لبنان

أكد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، أن الأمة العربية والإسلامية تمر اليوم في واحدة من أخطر مراحل وجودها، وسط تحديات داخلية وخارجية معقّدة، ناتجة عن عقود من التراجع والتبعية، وتجارب فاشلة في التحرر والنهوض.
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها من مقر المجلس في طريق المطار، شدّد الشيخ الخطيب على أن هذه المرحلة تأتي نتيجة إخفاقات تاريخية متراكمة، أبرزها سوء إدارة الحقبة العثمانية للأقاليم العربية، التي تميّزت بـ"العقلية المتخلفة والتعاطي العنصري"، ما دفع بعض المكونات إلى الارتماء في أحضان الاستعمار الغربي، تحت وهم التحرر، ليقعوا فريسة خديعة كبرى، استُبدلت فيها التبعية السابقة بتبعية أشد قسوة.
وقال الشيخ الخطيب: "ظن البعض أن الارتباط بالغرب سيمنحهم الخلاص من التخلّف، ولم يدركوا أن المشروع الغربي كان يعدّ نفسه ليكون البديل الاستعماري، وهو ما نجني ثماره المرّة اليوم في مشهد من التفكك والانقسام، والتطرف الديني والمذهبي، الذي يتم توظيفه لخدمة الأجندات الغربية، تحت عناوين محاربة الإرهاب".
كما تناول في خطبته الأسباب الداخلية التي ساهمت في تعميق هذا الواقع، ومنها دخول الحركات الإسلامية في صراعات مع الأنظمة ومع بعضها البعض، مؤكدًا أن تلك الصراعات كانت الأمة في غنى عنها، لأن المرحلة كانت تقتضي توحيد الصفوف لمواجهة الخطر الوجودي المشترك.
واعتبر أن مواجهة هذا التحدي تتطلّب إعادة قراءة المرحلة السابقة، ووضع استراتيجية جديدة تتجاوز الشعارات التي أثبتت فشلها، والتركيز على الحفاظ على وحدة المجتمعات العربية والإسلامية، التي بدأت تتفكك بشكل يحقق الأهداف الغربية.
وشدّد الشيخ الخطيب على أن "الحفاظ على وحدة مجتمعاتنا يجب أن يتقدّم على أي أولوية أخرى"، داعيًا الحركات الإسلامية إلى التركيز على العمل الثقافي، والابتعاد عن الصراع السياسي الأيديولوجي، والعمل بدلًا من ذلك على تعزيز السلم الأهلي، والتمسك بفكرة الدولة القائمة على أساس المواطنة لا على الأسس الطائفية والمذهبية.
وتطرق إلى خطورة الانقسام السياسي الداخلي في لبنان، محذرًا من أن ما جرى مؤخرًا في مجلس الوزراء جاء استجابة "للضغط الأميركي – الإسرائيلي"، ومكّن العدو من تحقيق ما لم يكن يحلم به، دون أي مبرر منطقي، في وقت لا يزال فيه لبنان بحاجة إلى توحيد الموقف الوطني في وجه التهديدات الإسرائيلية المتكررة.
وفي هذا السياق، انتقد الشيخ الخطيب قرار الحكومة الأخير، معتبراً أنه أضرّ بوحدة الصف الوطني وتنازل عن ورقة قوة أساسية، كان يمكن استخدامها لفرض المطالب اللبنانية المحقة على العدو.
وأشار إلى انسحاب أربعة وزراء من الجلسة الأخيرة، ما أفقدها شرعيتها الدستورية، داعيًا إلى معالجة الأزمة بأساليب تحفظ ماء الوجه وتمنع سقوط البلاد في فوضى دستورية.
وفي ختام خطبته، توجّه الشيخ الخطيب إلى جمهور المقاومة، داعيًا إلى التزام الهدوء وعدم الانجرار خلف أي استفزازات، وقال: "نحن حريصون على السلم الأهلي كما المقاومة، وندعو إلى التهدئة والتعقّل، لأن الكثير من اللبنانيين يشاركوننا الألم، ويريدون لوطنهم العزّة والاستقلال".
وأضاف: "لبنان بلدنا جميعًا، ونحن من دفع الأثمان الباهظة من أجله. أما القرار الحكومي الخاطئ، فله أساليب أخرى لمعالجته، ولا ينبغي لأحد أن يُستدرج إلى حيث يريد الخبثاء".
وختم بالدعاء للبنان وشعبه، وترحّم على الشهداء من الجيش والمقاومة، مؤكدًا أن من اتخذ القرار "طعن عائلاتهم وذويهم في صميم وجدانهم".