خاص العهد

لمناسبة ذكرى زواج النورين وأسبوع الأسرة، أقام مجمع السيدة زينب (ع) في بئر العبد محاضرة فكرية بعنوان "الأسرة المقاومة"، ألقاها الدكتور علي كريم، مدير الدراسات الميدانية في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، بحضور عدد من المهتمين بالشأن التربوي والاجتماعي.
الأسرة بوصفها خلية مقاومة
في مستهلّ حديثه، تناول الدكتور علي كريّم المفهوم التأسيسي لفكرة "الأسرة المقاومة"، معتبرًا إياها القاعدة الاجتماعية الأولى للصمود والتماسك في وجه الحروب والفتن والتحديات اليومية، ليس فقط من خلال البقاء، بل عبر قدرتها على إنتاج وعي جماعي يتجاوز الألم الفردي إلى معنى الانتماء والهدف الجماعي.
وقال كريّم: "ليست المقاومة فقط حمل سلاح في الميدان، بل هي سلوك يومي يتجلى في كيفية بناء البيت، وتربية الأبناء، وتحمل الأزمات، ومواجهة الانهيارات القيمية."
من الاجتياحات إلى الحروب النفسية: الأسرة في قلب المعركة
واستعرض الدكتور كريّم مشاهد من الذاكرة التاريخية لبيئة المقاومة، بدءًا من اجتياح 1982 إلى حروب تموز وغزة وصولاً إلى الحرب النفسية والإعلامية الراهنة، مشددًا على أن الأسرة اللبنانية في الجنوب والضاحية كانت دائمًا خط الدفاع الأول عبر احتضانها للمجاهدين، وتربية الأجيال، ومراكمة الوعي التاريخي.
وأشار إلى أن :"هذه العائلة التي صنعت المحطات، من الاجتياح الأول إلى حرب تمّوز، وكانت دائمًا في الموقع الأمامي، حاملة مشروعًا أخلاقيًا وثقافيًا قبل أن يكون سياسيًا أو عسكريًا".
تفكيك العائلة سلاح عدواني: الطلاق - العزلة - والتفكك
خصّص الدكتور كريّم جزءًا من حديثه لنقد أنماط تفكك الأسرة في الزمن المعاصر، معتبرًا أن الهجمة على الأسرة ليست محض فوضى اجتماعية، بل سياسة مدروسة تهدف إلى تفريغ المجتمع من قدرته على المقاومة النفسية والثقافية حيث رأى أن: "الطلاق اليوم ليس فقط قرارًا شخصيًا، بل انعكاس لتراجع البنية القيمية. نحن لا ندين الناس، بل ندعو إلى وعي جماعي يُدرك أن الحفاظ على الأسرة بات فعل مقاومة بحد ذاته".
التربية على الصبر: المعركة التربوية بين المثل والمصير
وشدّد كريّم على أن التربية على الصبر ليست خضوعًا بل تحصينًا للوجدان في وجه الضغوط، مضيفًا أن "صبر الأم، وصمت الأب، ووعي الأولاد، هو سلسلة مقاومة لا تقل قيمة عن أي إنجاز ميداني".
وتطرّق إلى سيرة النبي محمد (ص) وأهل البيت (ع)، بوصفها نماذج خالدة في بناء الإنسان المقاوم، معتبرًا أن المحطات التاريخية التي مرت بها الأسر النبوية كانت مدرسة أخلاقية وعقائدية يجب أن تُترجم في حياتنا اليومية.
مجتمع المقاومة ليس فقط مجتمع سلاح
أكد الدكتور كريّم أنّ المشروع الذي تنتمي إليه هذه العائلة "المقاومة"، ليس مجرد رد فعل عسكري، بل هو "بناء داخلي طويل الأمد" يُربّي جيلًا يقاوم بالعلم، وبالأخلاق، وبالإنتاج، وبالاستمرار.
ولفت إلى أنه: "عندما نحمي عائلاتنا، نؤسّس لمجتمع لا يُهزم، لأنّ السلاح وحده لا يصنع النصر، بل الذي يحمله، والبيت الذي يُربّيه".
ودعا الدكتور علي كريم إلى إعادة إنتاج خطاب الأسرة في زمن الانهيار، ومواكبة التغيرات دون التفريط بالثوابت، مؤكدًا أن العائلة المقاومة هي مرآة المشروع كله.