اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

تحقيقات ومقابلات

تحقيقات ومقابلات

"العهد" يُجري حوارًا شاملًا مع النائب فضل الله: هكذا واكب شهيدنا الأسمى تحرير الجنوب

459

يكفي أن تسأل عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله عن عيد المقاومة والتحرير حتى يُسهب باسترجاع ذكريات تلك الأيام المجيدة. يتحدّث بحماسة وشوق مستعيدًا لحظات الزحف نحو الجنوب، وهو ابن بلدة عيناتا الجنوبية التي عانت ما عانته من الاحتلال الغاشم. يفتح فضل الله صفحات تلك المرحلة المفصلية، ويتوقف عند دلالاتها. قريته كانت مُحتلّةً منذ العام 1978، تَفَتَّحَ وعيه في بدايات حياته على مشهد الطائرة "الإسرائيليّة" التي تقصفُ، وعلى مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يقتحمون القرى والبلدات ويفجّرون المنازل ويهجّرون السكانَ.

لسماحة سيد شهداء الأمة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله حصّة الأسد، فهو سيّد التحرير، واكب تلك المحطة بتفاصيلها، وكان يتابعُ مباشرةً، من خلال الاتصالات الهاتفيّة مع كلِّ محورٍ من محاورِ التقدُّم والتحريرِ الشعبيِّ. يتوسّع فضل الله في الحديث عن سماحة السيد، منذ ما قبل تحرير العام 2000 حتى ما بعد "طوفان الأقصى". يلفت إلى أنّ سماحته ردّد في إحدى الجلساتِ: "ما يهمّنا رضا اللهِ -عزَّ وجلَّ- وأن ندافعَ عن هؤلاءِ المظلومين في غزة"... في البال عن السيد الكثير، فهو سيد الانتصارات، لكنّ فضل الله يجد نفسه مضطرًا للتوقف عن الحديث، إذ تخنقه العبرة..

في سياق حديثه، يتطرّق فضل الله إلى ما يجري اليوم من اعتداءات "إسرائيلية"، فيقول :" الأمورُ الآن، في عهدة الحكومة اللبنانيّة، وهي التي تتحمّلُ المسؤوليّة الكاملة عن تلك المنطقة. اليومَ، الذين يتحدّثون عن خيارِ الدبلوماسيّةِ، عليهم أن يُثبِتوا جدوى هذا الخيارِ. لكن، إلى الآن، بعد مرورِ هذه الأشهرِ، العدوُّ يرتكب القتل، لا يُطلِقُ الأسرى، يُمارس هذه الاعتداءاتُ يوميًا، فهل هذا الخيارُ الدبلوماسيُّ سيثبُتُ جدوائيته؟... تجربتُنا تقول إنّ هذا رهانٌ فاشلٌ...".

 أما الحملة على المقاومة، فيرى فيها فضل الله دليلًا على أنّ هذه المقاومة ما تزالُ موجودة وحاضرة، وأنّ بيئتَها تتفاعلُ معها، وأنّها متماسكة. وإذا كانتْ، كما يدّعي هؤلاء، أنّ المقاومة انتهتْ، فلماذا هذه الحملة عليها؟ يسأل فضل الله.

في ما يلي نص المقابلة: 

س. ماذا يعني عيد المقاومة والتحرير في وجدانكم الشخصي والسياسيّ؟

ج. تمرّ الذكرى وفي القلب غصة وفي العين دمعة، فهي المرة الأولى بعد ربعِ قرن على التحريرِ نحييه وصُناعه من قادة المقاومة شهداء وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله الذي كانت قيادته للمقاومة هي المؤسس لتحقيق هذا الإنجاز، فقد انتقل بها إلى مرحلة جديدة مزج بين فاعلية العمل العسكري والحضور الجماهيري المباشر.. ولأنه آمن بشعبه ووثق الناس بصدقيته التفوا حول المقاومة التي تعاظمت إنجازاتها وانتصاراتها وخروجها من الحروب "الإسرائيليّة" على لبنان منتصرة، وهو ما حصل في العام ١٩٩٣ والعام ١٩٩٦ الذي أنجزت فيه المقاومة تفاهم نيسان لحماية المدنيين، وأسس هذا الانجاز للتحرير في العام ٢٠٠٠.

نستحضر في هذه الذكرى أحد القادة الفعليين للتحرير وصاحب القرار الجريء بالدخول إلى القنطرة والتقدم إلى الأمام نحو القرى المحتلة، وهو العلامة الشهيد الشيخ نبيل قاووق الذي كان مسؤولًا عن منطقة الجنوب. وهو من خلال تواصله مع رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، بصفته مسؤولًا مباشرًا عنه، أخذ القرار بالزحف الشعبي، وتقدم الصفوف ليكون من أوئل الزاحفين إلى القرى لتحريرها، والتقيت به آنذاك في ساحة بلدتي عيناثا، وكنت على تواصل مباشر مع السيد صفي الدين الذي كان يوجّه قيادة المنطقة في كيفية إدارة التحرير.

كان السيد نصر الله، في مقر الأمانة العامة، عندما زرته في اليوم الرابع من أيام التحرير بعد عودتي مباشرة من المناطق المحررة. وشرحت له بعض المجريات على الأرض وكيفية التعامل مع العملاء، فكان جوابه نقتدي بسيرة جدك رسول الله- صلوات الله عليه- في فتح مكة الذي قال "اليوم يوم المرحمة؛ اذهبوا فأنتم الطلقاء"؛ ولم يقبل بأي انتقام حتى ممن قتل عمه حمزة ومثّل بجسده الطاهر. 

لقد كان سماحةُ السيّد نصر الله (رض) يتابعُ مباشرةً، من خلال الاتصالات الهاتفيّة التي كانت متوفّرةً، بشكلٍ كبيرٍ آنذاك، ليتواصل مع كلِّ محورٍ من محاورِ التقدُّم والتحريرِ الشعبيِّ. وفي تلك الليالي المشرقة، انتظرَ المعتقلون الذين كانوا في معتقلِ الخيام، وجَرى نقلُهم آنذاك إلى باحة الشورى، واستقبلهم سماحة السيّد وتحدّثَ إليهم. في هذا السياق؛ أوفد الأمين العام بعض الإخوة ليذهبوا إلى بعضِ القرى المسيحيّةِ، ليطمئنّوا أهلَها بأنّه لن يُمَسَّ أيُّ مواطنٍ بأيِّ أذًى، حتّى العملاء يستلِمُهم الجيش اللبنانيُّ. 

وحين نستذكر الشهداء القادة؛ لا بد أن نتوقف عند الدور الكبير الذي أداه الشهيد القائد الحاج أبو الفضل كركي، وهو الذي أمضى حياته في الميدان، وكان في الجنوب يدير عمليات المقاومة من موقعه القيادي، وعمل مع الحاج عماد مغنية وبقية القادة على توفير أفضل الظروف ليكون التحرير بأبهى صورة. وكان الشهيد الحاج عماد مغنية من أوائل من توجهوا إلى المنطقة، وهو الذي كان يقود الميدان من جهة، ويعمل لتنفيذ توجيهات الأمين العام ليأتي التحرير بأنصع صورة تاريخية، من جهة ثانية، وهو ما أنجز فعليًا على الأرض. وعندما زار السفيرُ الفرنسي فيليب لوكورتييه السيد نصر الله، بعد التحريرِ في الأمانة العامّة، استخدم عبارة (Chapeau bas)، أي "تُرفع لك القبّعة"، وقال له: "في فرنسا، أُعدِم عشرة آلاف. وعندكم لم تحصل ضربة كف".

مجريات التحرير تحمل عبق هؤلاء الشهداء القادة، فنستعيد صورهم، واحدًا واحدًا، القائد الجهادي الحاج إبراهيم عقيل الذي تعرفه ساحات الجنوب والسيد فؤاد القائد الجهادي الذي واكب المقاومة منذ بدايتها، وكان إلى جانب السيد نصر الله عندما جاء إلى بنت جبيل ليطلق خطاب التحرير من ملعب المدينة، والسيد مصطفى بدر الدين الذي كان قائدًا من قادة هذه المقاومة، وله بصمات في مسيرتها. كما تحمل مجريات التحرير عبق كل نقطة دم سقت تلك الأرض على امتداد مسيرة المقاومة، واليوم نقول إنّ هذا التحرير ما يزال الإنجاز الأهمَّ في تاريخِ لبنان، وفي تاريخِ المنطقة، لدلالاتِه العديدة، وأهمُّها أنّه بعد نشأة الكيان الصهيونيِّ واحتلال فلسطين وأراضٍ عربية، في الأردن وسوريا ولبنان ومصر، لم تتحرّر أيُّ بقعة جغرافية قبل العامِ ٢٠٠٠ من دون شروط أو تنازلات سياسية، إلّا في الحدث اللبنانيّ، عندما تمكّنتْ المقاومة من تحريرِ الأرضِ من دون أيّ تنازلات، وحقّقتْ انتصارًا تاريخيًّا لا يزال محفورًا في وجدان كلِّ الشرفاء والأحرارِ في العالم، وله موقعه الخاص عند أبناء الجنوب والقرى والبلدات التي تحرّرتْ من الاحتلال "الإسرائيليّ".

لقد كان الهم الأساسي عند سماحة السيد هو الناس وكيفية حمايتهم وتأمين حياة عزيزة لهم؛ ولذلك كان يعمل دائما من أجل الدفاع عنهم، وهدفه نيل رضا الله من خلال خدمة الناس. وفي مواجهة المجزرة "الإسرائيليّةِ" التاريخيّة في غزّة، كان سماحتُه يردّدُ في إحدى الجلساتِ: "ما يهمّنا رضا- اللهِ عزَّ وجلَّ- وأن ندافعَ عن هؤلاءِ المظلومين، وأن نقوم بما علينا، وبحسب إمكاناتنا وقدراتنا وظروف البلد، من أجلِ الناسِ، لأنّ هذا الشعب الفلسطينيَّ مظلومٌ، والأطفال والنساء في غزّة يُذبحون، ولهم حقٌّ في حياة عزيزة كريمة". وعندما سعى سماحةُ السيّدِ كي لا تقع حرب على لبنان، وأن يكون الإسناد وفقًا لما يُحقّقُه الهدف في وقف العدوان على غزّة، وأن لا يأخذ البلد إلى حرب، إنّما كان همُّه الناس، لأنّه لا يريد للناسِ أن يتأذّوا أو يتألّموا.

السيّد استُشهِد؛ لأنّه كان يُدافع عن الناسِ، وهو يُؤدّي واجبه تجاه شعبِه وأمّته وتكليفه، وكان يستخدم عبارة: "إنّنا نؤدّي تكليفَنا، وإذا وقفْنا بين يدي اللهِ عزَّ وجلَّ، سيسألُنا: ماذا فعلتم، وأنتم ترون أطفالًا يُذبحون، واحتلالًا، وعدوانًا؟". كان دائمًا السيّدُ، هذا هُمّه، واستُشهِد في غرفة العمليّات، وهو يقودُ هذه المقاومةَ. 

س. إلى أي مدى شكّل التحرير محطة مضيئة ما نزال نعيش بركاتها، وسط محاولات البعض لسلب هذا التحرير وهجه إثر العدوان الأخير على لبنان؟ 

على الرغم من كلِّ ما حصل، خصوصًا العدوان "الإسرائيليِّ" الأخير، ما يزالُ هذا التحريرُ علامة مضيئة، ومحطة أساسية في تاريخِنا المعاصرِ، لأنّ التطورات التي تحدثُ لا يمكنها حجب الحقيقة الناصعة بأنّ هذه القرى والبلداتِ تحرّرتْ، والتتويجُ لهذا التحريرِ كان في العامِ ٢٠٠٠. وعلينا ألّا ننسى أنّ العدوَّ "الإسرائيليَّ" في حزيران ١٩٨٢ اجتاح مناطقَ واسعة في لبنان، ووصل إلى العاصمة بيروت واحتلّها في أيلول من ذلك العام، وأنّ تصاعد االمقاومةَ في شوارعِ بيروتَ والضاحية وقرى وبلدات الجنوب، وفي البقاعِ الغربيِّ، وفي كلِّ منطقةٍ دخلها الاحتلال، راكمتْ الإنجازاتٍ من التحريرِ الأول لبيروت بعد أيام من الاحتلال، إلى تحريرِ العام 1983  وصولًا إلى تحريرِ صيدا، إلى التحريرِ الكبيرِ في العام 1985، عندما اضطرّ العدوُّ إلى الانكفاءِ والخروجِ من معظمِ الأراضي اللبنانيةِ باستثناءِ منطقة الشريط الحدوديِّ، والتي راكمتْ فيها أيضًا المقاومةُ الإنجازات منذ العام 1985، على مدى خمسة عشرَ عامًا، وصولًا إلى التحريرِ.

نحن نتحدثُ عن احتلالٍ "إسرائيليٍّ" للبنان، وعن تحريرٍ متدرّجٍ وصولًا إلى 25 أيار العام 2000، لذلك نحن نتحدثُ عن إنجازٍ تاريخيٍّ، ونتحدثُ عن تمكُّنِ اللبنانيين من طرد الاحتلالِ من دون شروطٍ سياسيةٍ، وعن توفيرِ معادلةِ ردعٍ على مدى السنواتِ التي أعقبتْ التحرير. إذا أردْنا التحدث عن المرحلة، من العامِ ألفين إلى "طوفان الأقصى" وما أعقبها من تطوّراتٍ، فالمقاومة بسلاحها، بمعادلاتها، بردعها، استطاعتْ أن تحقّق التحرير، وأن توفّر الحماية، وأن تصنع المعادلات والإنجازات.. ربّما البعضُ يحاول أن يقرأَ اللحظةَ فقط، ويتجاهلَ وقائعَ التاريخِ. علينا، عندما ندرس الوقائع التاريخية، أن ندرسها كما وقعتْ وحدثتْ، وأن ننظر إلى الإنجازات كما تحقّقتْ، ولا أن نحصر التفكير في لحظة سياسية معيّنة، بأوضاعٍ معيّنة، فهذه الأوضاع لا يمكن لها أن تستمر خلافًا لسنن التاريخ؛ فإرادة الشعوب هي التي تنتصر على المحتلين.

س. نعود إلى المستوى الشخصي؟ ماذا يعني لكم التحرير؟

على المستوى الشخصيّ، أنا أنتمي إلى قريةٍ كانت مُحتلّةً منذ العام 1978، نحن وُجدنا في بيئة شعبيّة، وفي بقعة جغرافيّة على وقعِ الاعتداءات "الإسرائيليّة" اليوميّةِ، تَفَتَّحَ وعينا في بدايات حياتنا على مشهد الطائرة "الإسرائيليّة" التي تقصفُ، وعلى مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يقتحمون القرى والبلدات ويفجّرون المنازل ويهجّرون السكانَ.

هذا كان في مطلعِ السبعينيّاتِ إلى العامِ 1978، عندما احتُلَّتْ تلك المنطقةُ، ومارس فيها جنود العدوُّ وعملاؤه أبشع الممارسات: القتلِ، والتهجيرِ، وحرقِ البيوتِ، والزج في المعتقلات. عندما بدأنا في 21 أيّارَ الزحف الشعبيَّ باتجاهِ قرانا، كانت تظللنا معادلة الحماية التي وفرتها المقاومة، وفي داخلنا كل معاني العزة والكرامة والعنفوان التي لا يمكنُ أن تتبدّدَ أو تنسى،  وعندما دخلْنا مع الناسِ إلى القرى والبلداتِ في ذلك التاريخِ المُشرقِ، استعدْنا حياتنا الحقيقيّة، استعدْنا تلك العلاقة التي بقينا محرومين منها لسنوات طويلة مع قرانا.

بعد كلِّ هذا الزمنِ الذي مرَّ، عندما نستعيد تلك اللحظات مع الأهالي والزاحفين، مع الصامدين في قراهم، نستعيد هذا العنفوان، هذا الفخر، هذا الاعتزاز، هذه الكرامة الوطنيّة، ودائمًا في كلِّ هذه المناسبات، وفي كلِّ هذه الإنجازات، نستعيدُ صورة هؤلاء الشهداء الكبارِ العظامِ الذين ضحّوا.

س. يمرّ عيد التحرير اليوم، ولبنان يتعرّض لاعتداءات "إسرائيلية" يومية، برأيكم، إلى أي مدى يتقدّم خيار المقاومة على الدبلوماسية التي لم تفعل شيئًا حتى اللحظة لوقف الاعتداءات؟ 

ج. لنتذكّر جميعًا أنّ لبنان منذ العامِ 1948 كان عُرضةً لاعتداءاتٍ إسرائيليّةٍ متكرّرةٍ، وصولًا إلى الاحتلالِ العام 1978، فصَدرت قرارات دوليّة، وهذه القرارات ضرب بها العدوُّ عرضَ الحائطِ، ثم جاء اجتياحُ 1982، ولم يستجِب العدوُّ لأيّ من هذه القرارات الدوليّة أو الضغوط السياسيّة أو الحركة الدبلوماسيّةِ. كلُّ التحرّكاتِ السياسيّةِ منذ العامِ 1978 إلى العامِ 2000 لم تُحرِّر لنا شِبرًا من الأرضِ. اليومَ، بعد العدوانِ "الإسرائيليِّ" الأخيرِ على لبنان، ونتيجة الصمودِ الأسطوريّ والتاريخيِّ للمقاومين في القرى الأماميّة، وعلى امتداد مساحة المواجهة، لم يتمكّنِ العدوُّ من الاستقرارِ في قرانا وبلداتِنا. وعلينا أن نُسجّل هنا أنّ الذي أجبر العدوَّ على التراجعِ هو بطولاتُ المقاومين، والذي منع العدوَّ من احتلال جنوب الليطاني، وهي البقعةُ الجغرافيّةُ اللبنانيّةُ محلُّ الطمعِ "الإسرائيليِّ" هي المقاومة.. وربّما البعضُ ينسى أنّه في العام 1982 جاء العدوُّ ببيوتٍ جاهزةٍ، وأراد أن يستوطن بعض المناطقِ اللبنانيّة، لكنّ نتيجةَ عمليات المقاومة أُحبِطَ هذا المشروعُ.

إذًا، في الحربِ الأخيرةِ، المقاومة هي التي منعتْ العدوَّ من احتلالِ الأرضِ. هو استغلّ االهدنة، وارتكب ما ارتكب، وفعل ما فعل، وبقي في بعضِ النقاطِ المحتلّةِ. الآنَ، الأمورُ في عهدة الحكومة اللبنانيّة، وهي التي تتحمّلُ المسؤوليّة الكاملة عن تلك المنطقة. قيل لنا إنّ لبنان سيلجأ إلى الدبلوماسيّة والمجتمعِ الدوليِّ والقرارات الدوليّة وصداقاتِه، وممارسة الضغوط من أجلِ إجبارِ العدوِّ على الانسحابِ. بعد مرورِ هذه الأشهرِ على وقف إطلاق النارِ، حتّى الآن، لم نجدْ أنّ كلَّ هذا الجهد والدعوات قد أنتجَ لنا حمايةً للبنان أو تحريرًا للأرض.

اليومَ، الذين يتحدّثون عن خيارِ الدبلوماسيّةِ، عليهم أن يُثبِتوا جدوى هذا الخيارِ. لكن، إلى الآن، بعد مرورِ هذه الأشهرِ، العدوُّ يرتكب القتل، لا يُطلِقُ الأسرى، يُمارس هذه الاعتداءاتُ يوميًا، فهل هذا الخيارُ الدبلوماسيُّ، سيثبُتُ جدوائيته؟. نحن قلنا للحكومةِ والمسؤولين إنّ الأمور الآن في عهدتِكم، وعلى مسؤوليّتِكم، وأنتم تتحمّلون المسؤوليّة الكاملة عن العملِ والسعيِ من أجلِ إجبارِ العدوِّ على الانسحاب. وتجربتُنا التاريخيّةُ تقول إنّ القرارات الدوليّةَ والضغوط الدبلوماسيّةَ، أو الاتّكال على الخارجِ، لا تؤدي إلى نتيجة، وهذا رهانٌ فاشلٌ.

لكنّ اليوم، أمام الدولةِ اللبنانية، ومَن تقولُ إنّهم أصدقاؤُها في الخارجِ، فرصة للإثباتِ للبنانيين أنّه بالإمكان تحرير الأرضِ، ومنع الاعتداءات، واستعادةُ الأسرى بالجهدِ الدبلوماسيِّ. ونحن لا نزالُ نقول للحكومة إنّ عليها أن تقوم بكلِّ جهدٍ ممكنٍ، ونقولُ للمسؤولين في الدولةِ اللبنانيّةِ إنّ عليهم أن يقوموا بكلِّ جهدٍ ممكنٍ. لكنَّ هذا الوضع الخطير الآن، والذي نراهُ من خلال الاعتداءاتِ "الإسرائيليّة"، لا يزال يُهدّد لبنان واستقراره، ويمنع هذا الاستقرار، ليس فقط على أرضِ الجنوب وحسب، لأنّه من الخطأ الجسيم الاعتقادُ أنّ هزَّ الاستقرارِ في الجنوب يمكنُ أن يمرَّ من دون تأثيرٍ على لبنان كلِّه.

هذا خطأٌ ارتُكِب في السابقِ، ونتمنّى ألّا يرتَكَبَه اليوم أحد في لبنان. والأولوية الموازية المطلوبة من الحكومة هي إعادة الاعمار، ولا توجد خطوات عملية في هذا الملف إلى الآن، وهذا التأخير يثير علامات استفهام كبيرة، وعدم إنجازه له تأثيرات سلبية على البلد ككل.

س. يُصادف عيد المقاومة والتحرير هذا العام، والمقاومة تتعرض لضغوط كبيرة، مع محاولات داخلية وخارجية للنيل من سمعتها، وتصريحات تقول إن "حزب الله والمقاومة انتهت". كيف تعلقون على هذا الأمر؟

ج. عندما نجد أنّ هناك حملة إعلاميّة داخليّة وخارجيّة بهذا الحجم على المقاومة وبيئتِها، فهذا يعني أنّ هذه المقاومةَ لا تزال قوية  وحاضرةٌ، وأنّ هذه البيئةَ متماسكةٌ، وأنّ كلُّ الحرب العسكريّة لم تستطعْ أن تقضي عليها، وبالتالي يلجأؤون اليوم إلى الضغوط السياسيّة، والحصارِ، والمزيد من العقوباتِ، وإلى محاولةِ التشويه. كلُّ هذه المحاولاتِ دليلٌ على أنّ هذه المقاومةَ لا تزالُ موجودةً وحاضرةً، وأنّ بيئتَها تتفاعلُ معها، وأنّها متماسكةٌ.

وإذا كانتْ، كما يدّعي هؤلاء، أنّ المقاومةَ انتهتْ، فلماذا هذه الحملة عليها؟ ولماذا هذا التحريض المستمرُّ؟ الحرب على المقاومة على المستوى الإعلاميِّ والسياسيِّ والماليِّ هي حرب خارجيّةٌ، لديها بعضُ الأدوات الداخليّة التي تُنَفِّذُ أجندة خارجيّة، لأنّ استهدافَ البيئة، واستهدافَ هذا المكوِّن الأساسيِّ في لبنان، لا يمتُّ إلى المصلحة الوطنيّة بصِلةٍ، إنّما هو جزءٌ من تقديم أوراق اعتمادٍ للخارجِ أو تنفيذِ أوامر خارجيّةٍ.

المصدر : العهد
الكلمات المفتاحية
مشاركة