلى تدريب السيارات ذاتية القيادة، ومن تفريغ وتفسير المقاطع الصوتية إلى تعليم الآلات فهم الكلام البشري، يؤدّي هؤلاء العمّال مهمّات دقيقة تُعرف باسم "الوسم" أو "الشرح البياني"، وهي ما يمنح معنى يُمكن للنماذج الإحصائية أن تفهمه وتتعلم منه.

وعلى سبيل المثال، كلّ من أجرى اختبار CAPTCHA على الانترنت، مثلًا عبر اختيار صور تحتوي على ممرّات المشاة، شارك من دون أن يعلم في تدريب نموذج للذكاء الاصطناعي.

"الوجه غير الجذّاب" لصناعة ضخمة
تُوصف هذه الوظائف في الصناعة بأنّها "الجزء غير الجذّاب"، بحسب تعبير مدير شركة البيانات Scale AI، أليكس وانغ. ورغم أنّ بعض الشركات تقول إنّ العمل يُنفَّذ في أميركا أو أوروبا، إلا أنّ الحقيقة هي أن الجزء الأكبر من هذه المهمات يُنفّذ في دول فقيرة، حيث يبحث ملايين المتعلّمين عن فرص عمل، حتّى لو كانت الأجور متدنّية.

ففي الصين، تعاونت الحكومة مع شركات مثل Alibaba وJD.com لتوفير هذه المهمات في الأقاليم النائية. أمّا في الهند، فتتوقّع شركة التكنولوجيا NASSCOM أن تصل عائدات هذا القطاع إلى 7 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030، مع توظيف مليون شخص.

الوظائف مهدّدة بالزوال؟
رغم أهمية هؤلاء العمّال، إلا أنّ الاعتماد عليهم بدأ يتراجع تدريجيًا، إذ باتت النماذج تحتاج إلى بيانات أقل في ظلّ قدرتها الجديدة على استخدام بيانات مشروحة مسبقًا، أو توليد البيانات ذاتيًا.

وتحوّل الاعتماد على العنصر البشري حصرًا إلى مجال التحقّق من الجودة، والتعامل مع الحالات الاستثنائية.

وتبرز شركة iMerit، التي توظّف آلاف العاملين في مدن مثل Hubli بالهند، كمثل حيّ على هذا التحوّل، إذ كانت تقضي أشهرًا لتجهيز بيانات لمَزارع تُستخدم في تطوير جرّارات ذاتية القيادة، إلا أنّها استطاعت تقليص الزمن المطلوب إلى أسابيع فقط، بفضل البيانات المُولّدة آليًا.

ما لا تستطيع الآلات فعله وحدها
رغم كلّ هذا التقدّم، لا تزال النماذج عاجزة عن التعلّم بمفردها في معظم السياقات. ورغم أنّ شركات مثل DeepMind نجحت في تدريب نماذج على لعب الشطرنج وألعاب إستراتيجية من دون تدخّل بشري، إلا أنّ هذه النجاحات تقتصر على مجالات محدودة، حيث تكون الأهداف واضحة تمامًا (مثل: الفوز في اللعبة).

أمّا في المهمات المعقّدة، مثل كتابة محتوى إبداعي أو تقييم استجابات أخلاقية، فلا بدّ من تدخّل بشري. على سبيل المثال، أشارت شركة OpenAI في تقرير لها إلى أنّها استعانت بخبراء لاختبار نموذج ChatGPT بشكل عدائي، والتحقّق من قدرته على رفض طلبات خطيرة، مثل كتابة منشورات تحريضية.

عمالة غير مرئية... حاسمة
تُقدَّر بعض الدراسات أنّ ما يصل إلى 80% من وقت تطوير الذكاء الاصطناعي يُقضى في معالجة البيانات. ومع أنّ الشركات تسعى إلى الحد من هذا الوقت، إلا أنّ الواقع يفرض استمرار الاعتماد على البشر.

ومن القصص المعبّرة التي تكشف مدى تأثير العمالة البشرية على أداء النماذج، أنّ إحدى نسخ ChatGPT كانت تُكثر من استخدام كلمة delve (يتعمّق)، وهو ما أثار انتباه المستخدمين. لكن تبيّن لاحقًا أنّ العاملين الذين درّبوا النموذج في إفريقيا يستخدمون هذه الكلمة بكثرة في اللغة الانجليزية الإفريقية، ما يعكس كيف تنتقل العادات اللغوية من العامل إلى الآلة.

هل انتهى دور البشر في عصر الذكاء الاصطناعي؟
صحيح أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر استقلالية، ولكنّه لا يزال بحاجة إلى إشراف بشري، وتقييم لغوي وأخلاقي، وتدخّل عند حدوث الأخطاء أو الحالات المعقّدة.

العمالة البشرية لم تختفِ، بل تطوّرت من دور "المربّي" إلى دور "الناقد والموجّه". وربما في عالم يُسيطر فيه الذكاء الاصطناعي على السطح، من الضروري تذكّر أولئك الذين يعملون في الظل، ليُعلّموا الآلات كيف تفكّر، وتفهم، وتتكلّم. وهذا يبدأ في تحديد حقيقة لا تُمسّ، وهي أنّ الذكاء الاصطناعي نابع منذ ولادته من الذكاء البشري، وتقدّمه نتيجة جهود متواصلة خلف الكواليس من قِبَل ملايين البشر الذين يُطوّرون هذه النماذج للعالم أجمع، من أجل خدمتنا في حياتنا اليومية على شتّى الأصعدة.

التكنولوجياالذكاء الاصطناعي

إقرأ المزيد في: تكنولوجيا وأمن معلومات