اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي 70 مظاهرة في 46 مدينة مغربية دعمًا لغزة

مقالات

أوسع عدوان على الضاحية الجنوبية .. هل يجرّ المقاومة للردّ وفقًا لتوقيت العدو؟
مقالات

أوسع عدوان على الضاحية الجنوبية .. هل يجرّ المقاومة للردّ وفقًا لتوقيت العدو؟

154

منذ إعلان وقف إطلاق النار، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعرضت الضاحية الجنوبية لبيروت لثلاثة اعتداءات جوية إسرائيلية. استهدف أحدها مبنيين سكنيين زعم العدو احتواؤهما مستودعًا لطائرات مسيَّرة، واستهدف الثاني القائد في المقاومة حسن بدير فاستشهد في منزله مع نجله ومواطنَين آخرَين، وضرب الثالث خيمة للمساعدات الاجتماعية. أمّا غارات يوم الخميس، 5 حزيران/ يونيو الحالي، كانت أكبر وأوسع نطاقًا وتزامنت مع غارة على أطراف بلدة عين قانا في الجنوب، ما يطرح تساؤلات عمّا اذا كان ذلك مقدمة لاستدراج المقاومة إلى ردٍّ يكون ذريعة لاستئناف الحرب من حيث توقفت. 


ما الجديد؟


ما "يميز" الاعتداءات الجديدة؛ أنّها:


1.    استهدفت، في المساء، عددًا كبيرًا من الأبنية السكنية في أربع نقاط من الضاحية على مدى ثلاث ساعات، بدءًا من إصدار إنذار الإخلاء إلى انتهاء الغارات. وسُمع دوي الانفجارات الضخمة في أرجاء واسعة من بيروت وضواحيها الأخرى. وهذا الاتساع الزماني والمكاني ذكّر اللبنانيين بأجواء الحرب التي توقفت نظريًا، قبل نحو ستة أشهر، لكنّ العدو ارتكب بعدها آلاف الخروقات من اغتيالات وغارات جوية وتوغلات برية وعمليات خطف لمواطنين لبنانيين، فضلًا عن نسف البيوت وجرف الأراضي. 
2.    أشاعت أجواء ترهيب شملت نطاقًا أكبر من المناطق المستهدفة، فاضطر كثير من الأهالي، في مناطق مجاورة، إلى إخلاء منازلهم تحاشيًا لأي أذى قد يصيب عائلاتهم. 
3.    وقعت عشية عيد الأضحى المبارك؛ حين كان الأهالي يتحضرون للمشاركة في بعض الأنشطة المرافقة لمناسبة العيد، أو للمغادرة إلى قراهم. ودفع هذا الاعتداء العديد منهم إلى مراجعة خططه تحسبًا لتطور الوضع الأمني. 
يستدعي ذلك التساؤل عن مسوّغ هذا التوقيت، معطوفًا إلى توقيت الغارات الكثيفة على الجنوب، قبل يومين من انتخابات 24 أيار الفائت. ويتضح من الوقائع الجارية أن العدو يهدف إلى تعطيل أوجه الحياة العامة الاجتماعية والسياسية والإقتصادية.     
كما يوحي حجم العدوان على الضاحية بمحاولة العدو فرض نموذج إخضاعي جديد؛ يقوم على تصعيد وتكبير حجم الاستهدافات بدلًا من الضربات المتفرقة، مع الأخذ بالحسبان احتمال تدحرج الوضع إلى مواجهة شاملة. ما يدعم هذه الفرضية استعداد العدو مسبقًا لكل الاحتمالات، حيث تعمَّد الإعلان عن وضع وحدات دفاعه الجوي في حالٍ من التأهب استعدادًا لأي ردّ من المقاومة. ولا بد أنه حسِب أن استهدافًا بهذا الاتساع قد يدفع حزب الله للخروج من حال الترقب إلى الدفاع النشط. وعليه؛ قد يكون هدف الغارات الأخيرة جرّ المقاومة إلى مواجهة جديدة قبل "اكتمال استعداداتها"، إضافة إلى أن النموذج العدواني السابق لم ينجح في إملاء شروط استسلام على لبنان.
إذا كان العدو يريد إحراج المقاومة والدولة اللبنانية ووضعهما أمام خيارين: الحرب في حال الرد، وتحمّل ضغوط متصاعدة في حال الاستمرار بالتزام وقف النار، فإنّ المواقف اللبنانية الرسمية شهدت بعض التطور الإيجابي لجهة المسارعة إلى إدانة هذه الاعتداءات الإسرائيلية وتأكيد عدم الرضوخ لها، وفقًا لما جاء في بيان رئاسة الجمهورية. إضافة الى ذلك، سُجل موقف مهم لقيادة الجيش اللبناني، والذي رأى في "إمعان العدو" في خرقه اتفاق وقف النار "إضعافًا لدور الجيش ولجنة مراقبة وقف الإعمال العدائية"، ملوّحًا باللجوء إلى "تجميد التعاون مع اللجنة في ما يخص كشف المواقع" التي يزعم العدو احتواؤها أنشطة للمقاومة. 
هذا التطور في الموقف اللبناني من شأنه أن يسهم في ترقية الموقف الرسمي وتشكيل أرضية تقارب مهمة مع موقف حزب الله، والذي يدعو إلى رفع مستوى مواجهة الضغوطات الأميركية والإسرائيلية التي تطلب من لبنان تقديم المزيد من التنازلات؛ بينما تسمح للعدو بارتكاب انتهاكات لا تُعدّ ولا تُحصى.  


سياق التصعيد


لا يبدو التصعيد الصهيوني منفصلًا عن مجموعة عوامل إقليمية؛ ونذكر من بينها: 


1.    تفاقم المأزق الإسرائيلي الداخلي؛ على خلفية عدم وضوح أفق الحرب في غزة من الناحية العسكرية بعد مرور سنة وثمانية أشهر على بدايتها. إذ أدى الخلاف في قانون تجنيد الفئات المتدينة إلى تلويح أحزاب في الائتلاف الحكومي بالانسحاب منه وتعريض الحكومة للسقوط، ما يعني تاليًا الذهاب إلى انتخابات عامة، ما قد يؤدي إلى تراجع زخم الحرب. وهذا الوضع، بالتحديد، قد يغري نتنياهو بالقيام بمغامرة عسكرية جديدة خارج غزة اعتمادًا على ذرائع أمنية، من أجل تجميد الخلافات الداخلية و"شدشدة" "العصب القومي" وإطالة عمر حكومته.  
2.    اهتمام نتنياهو بتدبير وقائع جديدة من أجل إشغال الجيش بالحرب، على نحو مستمر، لإكمال سيطرته على المواقع الأمنية والعسكرية والقضائية ما يسمح له ولحلفائه في اليمين بإحكام السيطرة على مفاصل الحكم في الكيان الصهيوني، وأيضًا بهدف صرف الأنظار عن محاكمته في القضايا المرفوعة ضده.
3.    محاولات نتنياهو المستميتة لثني الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عقد اتفاق مع إيران، بالتهديد بمهاجمة إيران تارة، والعمل لإشعال حريق كبير في أي ساحة أخرى في المنطقة تارة أخرى. وهنا؛ يبدو ترامب مترددًا في تقديم صفقة مُرضية لإيران بسبب المعارضة الاسرائيلية وبسبب اختراق فريق نتنياهو المحيط به. 
4.    إخفاق العدو بوقف عمليات الإسناد من اليمن، والتي نجحت في شلّ جزء مهم من حركة الطيران المدني من فلسطين المحتلة وإليها. وهذا يدفع العدو للتعويض بشنّ غارات على لبنان وسوريا، إضافة إلى غارات غير رادعة على اليمن. 


في الحصيلة، يرشح من هذه المعطيات أن هناك ميلًا متزايدًا عند العدو لتصعيد اعتداءاته، كمًا ونوعًا. وفي المقابل؛ هناك تقارب بين المقاومة والدولة في شأن جبه هذه الخروقات ورفع مستوى التحرك ضدها، وهذا تحول إيجابي يُعدّل مسار الأمور في التركيز على "نزع" سلاح المقاومة أو "حصرية السلاح" بيد الدولة إلى أولوية وضع حد لانتهاكات العدو التي تهدد ليس أمن لبنان وسيادته فقط، أيضًا مستقبله ككل. وقد تكون هذه إحدى ثمار حكمة قيادة المقاومة في الصبر على الأذى المستمر، منذ تاريخ وقف إطلاق النار. ومن المهم جدًا ملاحظة أن المقاومة تستنفد كل الفرص لوقف العدوان وإنهاء احتلال الأراضي اللبنانية بأقل كلفة ممكنة، وضمن توافق لبناني عريض، وليس من الوارد أن تمنح العدو ما يريده من دخول الحرب في التوقيت الذي هو من يحدده. 


من الإيجابيات، أيضًا، أن الجميع- إلّا من كان يتبنى منطق العدو لحسابات داخلية ضيقة- بات يقرّ بأن العدو الإسرائيلي هو من يخلّ باتفاق وقف إطلاق النار، ولا يترك مجالًا للجيش اللبناني كي يقوم بدوره. وثبت كذلك أن الدبلوماسية الأميركية لا تحمي لبنان؛ بل تشكّل غطاء حقيقيًا للعدوان الإسرائيلي، ما يستدعي إعادة بناء الموقف اللبناني الرسمي على أساس أكثر صلابة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة