مقالات

بعد أيام قليلة فقط من عدوان غادر أراد منه مجرمو الحرب في أميركا والكيان الصهيوني اقتناصَ مشهد افتتاحي لـ"الشرق الاوسط الجديد" على أنقاض المقاومة وتكريس صورة أسطورية للكيان باعتباره "الأسد الصاعد" في الإقليم، والذي يفترس كل من يواجهه، اضطُر هذا الأسد المزعوم الى الاستغاثة براعيه ومشغله، بعدما تبيَّن له أنه أوقع نفسه في الفخ، وبدا كالفأر الحائر في مصيدة، يتخبط بين جدرانها بحثًا عن مخرج.
كما يبدو تردُّد الأسد الأميركي العجوز عن المشاركة العلنية دليلاً قاطعًا على وصول رسائل الاقتدار الايرانية إلى هذا الأميركي الخبيث الذي بدا منتشيًا في الساعات الأولى من عدوان أراد منه إحداثَ انقلاب عسكري دراماتيكي، قبل أن يتحول الوضع لكابوس محرج لأطراف العدوان.
ربما تنطلي على بعض الانهزاميين خدعة قوة الكيان وفائضها، إذ يعتبرون جرائم الحرب دليلاً على القوة والاقتدار، ويعتبرون انتهاك القوانين والاعراف مؤشرًا لليد الطولى، ويعتبرون الغدر والخديعة مؤشرَّين على المبادرة، بينما يفوت هؤلاء أن الكيان مجرد أداة للطاغوت الأميركي، والذي خلع قناعه واعترف رئيسه ترامب بأن أميركا هي صاحبة الحرب عبر تصريحاته التي قال فيها: "سيطرتنا الآن كاملة وشاملة على أجواء إيران" ولم يعتبرها أحد زلةَ لسان، بل اعتُبرت اعترافًا صريحًا وفاجرًا.
والأدقُّ هو وصف المقاومة للكيان، وهو الوصف الشهير الذي ردده طويلاً الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله، بأن الكيان "أوهن من بيت العنكبوت"، وللفصل بين كون هذا الوصف حقيقة أم مكابرة، فإننا بصدد ذكر عدة حقائق تبيَّنت بعد أيام قليلة من العدوان على إيران، ويمكن رصد أبرزها تاليًا:
أولاً: الاستغاثة بأميركا للتدخُّل العلني
وهذه الاستغاثة تدل على أن الكيان فشل في مهمة الوكالة عن أميركا التي اكتفت بالخداع والتضليل سياسيًا، والدعم والتسليح عسكريًا من وراء الكواليس، ولم يفلح الكيان في إنجاز المهمة التي خطط لأن تكون سريعة وخاطفة، وفوجئ الكيان ومشغله بأن إيران قلبت الطاولة لصالح إستراتيجيتها المفضلة، والمتمثلة في الاستنزاف.
ومن هنا جاءت الاستغاثة كي تعلن أميركا عن تدخلها وتنزع قناعها، لعل ذلك ينقذ الكيان من ورطته الكارثية.
وهنا بدأ ترامب يتوعد ويتحدث باسم الكيان، كأن الكيان طفل صغير وقع في مشاجرة مع الكبار، واستدعى كبيرًا للدفاع عنه وحمايته!
ثانيًا: الهجرة وهربُ مستوطني الكيان
ولأن بنية الكيان هشة، فقد كانت ضربات إيران الجريئة والقوية كافية لخلق حالة من الخلخلة المجتمعية، حيث سارع مستوطنو الكيان الى الهرب والهجرة وانكسرت صورة النصر التي حاول الكيان تكريسها، والتي تفيد بأن الصهاينة "أسود"، فيما كانت صورهم وهم يهرعون كالجرذان إلى القوارب بحثًا عن الخروج من وطن مصطنع بدأ يتحول من حلم وواحة آمنة وسط محيط مضطرب ومنكوب إلى سجن كابوسي، حيث الشلل الاقتصادي والصورة المخزية أمام شعوب العالم، والبقاء الدائم في الملاجئ من مجرد صاروخ يخرج من اليمن، وصولاً لرعب الصواريخ الإيرانية التي تدك الكيان وتصل بقوَّتها إلى هذه الملاجئ.
وتكفي الإشارة إلى أن حكومة الكيان منعت الخروج، واستخدمت شعبها كرهائن ودروع بشرية، وتأكد ذلك رسميًا بعد أن أصدرت وزيرة المواصلات "الإسرائيلية" ميري ريغيف قرارًا يقضي بمنع المستوطنين "الإسرائيليين" من مغادرة الكيان، مع استثناء الأجانب والسياح، وهو ما حول المرافئ "الإسرائيلية" إلى نقاط مغادرة لرحلات بحرية خاصة تقلُّ أفرادًا وعائلات إلى قبرص، بأسعار باهظة، ورغم خوف وامتناع معظم المسافرين عن التصريح علنًا، فإن بعضهم أقرّ بأنه هرب من الصواريخ.
وهذه الصورة تدل على هشاشة الكيان، وعلى كونه مجرد شركة، تغري بالانضمام عندما تعلو أسهمها، فيما تصبح طاردة بعد إفلاسها.
ثالثًا: فشلُ أهدافِ الكيانِ
بدأ الكيان "الأسد المزعوم" يشعر بخطر وجودي وفشل في إنجاز مهمته، والتي يكمن جوهرها في إسقاط النظام بشكل خاطف، توهُّمًا بأنه نظام ضعيف على غرار أغلب الأنظمة العربية التي لا عهد لها بالمقاومة والتضحيات، على أمل ضعيف أن يستسلم النظام ويساوم ويوقع وثيقة استسلام، أو يسقط ويأتي نظام عميل على غرار ما حدث في سورية، ليفكك بنفسه المشروع النووي أو ينزوي ويترك البلاد مفتوحة للكيان وأميركا لتفكك بنفسها كل مكامن القوة الإيرانية، مثل ما حدث في سورية من تدمير لسلاحها وقواتها المسلحة، في ظل صمت ولا مبالاة كاملة من نظامها الجديد.
وهذا الخطر الوجودي تمثل في صلابة النظام الإيراني وتماسكه واستعادته المبادرة، وتوجيهه ضربات صادمة، والسيطرة على سماء فلسطين المحتلة بعد استنزاف ذخائر الدفاعات الجوية، وتطوير تكتيكات إطلاق الصواريخ والإفراج عن مفاجآت جديدة من جعبة إيران من الصواريخ وقدراتها، ثم تحويل وتيرة الحرب لإستراتيجية استنزاف لم يكن الكيان ومشغِّله الأميركي مستعدَّين لها.
رابعًا: الرقابةُ العسكريةُ
والرقابة العسكرية هي وحدة عسكرية تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، ينحصر دورها في تضليل الرأي العام وإخفاء خسائر العدو وتزييف صورة سير المعارك.
وبعد يوم واحد من الحرب، وبعد استعادة إيران المبادرة، وانتشار صور الدمار الذي ألحقته الصواريخ الإيرانية بقلب الكيان، توحَّش دور هذه الرقابة، فخرجت لتلاحق أي صورة تكشف الحقائق وتعتقل كلَّ من تسوِّل له نفسه ممارسة مهنته في نقل الحقائق، وهو دليل قاطع على الضعف والفشل، ودليل دامغ على قوة واقتدار الردود الإيرانية ونجاحها.
وهنا، وفي خلاصة سريعة، فإن صور الدفاعات الجوية متعددة الطبقات التي يفاخر بها العدو وراعيه الأميركي بدأت تذكِّر الجماهير بصور "الميركافا" التي دمرها حزب الله وأسقط أسطورتها، حيث بدت الدفاعات عاجزة عن حماية قلب الكيان ووصول الصواريخ لأهدافها وهو ما سيؤثر في سمعة السلاح الأميركي، كما كشف الكيان عن عجزه عن تدمير المنشآت النووية، وأن أقصى قوته هي الإضرار والتعطيل دون المساس بالأصول، ورغم إنجاز تدميره لجانب ليس بالهين من الدفاعات الجوية الإيرانية، فإن إيران استطاعت ترميم الردع واستطاعت إسقاط مقاتلة "أف 35" وأسر طيارها، والحديث يدور عن طائرات أخرى، ناهيك عن عشرات المسيرات التي تسقطها.
ورغم الاستباحة الجوية وانتقاء الكيان للأهداف المدنية والاقتصادية لتنفيذ مخططه، وانتشار الجواسيس والعملاء وقيامهم بمهام قذرة، فإن صلابة الشعب الإيراني والتفافه حول النظام وتعاونه في كشف العملاء، وصلابة القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري والقيادة العليا المتمثلة في الإمام السيد الخامنئي، هي عوامل تكفل الصمود، وتجعل من تدخل أميركا فرصة لعقابها، كما يعاقَب الصهاينة على جرائمهم وأوهامهم بأن المقاومة ومحورها لقمة سائغة.