لبنان

في الأول من آب 2025، ومع إعلان نتائج الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية، أضاءت محافظتا الجنوب والنبطية خريطة لبنان بنجاحاتهما وبعلامات التفوق النيّرة، ورفعتا اسم العلم في وجه العدوان، لا بالحبر فقط، بل بالدم والدمع والصبر والإيمان.
هي ليست مجرد نتائج أُعلنت، بل ملحمة كتبتها أنامل جرحى الحرب الذين نازعوا الألم، وجعلوا من مقاعد الدراسة ساحة نصر لا تقل شرفًا عن ساحات القتال.
لين ربيع كركي، من ثانوية الرحمة – النبطية (جمعية المبرّات)، انتزعت المرتبة الأولى على لبنان في فرع الاجتماع والاقتصاد، لتقول باسم كل الجنوبيين: نحن لا نُكسر.
علي حسين حايك، من ثانوية المصطفى – النبطية، انتزع الصدارة في فرع العلوم العامة، ليؤكد أن الجنوب لا يعرف سوى القمم.
أما المفاجأة الكبرى، فكانت من أولئك الذين كتبوا إجاباتهم بمداد الألم، وقرؤوا كتبهم ببصائرهم حين غابت عنهم الأبصار.
الشاب الجريح علي فؤاد برجي، ابن ميس الجبل، ورغم إصابته البليغة، أحرز معدل 18.25 في فرع علوم الحياة بدرجة "جيد جدًّا"، مجسدًا بإيمانه مقولة: إن الجسد قد يُصاب، لكن الروح لا تُهزم.
وها هي حوراء علي حمزة؛ الجريحة من بلدة الخضر البقاعية، والتي فقدت بصرها خلال الحرب، ترى بنور قلبها ما لم تعد تراه العين، وتتفوق في فرع علوم الحياة بدرجة "جيد جدًّا"، لتثبت أن من فقد العين امتلك البصيرة.
محمد عبد الله الشرتوني؛ ابن ميس الجبل الذي فقد عينه وأصابع يده، جلس بثبات خلف طاولة الامتحان، ليُتوج بالمركز الثامن على صعيد لبنان في فرع الإنسانيات.
وحسن حسين بحسون؛ الجريح الذي فقد إحدى عينيه، نال درجة "جيد" في فرع الاجتماع والاقتصاد، مؤكدًا أن ما يُكتب بإرادة الحياة لا تُوقفه إصابة، ولا تُطفئه نار.
وغيرهم الكثير، ممن سنعرف عنهم بعد أيام، هؤلاء ليسوا مجرد طلاب، بل رُسل نصر حملوا جراحهم على المقاعد، قرؤوا بعيون البصيرة، وكتبوا بإرادة لا تلين، وساروا على درب النجاح متكئين على إيمان راسخ بالله العلي القدير.
هم شهداء أحياء، قاتلوا في معركة العلم والصبر، وانتصروا. هم لبنان الحقيقي الذي لا يُقهر، ولا يُذل، ولا يُساوم على حقٍّ ولا حلم.
تحية لكل من صمد، لكل من نهض، لكل من جاهد بمختلف صنوف الجهاد. فاليوم، كتبوا سطرًا جديدًا يقول:
قد تُصاب العين، لكن لا تُصاب الرؤية... وقد تضعف اليد، لكن لا تضعف الإرادة.