مقالات

هل ينجح نتنياهو في توريط ترامب في المواجهة المباشرة؟
سيستمر نتنياهو في ممارسة الضغوط على ترامب داخليًّا وخارجيًّا.
شبل العلي
مع دخول المواجهة بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية في إيران يومها الثالث يتزايد الحديث عن إمكانية توسُّع الحرب لتشمل لاعبين جدد قد ينخرطون فيها على نحو مباشر، نخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير المواقف الصادرة عن حكومة العدو الصهيوني وقادته وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى محاولة مستميتة من قبلهم لإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدخول الحرب إلى جانب إسرائيل.
ولا يعني ذلك، أن نتنياهو اتخذ قرار الحرب على إيران بمعزل عن ترامب، بل إنه بات من المؤكد بأن قرار العدوان في صبيحة يوم الجمعة قد جرى اتخاذه واختيار توقيته وطبيعته بالتنسيق المطلوب بين ترامب ونتنياهو، وهو ما أكدته تصريحات ترامب نفسه بهذا الخصوص، غير أن الحسابات الأميركية الإسرائيلية للضربة الأولى ونتائجها جاءت على عكس ما كان يخطط له.
لقد بات واضحاً أن المخطط الأميركي الإسرائيلي كان يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني في الضربة الأولى عبر قتل قيادات الصف الأول بالتزامن مع تحريك قوى على الأرض تتبع لمنظمة مجاهدي خلق الإرهابية، وهو ما أكدته تصريحات نتنياهو نفسه، والذي كان واضحًا في دعوته الشعب الإيراني للتحرك ضد قيادته على حسب زعمه، وكان يقصد بذلك توجيه أمر عمليات للخونة في منظمة مجاهدي خلق وغيرها، فيما تولت الولايات المتحدة عملية تضليل كبيرة عبر الترويج لخيار جولة المفاوضات السادسة ولقاء مرتقب لمبعوثها ويتكوف مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
لقد أدى نجاح القيادة الإيرانية وعلى رأسها السيد القائد علي الخامنئي في امتصاص الضربة الأولى على الرغم من استشهاد العديد من القيادات العسكرية وبعض أهم علماء البرنامج النووي الإيراني، وانتقالها لاحقاً إلى مرحلة الرد على العدوان من خلال تنفيذ العديد من الهجمات الصاروخية النوعية على دفعات متتالية خلال اليومين الماضيين، وتوجيه ضربات نوعية ومدمرة للعديد من المراكز العسكرية والأمنية والاقتصادية والصناعية الإسرائيلية بما فيها المطارات والمنشآت، فضلاً عن تأمين الجبهة الداخلية الإيرانية، أدى ذلك كله إلى إفشال المخطط الأميركي الإسرائيلي، وهو ما جعل الكيان الصهيوني في مأزق حقيقي، ودفع بالإدارة الأميركية إلى إعادة حساباتها، والتحرك السياسي المكثف في محاولة لاحتواء الموقف والوصول إلى وقف لإطلاق النار.
ومع التحول المتسارع في مسار الحرب وانقلاب الموازين وجد نتنياهو نفسه مضطراً للضغط على ترامب من أجل الدخول في الحرب بشكل مباشر على الرغم من أن واشنطن شريكة فيها من خلال الدعم العسكري واللوجيستي والاستخباراتي لإسرائيل، ومن خلال المشاركة في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية عبر قواعدها وقواتها المنتشرة في المنطقة برًّا وبحرًا وجوًّا، لكنها تتجنب الدخول المباشر في العمليات الهجومية على إيران.
في هذا الإطار، يلجأ نتنياهو لإقناع ترامب بضرورة توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية كإجراء ضروري لا بد منه للتخلص نهائياً من التهديد الإيراني، وعلى مسار آخر حاول نتنياهو عبر العدوان الجوي بالأمس على العاصمة اليمنية صنعاء أن يستفز اليمنيين للدخول بالحرب بشكل مكثف ليكون ذلك عاملاً مؤثرا يساعده في توسيع الحرب وخلط الأوراق في المنطقة بهدف إجبار ترامب على اتخاذ قرار المشاركة المباشرة.
حتى هذه اللحظة، لا يبدو ان ترامب مستعد لهذه المغامرة، ومن المستبعد في ظل الظروف الحالية للمواجهة أن يتخذ قرارًا كهذا، ولدى ترامب أسباب ومحاذير كثيرة تقف عائقاً في وجه اتخاذه لقرار كهذا، بعضها خارجية وأخرى داخلية.
في ما يخص الأسباب الخارجية؛ يخشى ترامب من أن يؤدي انخراط بلاده المباشر في الحرب إلى انخراط حلفاء إيران في المنطقة فيها، وما قد ينتج عنه من استهداف للقوات الأميركية المنتشرة في مواقع عديدة في العراق وسورية والخليج وغيرها، وهو ما سيؤدي إلى انفلات الأوضاع على كامل جغرافيا الشرق الأوسط ويعيد خلط الأوراق مجددًا ويستدعي تدخلًا من دول أخرى في المنطقة وخارجها من بينها خصوم الولايات المتحدة، وهو ما قد ينتج عنه إعادة تمحور إقليمية ودولية جديدة لا تكون في صالح واشنطن، وبالإضافة إلى ذلك، فإن خصوم واشنطن قد يلجؤون إلى استغلال تورطها في الشرق الاوسط لحسم صراعات في مناطق أخرى مثل تايوان وأوكرانيا وحتى أفريقيا وغيرها، وبالإضافة إلى ذلك، فلا يمكن تجاهل قدرة جبهة المقاومة على إغلاق المضائق والممرات البحرية في الخليج والبحر الأحمر وحتى شرق المتوسط وانعكاسات ذلك على التجارة والاقتصاد العالمي.
أما في ما يخص الأسباب الداخلية؛ فإن التحالف المؤيد للرئيس الأميركي دونالد ترامب والمكون من المحافظين الجمهوريين وحركة "ماغا" التي ترفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" قد بدأ (التحالف) يشهد انقسامات نتيجة موافقة واشنطن على الحرب الإسرائيلية على إيران، والمعروف أن حركة "ماغا" قدمت دعمها لترامب بناء على وعوده بوقف الحروب على الساحة الدولية والتزامه بتحقيق السلام العالمي والتفرغ لبناء أميركا من الداخل على عكس المحافظين الذين يشجعون ترامب على الوقوف المطلق إلى جانب إسرائيل، وبالتالي فإن هذا الانقسام سيزداد، وقد يؤدي إلى سقوط ترامب إذا ما أضيف إلى الحملة التي انطلقت لأجل ذلك بالتعاون ما بين الدولة العميقة التي يقودها العولميون الليبراليون واليسار الراديكالي.
في الختام؛ يمكن القول، إن قدرة نتنياهو على توريط ترامب في الصراع المباشر ما زالت محدودة، لكنه سيستمر في ممارسة الضغوط على ترامب داخليًّا وخارجيًّا، وربما نسمع قريبًا عن مزيد من الملفات المستجدة التي قد تنفجر في وجه ترامب على الصعيد الداخلي، وأيضًا قد يلجأ نتنياهو إلى تنفيذ عمليات خبيثة في المنطقة تسهم في هذا التوريط.