اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الذكاء الاصطناعي قد يسيء تفسير أوامرنا... وهذا أخطر ما فيه

تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي والبيئة: ما لا يُقال عن الكلفة البيئية للثورة الذكية
تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي والبيئة: ما لا يُقال عن الكلفة البيئية للثورة الذكية

1277

في خضم التقدم الهائل الذي يشهده العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، يُثار سؤال مهم لا يحظى بالاهتمام الكافي: ما الأثر البيئي لهذه التقنية الثورية؟ في الوقت الذي تنبهر فيه المجتمعات بقدرة النماذج اللغوية مثل ChatGPT وGPT-4 على كتابة النصوص، وحل المسائل، وتحليل البيانات، يختفي خلف هذا الإبهار واقع بيئي مقلق، يطاول الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه وحتى المناخ الذي يحدد مصائرنا الجماعية.

حين نطلب من نموذج لغوي مثل ChatGPT أن يجيب عن سؤال، فإن العملية لا تقتصر على بضع نبضات كهربائية في الحاسوب، بل هي نتيجة لمليارات العمليات الحسابية التي تجري في مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء. هذه الطاقة غالبًا ما تُولد من مصادر غير متجددة، ما يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة.

وفقًا لتحليل أجرته جامعة ماساتشوستس في أمهيرست، فإن تدريب نموذج GPT-3 وحده أنتج أكثر من 552 طنًا متريًا من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية لـ123 سيارة تعمل بالبنزين. الأمر يزداد حدة مع النماذج الأحدث. فبحسب تقديرات منشورة على منصة Medium، فإن GPT-4 قد تولّد عنه أكثر من 15,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون في أثناء عملية التدريب فقط، وهو رقم يعادل البصمة الكربونية السنوية لما يقارب 938 أمريكيًا.

على أن القصة البيئية، لا تنتهي بمجرد الانتهاء من تدريب النموذج، فالتشغيل المستمر لهذه النماذج يتطلب طاقة كبيرة بدوره. تشير التقديرات إلى أن استعلامًا واحدًا على ChatGPT يستهلك طاقة تعادل خمسة أضعاف استعلام البحث التقليدي على محركات مثل غوغل. وتشير منصة Earth.org إلى أن الاستخدام اليومي لـ ChatGPT يمكن أن ينتج نحو 8.4 أطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهي بصمة تفوق بصمة الفرد العادي على كوكب الأرض.

مراكز البيانات، حيث تُدار هذه النماذج، تحتاج إلى تبريد دائم للحفاظ على درجات حرارة مناسبة للمعالجات. وهذه العملية بدورها تعتمد على استهلاك كميات كبيرة من الماء. تقرير نشرته صحيفة MIT News في 2024 أشار إلى أن شركة واحدة مثل مايكروسوفت استخدمت أكثر من 1.7 مليار ليتر من الماء في عام واحد لتبريد خوادم الذكاء الاصطناعي لديها.

رغم هذه الأرقام الصادمة، لا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي عدو للبيئة بالضرورة. في الواقع، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جزءًا من الحل إذا وُجه بشكل صحيح. فهو يُستخدم بالفعل في تحسين كفاءة الطاقة في المصانع، وتحليل صور الأقمار الصناعية لمراقبة إزالة الغابات، والتنبؤ بالكوارث البيئية قبل وقوعها. المبادرات البيئية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل استخدامه في تتبع الانبعاثات الغازية من الشركات الكبرى، بدأت تحصد ثمارها في تقليص التأثير البيئي للصناعات الثقيلة.
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الأرقام، بل في التفاوت العالمي في تحمّل الكلفة البيئية. فبينما تُبنى مراكز البيانات في الدول الغنية، تعاني دول الجنوب العالمي من آثار تغيّر المناخ الذي يُسهم فيه هذا الاستهلاك المتزايد للطاقة. كما أن معظم مراكز البيانات تعتمد على الكهرباء من مصادر غير متجددة، مما يجعل الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الدول الفقيرة مكلفة بيئيًا وماديًا.

لحسن الحظ، بدأت تظهر نماذج ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة من حيث الطاقة. نموذج DeepSeek المطوّر في الصين، على سبيل المثال، صُمم ليكون أقل استهلاكًا للموارد، حيث تشير التقارير إلى أن بصمته الكربونية السنوية لا تتجاوز 50 طنًا متريًا. هذه الاتجاهات تعكس بداية إدراك متزايد لضرورة مواءمة الذكاء الاصطناعي مع أهداف التنمية المستدامة.

إن ما نحتاج إليه اليوم هو تطوير أخلاقيات رقمية شاملة، تضع البيئة ضمن أولويات تصميم وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي. يجب أن نطالب بشفافية في الإبلاغ عن الانبعاثات الناتجة عن هذه النماذج، وتشجيع الابتكار الذي يوازن بين التقدم التقني والاستدامة البيئية. فكما لا يمكن تجاهل دور الذكاء الاصطناعي في تغيير العالم، لا يمكن أيضًا تجاهل الأثر الذي يتركه في كوكب الأرض.

 

الكلمات المفتاحية
مشاركة