اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي القوات المسلحة اليمنية تستهدف مطار اللد بصاروخ "ذو الفقار".. ورسالة للمجاهدين في غزة

إيران

الإمام الخميني ملهم الثائرين.. مسيرة جهاد حتى النصر 
إيران

الإمام الخميني ملهم الثائرين.. مسيرة جهاد حتى النصر 

تحل في هذه الأيام ذكرى رحيل الإمام الخميني (قده)، نسلّط الضوء فيها على مسيرته التي أثمرت نصرًا.
449

هو روح الله ومُرسي الإسلام المحمدي الأصيل في إيران، الإمام الخميني (قده) الذي تحل ذكرى رحيله في هذه الأيام، بعدما نقل الجمهورية من الشاهنشاهية إلى رحاب الدين القويم ونهج النبي محمد وأهل البيت (ص)، لتكون ثورته هي الأعضم في التاريخ الحديث، ولتُلهم طلاب الحق في العالم.

ولد الإمام الخميني لعائلة من أهل العلم والهجرة والجهاد من ذرية السيدة فاطمة الزهراء (ع)، وذلك في مدينة خمين الواقعة في جنوب غرب طهران، عام 1320 للهجرة (21 أيلول/سبتمبر 1902) في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى.

ورث صفاتِ آبائه وأجداده الذين عملوا جيلًا بعد جيل في إرشاد الناس وهدايتهم وتحصيل العلوم والمعارف الإلهية. ولم يكن قد مضى على ولادة روح الله أكثر من 5 شهور، حينما قمع الطواغيت المدعومون من الحكومة آنذاك دعوات والده إلى الإصلاح، ليُستَشهد بالرصاص وهو في طريقه من خمين إلى أراك، وهو ما جعل الإمام الخميني يتعرَّف منذ صغره معنى الشهادة.

قضى الإمام الخميني طفولته وصباه في ظل رعاية والدته المؤمنة السيدة هاجر، وهي، بدورها، من بيت علم وتقوى وإحدى حفيدات المرحوم آية الله الخوانساري، صاحب كتاب "زبدة التصانيف". كذلك، قضى الإمام الخميني قسمًا من هذه الطفولة والصبا في كنف عمته الكريمة صاحبة خانم، لكنّ المنية حالت بينه وبين رعايتهما له، وهو في سن الـ15.

درس الإمام في مدينة خُمين حتى سن الـ19 مقدّمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة (1921 م) التحق بالحوزة العلمية في مدينة آراك، حيث مكث فيها عامًا.

الهجرة إلى قم

بعد ذلك، هاجر الإمام الخميني إلى مدينة قم المقدسة، قاصدًا الحوزة العلمية فيها، واجتاز بسرعة مراحل الدراسات التكميلية في العلوم الدينية لدى أساتذة تلك الحوزة، ومنهم زعيم حوزة قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (رضوان الله عليه) الذي تعلّم منه الإمام الخميني دروسًا في الفقه والأصول.

اقترن روح الله بخديجة ثقفي، كريمة المرحوم آية الله ثقفي، لتكون زوجًا ورفيقاً لدربه. وكانت ثمرة هذه الزيجة: الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، صديقة مصطفوي قرينة المرحوم آية الله إشراقي، فريدة مصطفوي قرينة السيد أعرابي، فهيمة ـ زهراء ـ مصطفوي قرينة الدكتور محمود بروجردي، والمرحوم حجة الإسلام السيد أحمد الخميني.

وبعد وفاة آية الله الحائري، وتولِّي آية الله العظمى السيد حسين البروجردي (رضوان الله عليه) مقاليد الحوزة العلمية، برز الإمام الخميني كأحد الأساتذة والمجتهدين المعروفين الضالعين في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان والأخلاق، إذ درّس طَوال سنوات متمادية دورات عديدة من الفقه، والأصول، والفلسفة، والعرفان، والأخلاق الإسلامية في الفيضية، ومسجد أعظم، ومسجد محمدية، ومدرسة الحاج مُلَّا صادق، ومسجد سلماسي، وأماكن غيرها. كما درّس الفقه ومعارف أهل البيت (ع) على أرفع المستويات طَوال 14عامًا في مسجد الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) في النجف الأشرف. وطرح، في النجف، ولأول مرة، المرتكزات النظرية للحكومة الإسلامية ضمن سلسلة دروس ولاية الفقيه.

المسيرة الجهادية الحركية

بدأ الإمام الخميني نشاطه الجهادي منذ فترة شبابه الأولى، وساعده في ذلك إطلاق الحكومة الإيرانية في عامَي 1961 و1962 لائحة الولايات والإمارات التي رآها روح الله فرصةً مناسبة ليمارس دوره في قيادة الثورة وعلماء الدين. 

إثر ذلك، اندلعت انتفاضة الشعب وعلماء الدين الشاملة يوم 5 أيار/مايو 1963 بسِمتَيها البارزتين: قيادة الإمام الخميني الواحدة، وإسلامية شعاراتها ودوافعها وأهدافها، والتي مهدت الطريق أمام كفاح الشعب الإيراني الذي اتّخذ لاحقًا اسم "الثورة الإسلامية".

في إحدى المناسبات، ذكَر الإمام الخميني أسماء بعض الإقطاعيين والجائرين الذين سطوا على أموال الناس وأعراضهم بدعم من الحكومة المركزية، فقال: "كُنت في حال حرب منذ طفولتي. كنا عرضة لاعتداءات أمثال "زلقي" و"رجب علي"، وكنّا نحمل البنادق بأنفسنا، وأنا شخصيًا، مع أنّي كنت في بداية سن البلوغ، أو كنت طفلًا، لكنني كنت أذهب إلى الخنادق المقامة في منطقتنا حيث كان الأعداء ينوون الهجوم علينا ونهبنا، كنت أذهب وأتنقّل بين الخنادق".

بروز نجمه 

بعد مدة وجيزة، اجتاز الإمام الخميني دروس المقدّمات والسطوح في حوزات خمين وأراك بسرعة ملحوظة، وانتقل عقب ذلك إلى قم، فأسهم عمليًا في تكريس مكانة الحوزة الفتية في هذه المدينة. ولم يمض وقت طويل حتى ذاع صيته بين الفضلاء المميزين الذي احتضنتهم هذه الحوزة في حقول العرفان والفلسفة والفقه والأصول.

وبعد وفاة آية الله الحائري يوم 30 كانون ثاني/يناير 1937، تعرّضت الحوزة العلمية في قم لخطر الانهيار والتلاشي، فهب العلماء الملتزمون لعلاج هذه المعضلة، تولّى عدد من المراجع الإشراف على الحوزة لثمانية أعوام. وإبان هذه المدة، ولا سيّما بعد سقوط رضا خان الذي تولى الحكم في إيران بانقلابٍ يوم 22 شباط/فبراير 1921، أعدّ له الإنكليز ودعموه، توافرت الظروف اللازمة لقيام مرجعية عظمى في حوزة قم، وكان آية الله العظمى البروجردي شخصية علمية مميزة بوسعها تمثيل البديل المناسب للمرحوم الحائري من أجل الحفاظ على كيان الحوزة. 

تمت متابعة هذا الاقتراح من قِبَل تلاميذ آية الله الحائري ومنهم الإمام الخميني الذي بذل جهودًا حثيثة في دعوة آية الله البروجردي للانتقال إلى قم وتقبّل المسؤولية الخطيرة لزعامة الحوزة. 

حينذاك، كان الإمام الخميني يراقب الظروف السياسية للمجتمع والوضع القائم في الحوزات بكل دقة، ويزيد من معارفه ومعلوماته السياسية، إضافة إلى زياراته لطهران وحضوره عند شخصيات كبيرة من قبيل آية الله المدرس. كان روح الله يدرك بعمق أنّ كوَّة الأمل الوحيدة للتحرّر والخلاص من ظروف الذل التي هيمنت بعد إخفاق الثورة الدستورية وفرض رضا خان حاكمًا على إيران، هي يقظة الحوزات العلمية وضمان حياتها والصلة الروحية للناس بعلماء الدين. 

وبهدف متابعة أهدافه القيّمة هذه، أعد الإمام الخميني في عام 1949 مشروع إصلاح بُنية الحوزة العلمية بالتعاون مع آية الله مرتضى الحائري، واقُترِح هذا المشروع على آية الله البروجردي. وقد رحّب تلامذة الإمام وطلاب الحوزة الواعون بهذا المشروع ودعموه.

خطأ النظام ومجابهة الإمام له

في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1962، صادقت حكومة أمير أسد الله علم على لائحة "اتحادات الولايات والإمارات" التي أُريد لها أن تغيّر بعض الضوابط السابقة الخاصة بالمقترعين والمرشحين ومنها أنْ يكونوا مسلمين، وأنْ يُقسموا بالقرآن، وأنْ يكونوا ذكورًا، كمدخل لتكريس وجود العناصر البهائية في مرافق البلاد المهمة. 

اشترطت الولايات المتحدة كي تدعم الشاه أنْ يطوّر علاقاته بالكيان الصهيوني، وتحديدًا عبر فتحه الباب أمام أتباع الفرقة البهائية المرتبطة بالاستعمار في السلطات الإيرانية الثلاث، والذي من شأنه تحقيق هذا الشرط. وبمجرد أنْ ذاع خبر المصادقة على هذه اللائحة اجتمع الإمام الخميني للتشاور مع كبار علماء قم وطهران، ثم أعلن معارضته الأكيدة والشاملة لها، والتي كانت، إلى جانب دعم كبار العلماء لها، مؤثّرة في الوقوف في وجه هذا المخطط.

وأسفرت البرقيات ورسائل الاعتراض المفتوحة شديدة اللهجة التي بعثها العلماء إلى الشاه وأسد الله عن دعم هائل لتحرّكات الإمام الخميني بين مختلف شرائح الشعب الإيراني. 

وبرغم هزيمة الشاه في قضية الاتحادات، فإنّ الضغوط الأميركية لتمرير "إصلاحاتها" لم تنقطع. لذلك، أذاع الشاه في بداية شتاء عام 1963 مبادئه الإصلاحية الستة وأعلن الاستفتاء العام عليها. ثم عاد الإمام الخميني لمناشدة مراجع الدين وعلماء الأمة في قم للاجتماع والتفكير في حل. وباقتراح من الإمام الخميني تمّت مقاطعة الاحتفال بعيد النيروز التراثي في بداية العام الشمسي 1342ش (آذار/مارس 1963) اعتراضًا على خطوات النظام هذه. 

وصف الإمام، في بيان أصدره، "الثورة البيضاء" التي أطلقها الشاه بأنّها "ثورة سوداء"، وفضح تماشي الشاه مع الأهداف الأميركية والصهيونية. 

وفي تجمع جماهيري كبير وصف الإمام الخميني الشاه بأنّه "الأداة الرئيسة للجرائم التي تُرتَكب في البلاد، وبأنّه حليف لـ"إسرائيل"، ودعا الجماهير إلى الثورة. 

وفي كلمته يوم 12 فروردين 1342ش (الأول من نيسان/أبريل 1963)، انتقد بشدّة صمت علماء قم والنجف وسائر البلاد الإسلامية حيال جرائم النظام الجديدة وقال: "إن الصمت اليوم مواكبةٌ للنظام المتجبّر".

وفي اليوم التالي، أي 13 فروردين 1342ش (2 نيسان/أبريل 1963) أصدر بيانه المعروف بعنوان "محبة الشاة معناها النهب والغارة". 

وابتدأ عام 1342ش (1963م) بمقاطعة احتفالات عيد "النيروز"، واصطبغ بدماء المظلومين في المدرسة الفيضية.

في 14 فروردين 1342ش (3 نيسان/أبريل 1963)، بعث آية الله العظمى الحكيم من النجف برقية إلى العلماء والمراجع في إيران طالبًا منهم الانتقال بشكل جماعي إلى النجف، حفاظًا على أرواح العلماء وكيان الحوزات. لكنّ الإمام الخميني أرسل برقية إلى آية الله العظمى الحكيم، أكّد فيها أنّ "الهجرة الجماعية للعلماء وإخلاء الحوزة العلمية في قم ليس من المصلحة إطلاقًا". 

وفي 12/2/1342ش (2 أيار/مايو 1963)، أصدر الإمام الخميني بيانًا بمناسبة أربعينية فاجعة "المدرسة الفيضية"، دعا فيه إلى "مواكبة علماء الدين والشعب الإيراني لرؤساء البلدان الإسلامية والعربية في مواجهة "إسرائيل" الغاصبة، وإدانة المعاهدات بين الشاه و"إسرائيل".

"انتفاضة 15 خرداد" واعتقال الإمام

حل شهر محرم ليصادف شهر خرداد من عام 1342ش (5 حزيران/يونيو 1963م)، فمثّل فرصة للإمام كي يستنهض الشعب ضد نظام الاستبداد الشاهنشاهي، إذ ألقى، في عصر يوم عاشوراء 13 خرداد سنة 1342ش (3 حزيران/يونيو 1963) ألقى الإمام كلمته التاريخية التي أشعلت شرارة "انتفاضة 15 خرداد"، وحملت الشاه على إصدار أوامره بإخماد الانتفاضة. 

ألقت سلطات الشاه القبض على عدد كبير من أنصار الإمام الخميني ليلة 14 خرداد. وفجْر 15 خرداد (15 حزيران/يونيو 2025)، حاصرت قوات "الكوماندوز" القادمة من طهران منزل الإمام وألقت القبض عليه وهو يصلي صلاة الليل، ونقلته إلى طهران ليسجن في معتقل "نادي الضباط"، ثم نقلته غروب ذلك اليوم إلى سجن "قصر".

وبعد وصول نبأ اعتقال قائد الثورة إلى طهران ومشهد وشيراز وسائر المدن صبيحة يوم 15خرداد، سادتها أجواء مماثلة لأجواء قم. 

مضت 19 يومًا على اعتقال الإمام الخميني في سجن "قصر"، ليُنقل إلى مقر "عشرت آباد" العسكري، وأدّت مجازر السلطات ضد الثائرين يوم 15 خرداد 1342ش، واعتقال قائدهم، الإمام الخميني، إلى إخماد الثورة على ما يبدو. 

في سجنه، امتنع الإمام الخميني عن الإجابة على أسئلة المحققين، معتبرًا أن الهيئة الحاكمة في إيران وسلطتها القضائية غير قانونيتين وتفتقران إلى الصلاحية. 

لكنْ في مساء يوم 18/1/1343ش (7 نيسان/أبريل 1964)، أُطلق سراح الإمام فجأةً ونُقل إلى قم. وما أنْ علمت الجماهير بالنبأ عمّت الفرحة كل أرجاء المدينة وأقيمت احتفالات كبرى في المدرسة الفيضية وأماكن أخرى تواصلت لأيام. 

وفي يوم 4 آبان 1343ش (26 تشرين أول/أكتوبر 1964)، أصدر الإمام الخميني بيانًا ثوريًا قال فيه: "لتعلم الدنيا أنّ كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني والشعوب المسلمة إنّما هي بسبب الأجانب وعلى رأسهم أميركا. الشعوب المسلمة تكره الأجانب عمومًا وأميركا على الخصوص".

وضعت الحقائق التي كشف عنها الإمام للناس حول لائحة "الكوبيتولاسيون" (الحصانة القضائية) إيران، في شهر آبان عام 1343ش (خريف 1964) على أعتاب انتفاضة ثانية، وهو ما دفع السلطات إلى اعتقاله فجر يوم 13 آبان 1343ش (4 تشرين ثاني/نوفمبر 1964)، حينما اقتحمت قوات "الكوماندوز" القادمة من طهران مرة ثانية بيت الإمام الخميني في قم وحاصرته واعتقلته، بينما كان منقطعًا في عبادته لله. 

نفي الإمام إلى تركيا ثم العراق

نقلت القوات الإمام مباشرة إلى مطار "مهرآباد" في طهران، وأقلّته من هناك طائرة عسكرية أُعدت من قبل إلى العاصمة التركية أنقرة برفقة عناصر من الأمن والعسكر. وفي عصر ذلك اليوم نشر "السافاك" في الصحف خبر نفي الإمام بتهمة "التآمر ضد أمن البلاد". وأثار ذلك اعتراضًا كبيرًا تمثل في مظاهرات عمَّت سوق طهران وعطلة طويلة في دراسة الحوزات العلمية، وإرسال رسائل إلى المنظمات الدولية ومراجع التقليد. 

أقام الإمام في تركيا 11 شهرًا، قمع نظام الشاه خلالها بقايا المقاومة والمعارضة في إيران بكل قوة، وبادر بسرعة لتنفيذ "الإصلاحات" التي ترغبها الولايات المتحدة منتهزًا غياب الإمام الذي استغل إقامته الجبرية هناك لتدوين رسالته العملية الكبيرة التي حملت عنوان "تحرير الوسيلة".

وفي يوم 13 مهر 1344ش (5 تشرين أول/أكتوبر 1965)، توجّه الإمام الخميني بصحبة ابنه آية الله السيد مصطفى الخميني من تركيا إلى منفاه الثاني في العراق، وسارع، بعد وصوله إلى بغداد، إلى زيارة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في الكاظمية وسامراء وكربلاء، لينتقل بعد أسبوع إلى محل إقامته الرئيس في مدينة النجف الأشرف. 

استمرت فترة إقامة الإمام في النجف 13 عامًا. وهناك، بدأ الإمام دروس البحث الخارج في الفقه برغم كل الاعتراضات والعراقيل التي افتعلتها العناصر المغرضة في تاريخ آبان 1344ش (تشرين الثاني/نوفمبر 1965) في مسجد الشيخ الأنصاري (رحمه الله) في النجف الأشرف، واستمرت هذه الدروس حتى مغادرته العراق إلى باريس. 

منذ بداية إقامته في النجف، بعث الإمام الخميني رسائل ونوابًا إلى إيران كي يحافظ على تواصله مع المجاهدين والمعارضين، ولدعوتهم إلى الصمود في متابعة أهداف "ثورة 15 خرداد"، وتمسّك الإمام بأمل الانتصار وهو في المنفى برغم ما واجهه من تضييق. 

في مطلع عام 1348ش (آذار/مارس 1969م)، تفاقمت حدّة الخلافات بين نظام الشاه وحزب "البعث" في العراق حول الحدود المائية بين إيران والعراق فأخرج النظام العراقي عددًا من الإيرانيين المقيمين في العراق بأساليب وظروف جد سيئة، وحاول "البعث" استغلال عداء الإمام الخميني للنظام الإيراني. 

تمكن الإمام، خلال أربعة أعوام من جهوده التي بذلها، من تغيير المناخ إلى حد ما في حوزة النجف. وفي عام 1969م، أوجد له أنصارًا غير قليلي العدد في العراق وفي لبنان وسائر البلاد الإسلامية، يعدّون النهضة الخمينية نموذجًا صالحًا لهم.

الإمام يواصل ثورته

في النصف الثاني من عام 1971م، تصاعدت شدة الخلاف بين النظام البعثي العراقي وشاه إيران، ممّا أدى إلى طرد وتشريد الكثير من الإيرانيين المقيمين في العراق. فبعث الإمام الخميني برقية إلى رئيس الجمهورية العراقية أدان فيها ممارسات نظامه بشدة، ثم قرر الإمام مغادرة العراق، لكنّ حكام بغداد تنبّهوا إلى تبعات هجرة الإمام من العراق فلم يسمحوا له بمغادرة العراق في ذلك الظرف. 

وفي الذكرى السنوية لـ"انتفاضة 15 خرداد" (5 حزيران/يونيو 1975)، شهدت "المدرسة الفيضية" مجدّدًا انتفاضة طلبتها الثوريين ليومين كاملين. غير أنّ الشاه واصل سياساته المعادية للدين، فغيّر، في اسفند 1354ش (آذار/مارس 1976م)، التاريخ الرسمي للبلاد من هجرة النبي الأكرم (ص) إلى بداية حكم الدولة الأخمينية. من جهته، أصدر الإمام فتوى شديدة حرم فيها استخدام هذا التاريخ الشاهنشاهي عديم الأساس، ورّحب الشعب الإيراني بمقاطعة هذا التاريخ الوهمي، كما رحب بمقاطعة حزب "البعث"، فكانت هاتان الخطوتان فضيحة لنظام الشاه، ممّا اضطرّه إلى التراجع وإلغاء التاريخ الشاهنشاهي في عام 1978م.

تصاعد الثورة الإسلامية 

أعلن الإمام، في نداء له في مرداد (آب/أغسطس 1977م)، عن أنّه "بفضل الوضع في داخل إيران وخارجها، وانعكاس جرائم النظام في المحافل والصحف الأجنبية، تتوافر فرصة يجب أنْ تستثمرها الأوساط العلمية والثقافية والشخصيات الوطنية والطلبة خارج البلاد وداخلها والاتحادات الإسلامية أينما كانت، فينهض الجميع بشكل علني".

مثّل استشهاد نجل الإمام، آية الله السيد مصطفى الخميني، في الأول من آبان 1356ش 23 تشرين أول/أكتوبر 1977)، وإقامة مراسم حافلة لتأبينه في إيران، نقطة البداية لانتفاضة أخرى فجّرتها الحوزات العلمية والمجتمع الديني في إيران. 

نشر نظام الشاه مقالًا مهينًا للإمام في صحيفة "إطلاعات" انتقامًا منه، ليؤدّي ذلك إلى انتفاضة 19 دي في قم سنة 1356ش (9 كانون الثاني/يناير 1978)، حيث ارتقى عدد من الطلبة الثوريين شهداء. 

نفي الإمام إلى باريس

قرر وزيرا خارجية إيران والعراق في نيويورك إخراج الإمام الخميني من بلاد الرافدين في عام 1978. 

وفي 12/7/1357ش (4 تشرين الأول/أكتوبر 1978)، غادر الإمام النجف نحو الحدود العراقية - الكويتية، فرفضت الحكومة الكويتية، بإيعاز من نظام الشاه، دخول الإمام إلى أراضيها. 

قرّر الإمام التوجّه إلى باريس التي وصل إليها يوم 14/7/1357ش (6 تشرين أول/أكتوبر 1978)، وأقام الإمام، بعد يومين من وصوله إلى العاصمة الفرنسية، في بيت أحد الإيرانيين في منطقة نوفل لوشاتو إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية، فيما سارع المسؤولون الفرنسيون إلى إبلاغ قرار رئيسهم إلى الإمام الخميني بضرورة تحاشيه أيّ نشاط سياسي في فرنسا، فكان رد فعل الإمام شديدًا حين صرّح بأنّ "مثل هذه القيود على الضد تمامًا من دعاوى الديمقراطية الغربية" وأنّه "لن يترك العمل في سبيل أهدافه حتى لو اضطرّ إلى التنقّل الدائم من مطار إلى مطار ومن بلد إلى آخر".

وفي شهر دي من سنة 1357ش (كانون الثاني/يناير 1979) شكّل الإمام الخميني شورى الثورة الإسلامية في إيران. أمّا الشاه، فقد هرب من البلد يوم 26/10/1357ش ( 16 كانون الثاني/يناير 1979) بعد تشكيله الشورى الملكية وإحرازه ثقة البرلمان على حكومة شاهبور بختيار. 

ذاع هذا الخبر في طهران أولًا ثم في إيران كلها، فخرج الناس إلى الشوارع يعربون عن فرحتهم واحتفالهم بهزيمة الشاه.

عودة الإمام إلى إيران 

بعد 14 عامًا من النفي، وفي بدايات شهر بهمن 1357ش (أواخر كانون الثاني/يناير 1979م)، عاد الإمام إلى البلاد، ففاضت أعين الناس بالدموع شوقًا إليه، وهم، والأصدقاء المقربون إليه، كانوا في الوقت ذاته قلقين عليه وعلى حياته لأنّ الحكومة العملية للشاه لا تزال قائمة وقد أعلنت الحكومة العسكرية. بيد أنّ الإمام كان قد اتخذ قراره وذكر في نداءاته للشعب الإيراني أنّه يريد أنْ يكون بجانب شعبه في هذه الأيام المصيرية الخطيرة. فما كان من حكومة بختيار إلّا أنْ أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية بتنسيق مع الجنرال الأميركي هايزر. لكنّها لم تستطع الإصرار طويلًا على قرارها هذا، واضطرّت إلى الرضوخ لإرادة الأمة، فعاد الإمام الخميني إلى وطنه صبيحة يوم 12 بهمن 1357ش 1 شباط/فبراير 1979)، واستقبلته الجماهير بشوق غير مسبوق.

رحيل الإمام 

على أعتاب ذكرى "انتفاضة خرداد" عام 1368ش (5 حزيران/يونيو 1989م)، اقترب التحاق الإمام بالرفيق الأعلى. وقد كتب في وصيته: "بقلب تُجلّـله السكينة، وفؤادٍ مطمئن، وروحٍ مبتهجة، وضمير متفائل بفضل الله، أستأذِن الأخوات والإخوة وأرحل إلى موطني الأبدي وأنا بأمس الحاجة إلى أدعيتكم لي بالخير، وأطلب من الله الرحمن الرحيم أن يتقبّل عذري لقصوري وتقصيري وقلّة خدمتي، وأرجو من الشعب أيضاً تقبل عذري في قصوري وتقصيري، وأن يواصلوا مسيرتهم إلى الأمام بكل قوة وعزم وإرادة".

الغريب أن الإمام الخميني كان قد قال في إحدى قصائده الغنائية (غزليات) التي نظمها قبل سنوات قليلة من رحيله: "تمر الأعوام وتتعاقب الأحداث وأنا أنتظر الفرج من النصف من خرداد".

عند الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من مساء يوم الثالث عشر من خرداد 1368ش (3 حزيران/يونيو 1989)، فاضت روح الإمام الشريفة. وهاجت القلوب وتفجرت بالعواطف حزنًا على فقد روح الله الذي رحل إلى بارئه بعد أن خضع، وهو في عمر الـ87، لعمليات جراحية صعبة وطويلة. 

وفي حين ربطوا ذراعيه المباركتَين بالأمصال، كان يصلي نافلة الليل ويتلو القرآن. وكانت تغشاه في ساعاته الأخيرة طمأنينة وسكون ملكوتي، فحلّقت روحه إلى الملكوت الأعلى وهو في هذه الحال.

فجيعة إيران وتولي الإمام الخامنئي للقيادة

عمَّ الحزن في إيران لرحيل الإمام الذي أرسى الإسلام المحمدي في بلاد حاول الاستكبار ضمها إلى كنفه. 

في يوم 14 من خرداد 1368ش (4 حزيران/يونيو 1989)، اجتمع مجلس خبراء القيادة، فقرأ آية الله الخامنئي وصية الإمام الخميني التي استغرقت قراءتها ساعتين ونصف ساعة. وبعد ذلك، بدأ التداول لتعيين خَلَف للإمام الخميني وقائد للثورة الإسلامية، وتم بالإجماع اختيار سماحة آية الله الخامنئي (رئيس الجمهورية آنذاك) لحمل هذه الرسالة الخطيرة.

والإمام السيد علي الخامنئي هو أحد تلامذة الإمام الخميني ومن شخصيات الثورة الإسلامية الفذة، وأحد المساهمين الفاعلين في انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران/يونيو). 

وفي يوم وليلة الـ 15 من خرداد 1368ش (5 حزيران/يونيو 1989)، تجمّع في مصلى طهران الكبير الملايين من أهالي طهران والمعزّين القادمين إلى العاصمة من مدن البلاد وقراها، ليودّعوا للمرة الأخيرة الجسد الطاهر لرجل أعاد بنهضته الشموخ والاعتدال لقامة القيم والكرامة المحنيّة في عصر الظلم الحالك، وأطلق في العالم نهضة تدعو إلى العودة لله تعالى والفطرة الإنسانية السليمة.

وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، صلّى الملايين بإمامة آية الله العظمى الگلبايگاني (رضوان الله عليه) على جسد الإمام. وقدّرت وكالات الأنباء الرسمية العالمية عدد الذين استقبلوه في عودته إلى الوطن بستة ملايين نسمة، وعدد المشاركين في تشييعه وتوديعه بتسعة ملايين.

وبعد أنْ تعذّرت مواصلة مراسم الدفن بسبب عاصفة المشاعر والزحام، طُلب عبر الإذاعة الرسمية بأنْ يرجع الناس إلى بيوتهم، وأُعلن عن أنْ المراسم أوكلت إلى وقت لاحق سيُعلن عنه في ما بعد. وأضحت وفاة الإمام الخميني كما هي حياته ينبوع يقظة ونهضة متجددة خلّدت ذكراه وطريقه.

ترك الإمام تراثًا قيّمًا من المؤلفات منها وصيته السياسية ومجموعة مؤلفة من 22 جزءًا باسم "صحيفة الإمام الخميني". كذلك، جُمعت أشعار الإمام في "ديوان الإمام"، كما جُمعت دروس الإمام في الحوزة العلمية تحت عنوان "تقريرات الإمام الخميني"، إلى جانب كتب قيمة في المجالات الفلسفية والسياسية والأخلاقية والأصولية والعرفانية والاجتماعية.

المصدر : العهد
الكلمات المفتاحية
مشاركة