اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي رغم الإعاقة والتهجير والحرب .. أهالي غزة يواصلون العمل

مقالات مختارة

عن صناعة إيرانية متأصّلة: لهذه الأسباب... لن يموت
مقالات مختارة

عن صناعة إيرانية متأصّلة: لهذه الأسباب... لن يموت "النووي"

76

حسن حيدر- صحيفة الأخبار
بعد العدوان الأميركي - "الإسرائيلي" على إيران، بات الغموض يلفّ مصير المشروع النووي الإيراني، في وقت أشارت فيه تقارير استخبارية أجنبية إلى وقوع أضرار كبيرة في بعض المنشآت، وأكّدت "هيئة الطاقة الذرية الإيرانية"، من جهتها، أن الضربات تسبّبت بأضرار جسيمة في بعض المواقع المُستهدفة. لكنّ هذا العدوان لا يمكن فصله عن السياق التاريخي الذي خاضته طهران في سبيل تطوير قدراتها النووية المدنية وتأصيل هذه الصناعة.

في السادس من نيسان 2006، أعلنت إيران، رسميًا، دخولها نادي الدول النووية، وامتلاكها الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووي، عبر تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% لأهداف سلمية مدنية. وجاء هذا الإعلان تتويجًا لمسار طويل اكتمل محليًا، بدءًا من استخراج اليورانيوم، وصولًا إلى إنتاج قضبان الوقود المخصّصة للمفاعلات النووية.

غير أن الخطاب الإعلامي الغربي والعربي غالبًا ما خلط بين المفاعل والمنشآت النووية، علمًا أن هذه الأخيرة بأغلبها مرافق تصنيع، ولا تحتوي على مواد إشعاعية خطرة أو تفاعلية، من مثل منشأة أصفهان، ومعامل تصنيع القطعات في كرج، ومعمل إنتاج الماء الثقيل في بناب. أما المفاعلات، فهي: مفاعل "أراك" للمياه الثقيلة، الذي كان ينتج البلوتونيوم وتمّ إغلاقه عام 2015، وتغيير مواصفاته التشغيلية، ومفاعل "أمير آباد" في طهران بقدرة 5 ميغاواط وهو للاستخدام البحثي، ومفاعل "بوشهر" الكهروذرّي بقدرة 1000 ميغاواط وهو لإنتاج الطاقة الكهربائية.

والجدير ذكره، هنا، أن تلك المفاعلات تكون نشطة من خلال مواد نووية تعمل داخل قالب المفاعل وموضوعة في قضبان الوقود، وفي حال استهدافها وهي قيد التشغيل، فإن الخطر الإشعاعي سيكون هائلًا، على شعاع يتجاوز 300 كلم. إلا أن المفاعلات المشار إليها لم تُستهدف خلال العدوان نظرًا إلى أنها ذات طابع مدني بحثي، باستثناء "أراك"، الذي كان قيد إعادة الهيكلة بالتعاون مع شركات صينية، وتعرّض لغارات أدّت إلى تدمير بنيته بهدف إلحاق أضرار مادية بالمشروع، علمًا أنه فارغ من أي مواد نووية.

أما دورة إنتاج الوقود النووي، فتستلزم المرور بعدد من المراحل الأساسية، تبدأ أولًا من خلال مناجم اليورانيوم المنتشرة في سبع محافظات إيرانية، أبرزها: يزد وكرمان في الوسط، ولرستان وأردبيل وهمدان في الغرب، بالإضافة إلى منجم في أقصى الشرق في محافظة خراسان. ويُستخرج من هذه المناجم اليورانيوم الطبيعي المكوّن من نظيرين، الأول: U - 238 (بنسبة 99.28% من اليورانيوم الطبيعي)، وهو غير قابل للانشطار، أي إنه لا يمكن أن يُستخدم مباشرة لتوليد الطاقة في المفاعلات أو الأسلحة النووية إلا بعد تحويله إلى بلوتونيوم - 239.

أما الثاني فهو U - 235 (بنسبة 0.72% فقط من اليورانيوم الطبيعي)، وهو النظير الانشطاري الوحيد الموجود في الطبيعة، ويُعرف بعد التخصيب بـ"التفاعل المتسلسل". والمناجم المذكورة تحديدًا هي التي حاول العدوّ "الإسرائيلي" استهدافها، بهدف عرقلة عمليات الاستخراج ولو لمدّة زمنية محدودة فقط.

وبعد عملية الاستخراج من المناجم، يُكسّر خام اليورانيوم المستخرج ويُطحن ليتحوّل إلى مسحوق. ثمّ يُغسل المسحوق الخام باستخدام محاليل كيميائية لفصل اليورانيوم عن الشوائب وتركيزه، وبعد ذلك يُجفّف محلول اليورانيوم المركّز على شاكلة مسحوق خشن ذي لون أصفر، وهو ما يُعرف بـ"الكعكة الصفراء" (مسحوق مركز من أوكسيد اليورانيوم U3O8).

وهنا، تبدأ مرحلة التحويل في منشأة أصفهان (UCF)، التي تُعدّ أحد المراكز الرئيسية التي تقوم بتحويل "الكعكة الصفراء" إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) المخصّص لعمليات التخصيب، إضافة إلى تحويل اليورانيوم إلى ثاني أوكسيد اليورانيوم (UO2) وقضبان الوقود، وتصنيع الزركونيوم الذي يُستخدم لتغليف تلك القضبان لإنتاج الوقود النووي، بالإضافة إلى مصانع إنتاج الزركونيوم، الذي يدخل بشكل أساسي في صناعة أوعية تغليف قضبان الوقود النووي لقدرته العالية على مقاومة التآكل.

وتضمّ "أصفهان" التي تقع على مساحة 60 هكتارًا، 60 وحدة إنتاجية، تمّ استهداف الكثير منها بالضربات الجوية الأميركية و"الإسرائيلية". وإلى جانبها، طاولت الاستهدافات مدينة كرج غرب طهران، التي تضمّ منشآت من مثل "مجمع تسا كرج"، الذي يُعتبر مركزًا صناعيًا لإنتاج وتصنيع الأجهزة المُستخدمة في عمليات التخصيب، ومنها أجهزة الطرد المركزي، وهو ما يعكس محاولة منهجية لتعطيل كلّ حلقة في سلسلة التصنيع.

أما المرحلة التالية في دورة إنتاج الوقود النووي، فتجري في منشأة "نطنز"، التي تُعدّ إحدى أهم منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، حيث تحتوي على غالبية أجهزة الطرد المركزي. وتنقسم إلى قسم فوق الأرض مخصّص لتجميع الأجهزة وتجريبها، وآخر تحت الأرض يضمّ قاعات للتخصيب بقدرة استيعابية تصل إلى 50 ألف جهاز، تشمل أجيالًا متعددة من "IR - 1" وصولًا إلى الجيل المتطور "IR - 6" الذي يعادل في فعاليته عشرة أضعاف الجيل الأول.

وتعرّضت المنشأة لأضرار نتيجة العدوان الأخير، فضلًا عن عمليات تخريب سابقة في عامَي 2020 و2021. وردًا على الاستهدافات السابقة والتهديد الدائم لإيران، لجأت الجمهورية الإسلامية إلى حفر منشأة في أعماق الجبال في منطقة فوردو في محافظة قم جنوب طهران. وتتمتع "فوردو" بقدرة استيعابية تصل إلى 3000 جهاز طرد مركزي، في ما ضمّت، قبل بداية العدوان، 1400 جهاز من طراز "IR - 6"؛ إذ عملت طهران على رفع كفاءة الأجهزة المحلية الصنع لتقليص عددها وزيادة القدرة الإنتاجية، حتّى أصبحت تدور بسرعة هائلة، وتصل سرعة دوران الواحد منها إلى 70 ألف دورة في الدقيقة الواحدة لإنجاز عمليات التخصيب.

وبعد التخصيب، تُوضع المواد المخصّبة في قضبان وقود لتذهب إلى وجهات الاستخدام. على أن إيران، التي التزمت بنسبة تخصيب 3.65% ضمن اتفاق 2015، عادت ورفعت هذه النسبة تدريجيًا ردًا على انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018، وصولًا إلى نسبة 60% عام 2024، تلبيةً لاحتياجات الوقود المخصّصة لتشغيل محرّكات السفن والغواصات النووية ومحرّكات صناعية ثقيلة تعمل طهران على إنتاجها. وكانت كلّ تلك الأنشطة تحت إشراف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، التي كانت على علم بوجود 400 كلغ من اليورانيوم العالي التخصيب، الذي صرّح عنه الجانب الإيراني رسميًا.

وعليه، فإنه مع تأصيل هذه الصناعة في إيران، سيكون من الصعب إنهاء البرنامج النووي الإيراني على الرغم من كلّ الضربات، الأمر الذي يجعل المسألة مسألة وقت فقط لإعادة تلك الأنشطة، بعد إجراء تقييم للأضرار، واستنفاد المدة الزمنية المتوقّعة لإعادة الترميم والبناء. وبطبيعة الحال، ستكون المنشآت النووية أكثر تحصينًا في المستقبل، الذي قد يشهد انتقال البرنامج إلى نموذج "المدن الصاروخية" المدفونة في أعماق الجبال، مع احتمالات اللجوء إلى تقنيات تخصيب جديدة كالليزر أو الموجهات الكهرومغناطيسية، التي قام العلماء الإيرانيون بتحويلها إلى صناعة وطنية قد تغيّر الكثير من المعادلات على مستوى البرنامج النووي في إيران.

الكلمات المفتاحية
مشاركة