آراء وتحليلات

شعب المقاومة يبدّد حفلة المجون الأميركيّة
29/01/2025

شعب المقاومة يبدّد حفلة المجون الأميركيّة

لا يمكن الرهان على أميركا مطلقًا، وعند الحديث عن أميركا يستتبع بالضرورة أن نستصحب ظلالها الإقليميّة، ومنها ذلك الكيان الغاصب "إسرائيل" التابع وظيفيًا لقيادتها العسكريّة الوسطى، وتلك الملحقات المتعدّدة في اصطفافات الأقطار الإسلاميّة والعربيّة، وكذلك مصاديق نفوذها في الأقطار المحليّة.

ولا يخفى على القارئ البصير في السياسة اللبنانيّة، بداهة خضوع قوى ونخب للسيّد الأميركيّ ومن يدور مدار نفوذه، من قبل بعض مكوّنات الاجتماع السياسيّ اللبنانيّ داخل الأجهزة العميقة الرسميّة (السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والقضائيّة والماليّة والإداريّة) أو في التشكيلات الطائفيّة والزعامات السياسيّة وبعض الأحزاب وتشكّلات المجتمع المدني والنخب والهيئات الاقتصاديّة ووسائل إعلاميّة.

أوهام  الغلبة الأميركيّة 

بالتأكيد، إن خارطة النفوذ الأميركيّة في الساحة اللبنانيّة تلقي بأثقالها على القادم من يوميّاتها ودائمًا على حساب السيادة والاستقرار والحريّة والاستقلال.

وهي إذ تزداد سفورًا بفعل التطوّرات الأخيرة، وتحديدًا لناحية ما أسبغه العدوان "الإسرائيليّ" من أوهام الغلبة، وما تلاه الانقلاب المدبّر بإسقاط نظام الحكم وتداعي الدولة في سورية وتعديل موقعها ودورها "الجيواستراتيجيّ"، فتمظهر  الحدثان في إعادة إنتاج السلطة اللبنانيّة عبر مراسم التعيين الانتخابي لرئيس الجمهوريّة جوزاف عون ومن ثم تكليف رئاسة الحكومة للقاضي الأمميّ نوّاف سلام بالتوقيت والطريقة الأميركيّة "الهوليووديّة" تمهيدًا لإحداث تغييرات في قانون الانتخاب وموازين القوى داخل البرلمان اللبنانيّ وما يستتبعه من تشريعات وإجراءات وممارسات مرسومة سلفًا. 

فقد أرسى قرار وقف إطلاق النار مفاعيله من جانب واحد خلال ستين يومًا، سواء في جغرافيّة التطبيق أو في الالتزام بمضامينه مع تسجيل مئات الاعتداءات والاستفزازات "الإسرائيليّة" بالتدمير وإعادة تغذية بنك الأهداف العدوانيّة مرفقة بدعوى تلكؤ الحكومة اللبنانيّة والجيش الوطنيّ من القيام بالدور المناط بهما، ليضيف وصمة استعلاء أميركيّ "إسرائيليّ" آخر على سجل الابتزاز الرخيص والانتهاك الفاضح. 

جدليّة الميدان وعملية التفاوض: الفراغ النوعيّ

كلمة حق يجب أن تقال، لم يُنصِفُ "الاتفاق" الميدان ولا يستطيعه، فموازين الميدان تختلف عن موازين السياسة وفواعل تأثيراتها، فيما الميدان عبّر عن "صمود إعجازي" يُبهر العدو ويستجيب إلى "الوعد الصادق" بتحطيم الفرق القادمة إلى لبنان وفاء بما وعد به سيّد شهداء الأمّة. بينما، ومن جانب آخر لم يكن يمتلك المفاوض اللبنانيّ (أي ما يخلص إليه التفاوض اللبنانيّ-اللبنانيّ) في حاصل انكسارات الرأي واستثمار مجريات الميدان وكباش التفاوض داخلًا وخارجًا، أوراقًا ومناورة وصبرًا على مستوى صلابة التصدّي لـ"أولي البأس". 

خاصة وأن فراغًا كبيرًا كان قد تركه غياب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله باستشهاده في إدارته لجبهتي الميدان والسياسة ومعهما البيئة المجتمعيّة الحاضنة للمقاومة.

 يمكن تقفّي آثار هذا الفراغ للوهلة الأولى وبنحو مباشر في أربع دوائر تفاعليّة، ابتداءً من المكانة الخاصة للسيّد في حزب الله ودوره في مقاومة الاحتلال والهيمنة على صعيد لبنان والمنطقة، وعلاقته مع سائر أركان ومكوّنات المحور المقاوم ولا سيّما الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وموقعها ونظرتها وتقديرها للموقف بالتناغم معه وخلفه، وفي  علاقته مع المفاوض اللبنانيّ ووزنه في عمليّة التفاوض وضبطه لحركتها ربطًا باضطلاعه بأسرار الميدان رغم صدق التفويض وما يرتكز عليه من شرعيّة وثقة ودهاء، وفي حضوره المعنويّ والنفسيّ الخاص في قيادته الحرب النفسيّة ضد أعدائه وخصومه من صنّاع القرار إلى الوسطاء والجمهور. 

وعليه، لا يمكن نكران الفراغ الكبير الخاص للسيّد نصر الله "وجدانًا وبنيةً وديناميّةَ خطابٍ وقرارٍ وفِعل وتأثير" أو التخفيف من حدّته، بل جاء مضاعفًا مع ما سبقه ورافقه واستتبعه من الجرائم والعدوان. 

يفيد منطق الأمور بأن الطبيعة تأبى الفراغ، والفراغ يأبى الانتظار بطبيعته، من هنا سارعت القيادة لملئه، فكان الاستشهاديّ الأوّل سماحة الشيخ نعيم قاسم ومعه البدائل المتاحة في القيادة والسيطرة أوّل المتصدّين لسد الثغرات في البنية التنظيميّة وعلاقاتها السياسيّة والأمنيّة. 

بينما سال لعاب بعض الفاعلين اللبنانيّين على أرض المستجدات الإستراتيجيّة، أخذ بعضٌ ينتصر لمقاومة "إسرائيل"، لكن لم يتوان عن أن يستغل ما يراه ضعفًا في الحزب لتعويم زعامته وأدواره، وبعض آخر امتهن اللهاث خلف مصالحه الضيّقة معيدًا تعريفها بناء للمتغيّرات والتغيّرات، وبعض آخر سبقته فرحته في كسب رهانه على رأس المقاومة وقيادتها وسلاحها مدشّنًا نَخْبَ الانتشاء باحتفالية المنصب الجديد، واضعًا كلّ أرصدته في سلّة الولايات المتحدة الأميركيّة التي فتحت أبوابًا مؤصدة وانقلبت على أرجحيات حتى الأمس القريب كانت مضمونة. 

العودة الشعبيّة المظفّرة: حرية وكرامة 

لكن مدرسة السيد حسن نصر الله في السياسة أرست منهجها، فكل ما يحدث خير، ويمكن تبديل التهديد إلى فرص، والصبر البصير الشجاع يُنتج ولو بعد حين، ولا شيء من الحكمة أو التضحيات يذهب سدًى.

تقدّم شرطا صيانة مجتمع المقاومة من أي اهتزاز داخليّ، ومنح العوائل فرصة التقاط الأنفاس، فكانت الموافقة المشروطة على مضض على اتفاق وقف إطلاق النار الذي بادر العدو بنفسه لطلبه، وعلى مهلته، إيذانًا باختبار اللجنة الخماسيّة والحكومة، وإتاحة لكل المقدّمات المساعدة في إطلاق مشروعي الإيواء والإعمار، وتيمّنًا باكتساب الفرصة الكاملة في ترميم أمتن لبنية المقاومة الداخلية واستخلاص الدروس والعبر من الحرب والاستعداد التام لمرحلة ما بعد الستين يومًا.

فكانت العودة الشعبيّة المظفّرة على رأس الوقت عند انتهاء مدّة الستين يومًا إعادة ترسيم لشارة الانتصار على كل المكر "الإسرائيليّ" مع تعويم ميداني ساطع لثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة، والانفتاح على كل التطوّرات الأمنيّة. 

ما بين دموع الانتصار ودموع وداع سيد شهداء الأمة، يقف شعب المقاومة على أهبّة العظمة لأقدس استفتاء حول خياراته الحاسمة في أعلى تيئيس وإجهاض لكل المؤامرات الأميركيّة "الإسرائيليّة"، وفي أعلى استعداد لاستئناف مسيرة المقاومة بيدٍ عُليا، لا انكسار فيها ولا وهن.

وإزاء العودة المظفّرة تلك، وما يمكن أن تحمله الأيام من تطوّرات لا سيّما بعد ارتقاء الشهداء الذين سطّروا دروس العزّة في التمسّك بعقيدة المقاومة والأرض والديار، وإزاء ما ينتظر أشرف الناس برهبة التشييع الجلل والاستعداد اللائق للارتقاء بروح سماحة السيّد نصر الله، ما عاد من الجائز إلّا المجاهرة بمقاومة النفوذ الأميركيّ داخل لبنان والمضي قدمًا في استعادة تدريجيّة لألق المقاومة ومعادلاتها ولو كرهت أمريكا وأزلامها ومعها عدو الوطن والأمّة الكيان المؤقّت، وفق معادلة واقعية تفيد: إن الحقائق لا تسترها المجاملات، وإن الوقائع لا تلغيها أو تعدّلها الأمنيات؛ وهذه هي بوصلة المؤمن بعدالة قضيّته في إجهاض المؤامرات والمشاريع الخبيثة، حيث لا يتوسّم الخير من الويلات الأميركيّة، إنما فقط حمل المسؤوليّة لمواجهة التحدّيات، بما تصنعه الإرادات في نيل الحريّة وعدم التفريط بالكرامة قيد أنملة.
 

الولايات المتحدة الأميركيةالسيد حسن نصر االلهالمقاومةالجيش الاسرائيلي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
جولة روما النووية.. تفاهم حول سلسلة من المبادئ والأهداف 
جولة روما النووية.. تفاهم حول سلسلة من المبادئ والأهداف 
جولة جديدة غير مباشرة بين طهران وواشنطن: عناوين المرحلة المقبلة محور النقاش اليوم
جولة جديدة غير مباشرة بين طهران وواشنطن: عناوين المرحلة المقبلة محور النقاش اليوم
قرار الرسوم الجمركية يهدّد عرش أميركا المالي
قرار الرسوم الجمركية يهدّد عرش أميركا المالي
تحديات المفاوضات النووية والتطورات الإقليمية محور اهتمام الصحف الإيرانية
تحديات المفاوضات النووية والتطورات الإقليمية محور اهتمام الصحف الإيرانية
العميد اليمني مجيب شمسان لـ "العهد": سندافع عن فلسطين حتى آخر طلقة وكل تصعيد سيُواجَه بصاعق أعظم
العميد اليمني مجيب شمسان لـ "العهد": سندافع عن فلسطين حتى آخر طلقة وكل تصعيد سيُواجَه بصاعق أعظم
تلامذة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم يزورون مرقد سيد شهداء الأمة
تلامذة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم يزورون مرقد سيد شهداء الأمة
بالفيديو| سلسلة أوصيكم: "المهم أن لا تُسقِطك الضربة"
بالفيديو| سلسلة أوصيكم: "المهم أن لا تُسقِطك الضربة"
بالصور|  في أول أيام عيد الفطر المبارك.. حشود غفيرة تُيمّم وجهها شطر مرقد سيد شهداء الأمة
بالصور| في أول أيام عيد الفطر المبارك.. حشود غفيرة تُيمّم وجهها شطر مرقد سيد شهداء الأمة
لجان شبابية وتربوية تضع إكليلًا من الزهر على ضريح السيد نصر الله
لجان شبابية وتربوية تضع إكليلًا من الزهر على ضريح السيد نصر الله
منذ الثمانينيات.. القدس دُرّة خطابات السيد نصر الله
منذ الثمانينيات.. القدس دُرّة خطابات السيد نصر الله
فيديو| كلمة الشيخ قاسم حول الاستراتيجية الدفاعية
فيديو| كلمة الشيخ قاسم حول الاستراتيجية الدفاعية
الشيخ نعيم قاسم: لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح المقاومة.. ولدينا خيارات ولا نخشى شيئًا
الشيخ نعيم قاسم: لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح المقاومة.. ولدينا خيارات ولا نخشى شيئًا
توافق بلدي في حدث بعلبك وكفر دبش برعاية حزب الله
توافق بلدي في حدث بعلبك وكفر دبش برعاية حزب الله
الشيخ الخطيب يستقبل وفد الوفاء للمقاومة.. فضل الله: المجلس الشيعي أكبر من كلّ تطاول ومحاولة اعتداء
الشيخ الخطيب يستقبل وفد الوفاء للمقاومة.. فضل الله: المجلس الشيعي أكبر من كلّ تطاول ومحاولة اعتداء
الشيخ دعموش: الحديث عن نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت يتعارض مع مصلحة لبنان
الشيخ دعموش: الحديث عن نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت يتعارض مع مصلحة لبنان
الاحتلال يشنّ حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية وسط اشتباكات مع المقاومة
الاحتلال يشنّ حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية وسط اشتباكات مع المقاومة
الاحتلال يصعّد عدوانه على النازحين.. عشرات الشهداء في خيم خان يونس وجباليا وبيت لاهيا
الاحتلال يصعّد عدوانه على النازحين.. عشرات الشهداء في خيم خان يونس وجباليا وبيت لاهيا
نكّل الاحتلال بجثمانيهما.. سرايا القدس تزف مجاهدَين ارتقيا خلال اشتباك في جنين
نكّل الاحتلال بجثمانيهما.. سرايا القدس تزف مجاهدَين ارتقيا خلال اشتباك في جنين
اعتقال عنصر احتياط في "الشاباك" لتسريبه معلومات سرية
اعتقال عنصر احتياط في "الشاباك" لتسريبه معلومات سرية
بعد التدهور الكبير في الصحة النفسية.. جيش الاحتلال يعمل على تفعيل مسار احتياطي
بعد التدهور الكبير في الصحة النفسية.. جيش الاحتلال يعمل على تفعيل مسار احتياطي