اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي مراجعة نقديّة لتجربة حزب الله السياسيّة والعسكريّة [17]

مقالات مختارة

المقاومة بين شرعية التحرير ومأزق الدولة: حين يتحوّل النصر إلى صراع داخلي؟
مقالات مختارة

المقاومة بين شرعية التحرير ومأزق الدولة: حين يتحوّل النصر إلى صراع داخلي؟

44

د. علي محمود الموسوي - صحيفة الجمهورية

لطالما شكّلت حركات المقاومة المسلحة أحد أبرز أدوات الشعوب لمواجهة الاحتلال الأجنبي أو الهيمنة الاستعمارية. هذه الحركات غالبًا ما تحظى بشرعية واسعة خلال فترة المواجهة، إذ تُجسّد طموح الناس في التحرّر والكرامة الوطنية. غير أنّ المعضلة تبدأ بعد زوال الاحتلال أو قيام الدولة الوطنية: كيف تتعامل السلطة الجديدة مع هذه التنظيمات؟ هل يتمّ دمجها في مؤسسات الدولة، أم تُقصى لصالح احتكار السلطة؟ هنا تبرز إشكالية كبرى: فبينما سارت بعض الدول نحو دمج المقاومة، انتهجت أخرى سياسات إقصاء أدّت إلى صراعات أهلية دامية.

الإطار النظري: المقاومة والدولة الوطنية

من منظور علم الاجتماع السياسي، تسعى الدولة الحديثة إلى احتكار العنف الشرعي (ماكس فيبر). أي أنّ وجود تنظيمات مسلحة خارج إطارها يشكّل تهديدًا مباشرًا لبنيتها وشرعيّتها.

لكن في الوقت عينه، تمتلك هذه التنظيمات شرعية نضالية مستمدّة من تضحياتها خلال مرحلة التحرير. وعليه، يقع التوّتر بين شرعيّتَين: شرعية الدولة وشرعية المقاومة.

الحالة اليونانية: من مقاومة النازيِّين إلى الحرب الأهلية

خلال الاحتلال النازي لليونان (1941-1944)، قادت جبهة التحرير الوطنية (EAM) وجناحها العسكري (ELAS) أوسع حركة مقاومة مسلّحة. غير أنّ ما بعد التحرير كشف عن تصدّع عميق: دعمت القوى الغربية (بريطانيا خصوصًا) الفصائل الملكية واليمينية، معتبرةً أنّ اليسار المقاوم يُشكّل تهديدًا شيوعيًا.

رفضت الحكومة اليونانية بعد التحرير دمج ELAS في الجيش الوطني، واعتبرت استمرار وجوده خطرًا على السلطة.

بالنتيجة، اندلعت حرب أهلية (1946-1949) بين الدولة المدعومة غربيًا والمقاومة اليسارية السابقة، خلّفت انقسامًا عميقًا في المجتمع لسنوات طويلة.

الحالة الإيرلندية: مقاومة تتحوّل إلى انقسام داخلي

في إيرلندا، كان الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) رأس الحربة في مواجهة بريطانيا. لكنّ اتفاقية الاستقلال (1921) منحت البلاد حكمًا ذاتيًا جزئيًا، وأبقت على بعض أشكال الارتباط بالتاج البريطاني. قسم من قادة المقاومة قبِل بالاتفاق وسعى إلى بناء الدولة الجديدة. فيما قسم آخر رفض واعتبر التسوية خيانة لتضحيات الشعب.

هذا الانقسام فجّر حربًا أهلية قصيرة (1922-1923)، انتهت بانتصار الدولة الناشئة، لكن بجرح داخلي لم يلتئم بسهولة.

ملاحظات مقارنة

في اليونان وإيرلندا، الإقصاء بدل الدمج أدّى إلى إعادة عسكرة الداخل بدل بناء الاستقرار. العامل الخارجي (بريطانيا في الحالتَين) لعب دورًا كبيرًا في ترجيح خيار المواجهة على خيار الاحتضان.

النتيجة كانت شرعية منقوصة للدولة الجديدة، إذ اعتبر جزء واسع من المجتمع أنّ تضحياته قد صودرت.

دروس مستفادة

1 - أهمية الاعتراف بالشرعية النضالية للمقاومة: إذ إنّ تجاوزها يُولّد شعورًا بالخذلان والظلم.

2 - خطورة الإقصاء المباشر: لأنّه يحوّل رفاق السلاح إلى أعداء الداخل.

3 - دور العامل الخارجي: القوى الدولية غالبًا ما تدفع الدولة الناشئة نحو خيارات تتوافق مع مصالحها لا مع مصلحة الاستقرار الداخلي.

4 - ضرورة بناء عقد اجتماعي جديد: يتضمّن تحديد دور المقاومة في مرحلة ما بعد التحرير في وضوح، إمّا عبر دمجها في الجيش أو إعطائها مساحة سياسية مشرعنة.

خاتمة

تكشف تجارب اليونان وإيرلندا أنّ التعامل الخاطئ مع تنظيمات المقاومة بعد التحرير قد يُحوّل النصر على المحتل إلى مأساة داخلية. فالمقاومة التي جسّدت رمز الوحدة في مواجهة العدوّ الخارجي، تتحوّل عنصر انقسام عندما تُقصى أو تُشيطن.

الدرس الأبرز هو أنّ استقرار الدولة الناشئة يحتاج إلى توازن بين شرعية التحرير وشرعية الدولة، وإلى صَوغ معادلة تحتضن المقاوم لا تستعديه.

يقف لبنان أمام مفترق شبيه بما واجهته دول أخرى بعد التحرير: إمّا صَوغ تسوية ذكية تحفظ دور المقاومة وتُعيد للدولة هيبتها تدريجًا، وإمّا الانزلاق إلى صدام داخلي يكرّر مأساة اليونان وإيرلندا.

التجارب التاريخية تقول في وضوح: عندما يُفرَض نزع السلاح بالقوّة من دون توافق، يتحوّل التحرير حربًا أهلية، وتصبح الخسارة أكبر من الربح.

الكلمات المفتاحية
مشاركة