لبنان

أدّى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة الجمعة في مقرّ المجلس - طريق المطار، وألقى خطبة قال فيها: "أمام هذه المرحلة التي نعيشها في وطننا، لبنان، حيث لم تكن هناك سلطة ولا دولة، ولا مسؤولية، والذين كانوا في مواقع القرار لم يتحمّلوا مسؤولية الدفاع عن الوطن والدفاع عن البلد، ولم يتحمّلوا مسؤولية العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن في القرى".
وأضاف: "السلطة في لبنان كانت سلطة بين أطراف تتوزّع المنافع والمصالح، وهذه نكرّرها وسنكرّرها دائمًا إلى أن يتغيّر هذا النهج، بأنه ليس هناك دولة، وماضي تعاطي السلطة هو ماضٍ سيّئ، وحينما نقول ليس هناك دولة، أي لم تكن هناك دولة، بل كانت هناك سلطة تتنازع أو تتوزّع المنافع فيما بينها، بينما كان مصير الوطن على المحك، والعدو "الإسرائيلي" يعتدي على لبنان يوميًّا من دون أن تتحمّل هذه السلطة أي مسؤولية في الدفاع عن لبنان وعن الناس وعن كرامات الناس الذين كانوا، بسبب العدوان "الإسرائيلي" والأطماع "الإسرائيلية"، كل فترة من الفترات يضطرّون إلى النزوح عن مناطقهم ويذهبون إلى مناطق أخرى لحفظ أرواحهم وعوائلهم، وتُهدم بيوتهم وقراهم ويفتقدون إلى الأمن والإنماء وإلى أيّ مقوِّم من مقومات الصمود. هذا ما نعرفه من هذه السلطة".
وتابع: "الآن، ما الذي تغيّر؟ هناك رئيس للجمهورية، وهناك رئيس لمجلس الوزراء، وهناك مجلس وزراء موجود، لكن ما الذي تغيّر من كل هذا التاريخ في تعاطي السلطة مع مواطنيها؟ هل السلطة الآن هي التي تضع سياستها؟ هل هناك سياسة للسلطة الحالية لتجاوز هذا الماضي ولبناء دولة حقيقية في هذا البلد، يشعر معها المواطنون أن هناك أمانًا، وبأن ما تعرّضوا له في السابق لن يتعرّضوا له في المستقبل؟ أم أن السلطة الحالية تطبّق ما يُفرض عليها من الخارج؟".
وقال الشيخ الخطيب: "مع كل الاحترام لفخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ولخطابه، لكن فخامة الرئيس ليس هو كل السلطة، وليس هو القرار، الحكومة هي القرار، والحكومة هي السلطة، نحن موجودون في السلطة، صحيح، لكن نحن في ظل هذا الوضع الطائفي، وما زال البلد محكومًا بهذه العقلية الطائفية، ومع هذا الماضي الذي عاصرناه في إظهار العداوة لهذه الطائفة، بكل صراحة نحن لسنا مطمئنين، ويجب أن يكون هناك شيء عملي، وليس بالوعود، لتطمئن هذه الطائفة. نحن أول من كان يطالب بالدولة، والآن نطالب بأن تكون هناك دولة حقيقية، دولة تحفظ كرامة الناس وتحفظ أمنهم واستقرارهم".
وأضاف: "إلى الآن بيوتنا مهدّمة، وإلى الآن الناس مهجَّرون من أماكنهم، مجلس الوزراء إلى الآن لم يضع خطة من أجل إعادة البناء، إلى الآن السلطة تساهم في الحصار بمنع إدخال المال من اللبنانيين الذين يأتون إلى لبنان، ويُمنعون من إدخال أموالهم إلى البلد المحاصر ماليًّا، ويُمنع علينا إعادة إعمار بيوتنا. على الأقل، يجب إعطاء المجال للبنانيين المغتربين الذين يأتون من الخارج، والذين يبعثون أموالًا إلى الداخل. الآن صارت السلطة تطبّق القوانين؟ قولوا لي: أين هي الدولة؟ وأين هو القانون؟ فقط على المال الذي يأتي من الخارج في هذه اللحظات الحرجة من أجل إعادة الإعمار؟ هل هذا يطمئننا؟".
وتابع: "ما يحصل لا يطمئننا، بكل صراحة. لماذا لا يكون بند تطبيق اتفاق الطائف هو أول بند على جدول جلسات مجلس الوزراء؟ لتطبيق اتفاق الطائف، كنتم تصرخون وتنادون بتطبيق اتفاق الطائف؟ فقط بالكلام؟ لماذا لا يذهبون عمليًّا إلى تطبيق اتفاق الطائف؟ وإلى إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي؟ لم يُطبّق شيء من الطائف، وإنما فقط نسمع كلامًا".
وأوضح الشيخ الخطيب: "الاطمئنان بالكلام وحده لا يكفي، لا بدّ من إجراءات عملية، وما يحصل لا يطمئننا، مع كل الاحترام للنّيات الطيبة التي تصدر من هنا وهناك، لكن أنا أريد شيئًا عمليًّا. لا خطة للإسكان، ولا خطة لإعادة الإعمار، لا خطة لإعادة الترميم، لا تقديم ميزانية من أجل هذا الموضوع. موضوع إعادة إعمار ما دمّره العدوان "الإسرائيلي"، الذي ما زال مستمرًّا ليلًا ونهارًا، ما زال أبناؤنا يُقتلون ويُغتالون بالطائرات المسيّرة، ما زالت سماء لبنان مستباحة من الطيران "الإسرائيلي"، والعدوان "الإسرائيلي". لم نرَ شيئًا يطمئننا ويطمئن بيئتنا بعدما دفعنا هذه الأثمان الغالية".
وأضاف: "نحن نريد ما يطمئننا، بكل صراحة، نحن لسنا متمسّكين بالسلاح من أجل السلاح، حينما تقوم الدولة وتستطيع هذه الدولة أن تحمي أبناءها، ونستغني فيه نحن عن حمل هذا السلاح، لن يكون هذا السلاح حينئذ أمرًا مقدّسًا، لكن كراماتنا مقدّسة، وحياة أبنائنا مقدّسة، وأمننا مقدّس، والحفاظ على الاستقرار مقدّس، وإعادة البناء والإعمار مقدّسة. لم تقدّموا شيئًا في كل هذه المجالات. أعطونا أقلّ ما يمكن أن نثق به بأن الأمور تسير على السكّة الصحيحة، وأن الكلام الذي يُطلق في الخطابات هو كلام جدّي. أنا لا أتهم أن ما يُقال ليس جديًّا، الجديّة بمعنى الفعل العملي الذي يبعث الاطمئنان. الخطابات فقط لا تبعث على الاطمئنان. لذلك نحن أول من طالب بالدولة وببناء الدولة، ونحن وراء الدولة، لكن إلى الآن لم تتحقّق هذه الدولة، ونحن نريد أن تتحقّق هذه الدولة".
وهنّأ الشيخ الخطيب "الجيش اللبناني ضبّاطًا وعناصر ورتباء بعيدِه الثمانين"، ووجّه "تحية الإكبار إلى شهداء الجيش والمقاومة وكل اللبنانيين الذين بذلوا دماءهم للدفاع عن لبنان وحفظ أمنه واستقراره وسيادته"، داعيًا "الحكومة إلى تسليح الجيش وتوفير كل الإمكانيات اللازمة التي تجعل من الجيش السياج الفعلي الذي يحمي لبنان ويدفع عنه خطر العدوان الصهيوني الذي ينتهك سيادة لبنان ويحتل أرضه ويهدد أمنه واستقراره ويقتل أبناء شعبه. وعلى اللبنانيين الاتعاظ مما يجري في غزة من حرب إبادة وتجويع لأهلنا التي تشهد ارتكاب المجازر الصهيونية ضد الأطفال والنساء على مرأى العالم. من هنا، نطالب اللبنانيين بالالتفاف حول جيشهم ومقاومتهم والتمسّك بوحدتهم الوطنية ليكون لبنان مُحصّنًا بوجه العدوان والتهديدات "الإسرائيلية"".