عين على العدو

قال الكاتب، في صحيفة "يديعوت أحرونوت الإسرائيلية"، ناحوم برنياع: "بعد 20 شهرًا مرهقة، مشبعة بأخبار سيئة، تتشوش الرؤية: من الصعب التمييز بين خبرٍ جيّد عندما يصل. استقبل خبراء عسكريون نتائج القصف الأميركي في إيران، أمس الأحد، بنبرة خفيفة من خيبة الأمل. يقولون إن الإيرانيين نجحوا في إخراج معدات ومواد من مفاعل فوردو مسبقًا؛ التدمير كان أقلّ شمولًا من التوقعات؛ شيء ما من قدرة التخصيب بقي سليمًا. يريدون المزيد".
وتابع برنياع: "حتى لو كانت هذه التقارير صحيحة، فإنها تغفل النقطة الأساسية: القصف الأميركي وضع الشرق الأوسط كله عند مفترق تاريخي. كازينو دونالد ترامب ألقى دفعة هائلة من الرقائق في أيدينا. الآن هو الوقت لأخذ المال وقطع الاتصال. بعبارة أخرى: أن نقول للرئيس الأميركي: شكرًا، لن ننساك أبدًا على ما فعلته لأجلنا. أنت الأعظم. لدينا طلب صغير، فقط بيننا: رجاءً، إلزم إيران وإلزمنا بوقف إطلاق النار. ليس بعد أسبوعين، وليس بعد شهر – الآن".
ويسأل الكاتب: لماذا؟، ويجيب عن نفسه :"لأننا وصلنا إلى نقطة حيث ينخفض عائد الإنجازات ويزداد الثمن المحتمل. المصابون في المباني التي أصابها صاروخ، والطائرة التي قد لا تعود، وسعر النفط الذي قد يرتفع، والحرب التي قد تتعقد.. أعلن النصر وارجع إلى ديارك، هكذا اقترح السيناتور كليفورد كيس على الرئيس جونسون في حرب أخرى. لماذا؟ لأن الجيش متوتر إلى أقصى حد؛ وبما أن التوازن بين الوقت المهدور والضرر المتراكم لا يبشّر بخير. أمس، زرت أحد المواقع المتضررة في تل أبيب. منزل واحد تدمّر وعشرات، ربما مئات من المنازل تضررت. الناس مذهولون، ينظرون بصمت إلى ممتلكاتهم الضائعة. حتى الأطفال. الثمن لا يُقاس بعدد القتلى فقط. لماذا؟ لأنّه ربما هنا تكمن فرصة حقيقية لتغيير مكانة "إسرائيل" في الشرق الأوسط".
وأردف الكاتب :"لستُ الوحيد الذي توصّل إلى الاستنتاج بأن الوقت قد حان: يُشاطرني هذا الاستنتاج العديد من الأشخاص الجيدين والمخضرمين في الأجهزة الأمنية، هنا وفي الولايات المتحدة. وهو لا يستند إلى أمنيات أو رغبات شخصية، بل إلى تحليل واقعي ومتزن للواقع. سأحاول التفصيل. معالجة نتنياهو للملف النووي الإيراني لم تخلُ من أخطاء. أخطأ بمحاولته إفشال الاتفاق النووي خلف ظهر أوباما، وأخطأ بالضغط على ترامب، في ولايته الأولى، للانسحاب من الاتفاق من دون تقديم بديل".
وقال برنياع :"لكن من دونه، لما كانت الهجمة الحالية على إيران قيد التنفيذ. أولًا، هو بقوته الإقناعية جلب ترامب، رئيس دعا للانعزال وتعهد بعدم خوض حرب خلال ولايته؛ وثانيًا، هو اتخذ القرار. ربما كان رئيس وزراء آخر سيفعل مثله، لكن هذا كان هو، في ولايته. هو الرأس وهو المسؤول. يمكن التشكيك بفائدة الهجوم، لكن لا يمكن تجاهل إسهام نتنياهو الكبير. هو نجح في إدخالنا إلى إيران. من غير المؤكد أن ينجح في إخراجنا منها. مثل غزة، يعجز عن إنهائها. واليوم ليس هناك من يساعده في الخروج: لا من الكابينت، ولا من عائلته. الشخص الوحيد القادر على إخراجنا هو ترامب".
ووفق برنياع، فإنّ: "القصف الأميركي لا يُقاس فقط بنتيجته الميدانية. قرار أميركا بالتدخل هجوميًا في حرب تشارك فيها "إسرائيل" هو طفرة مدوية. أميركا ساعدت "إسرائيل" في الماضي في الدفاع، حتى ضد الإيرانيين، لكنها لم تتطوع يومًا للضرب لأجلها. وهذا يحمل رسالة صاخبة لدول الشرق الأوسط، سواء العدوة أم الحليفة: أميركا الآن تتعامل بنفسها مع أعداء "إسرائيل".
لكن هذه الرسالة أقل سعادة عند الجمهور الأميركي والنظام السياسي فيه. إذا تورطت أميركا في إيران، فستُحمّل "إسرائيل" المسؤولية، بل كل يهودي مؤيد لـ"إسرائيل". عندما تورطت أميركا في العراق، وُجهت الاتهامات لـ"إسرائيل" واليهود بأنهم من دفعوا بها إلى هناك. مع أن الاتهام لم يكن دقيقًا (نتنياهو، كشخص، حاول إقناع لجنة في الكونغرس بضرب العراق استنادًا إلى بيانات ملفقة، لكن الحكومة "الإسرائيلية" لم تقف خلفه). ومع ذلك، أحدث هذا الاتهام صدى. ومنذ ذلك الحين نما الوضع في أميركا نحو الأسوأ".
أربعة سيناريوهات محتملة
ويسأل الكاتب :"ما الذي سيقرّره خامنئي (آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي) بعد الضربة الأميركية؟، ويجيب :" في المؤسسة الأمنية يتحدثون عن أربعة سيناريوهات محتملة:
أولًا، سيرد خامنئي بهجوم واسع على قواعد ومنشآت أميركية في قطر، السعودية، البحرين وغيرها. وبالموازاة مع ذلك، سيهاجم "إسرائيل" بالصواريخ، الطائرات المُسيّرة، والطائرات الانتحارية من دون طيار. وسيضطر إلى الأخذ بالحسبان رد فعل قاسٍ جدًا من ترامب. ثانيًا، سيحوّل خامنئي المواجهة من مثلثة إلى دولية. سيغلق مضيق هرمز، وسيشجع "الحوثيون" (أنصار الله) على إغلاق باب المندب. بذلك، سيخاطر بصدام مع العالم بأسره. ثالثًا، سيشنّ هجومًا رمزيًا، ما يُسميه إيتمار بن غفير "هجومًا ضعيفًا"، على قاعدة أميركية، وسيواصل مهاجمة "إسرائيل". رابعًا، سيتجاهل أميركا وسيواصل مهاجمة "إسرائيل"، "الشيطان الصغير". الحل الأفضل من وجهة نظر "إسرائيل" هو وقف إطلاق النار تحت ضغط أميركي، ثم بدء مفاوضات لاتفاق نووي جديد. السؤال عمّا إذا كان سيُسمح لإيران، في وضعها الحالي، بالتخصيب بنسبة هامشية، هو مرتبط أكثر بغرور ترامب في ارتباطه بالمصلحة الحقيقية لأمريكا و"إسرائيل". على أي حال، فإن أي اتفاق مع النظام الإيراني الحالي سيكون عرضة للخرق منذ يومه الأول"؛ على حد قول الكاتب.
وختم بالقول :"السؤال هو: ماذا يريد نتنياهو؟ هو يتحدث عن خلق شرق أوسط جديد، لكنه يرفض التخلي عن القديم: إنهاء الحرب بوقف إطلاق نار مقابل حرب أبدية؛ تطبيع مع السعودية مقابل الغرق في غزة والضفة الغربية".