مقالات مختارة

فؤاد بزي - صحيفة الأخبار
استعادت القرى الحدودية الجنوبية بعضاً من حقوقها المائية من نهر الوزاني. الأسبوع الماضي، انتهت ورشة إعادة تأهيل محطة الضخ على النهر، وأعيد تركيب مضختين بقدرة إنتاجية تصل إلى 190 متراً مكعباً من المياه في الساعة.
ومع تأمين خطوط التغذية الكهربائية للمضخات الجديدة، بدأت عملية ضخ المياه نحو محطة الميسات، ومنها إلى الخزانات في القرى وشبكات توزيع المياه على الأحياء في القرى.
قصة إعادة تأهيل شبكة المياه في الجنوب تعود إلى ما بعد نهاية حرب الـ66 يوماً الإسرائيلية، إذ أطلقت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي ورشة لإعادة تأهيل شبكات توزيع الماء، وخزانات التجميع، ومحطات الضخ المتضررة. إنّما بقيت خطوات المؤسسة متعثرة. فالحكومة غير المعنيّة بعودة أهالي القرى الجنوبية إلى أراضيهم قلّصت من تمويل المؤسسة عبر قصّ مواردها من الاشتراكات، ما اضطرها إلى البحث عن تمويل دولي لمشاريع إعادة التأهيل، فضلاً عن طلب التعاون من البلديات ومجلس الجنوب.
وفي ظلّ الشحّ المالي، تبيّن من عمليات المسح أنّ العدو قام بتدمير ممنهج لكلّ شبكات المياه في الجنوب، واستهدف بشكل خاص الخزانات ومحطات الضخ التي تبعد أقل من 5 كيلومترات عن الحدود لمنع الناس من الوصول لبنية تحتيّة حيوية تسمح بعودة الحياة إلى القرى. على سبيل المثال، «محطة الوزاني نُسفت بالكامل، وحصرة المياه جرفت».
وبحسب تقرير مشترك لمنظمتي «أوكسفام» و«العمل ضد الجوع»، دمّر العدوان الإسرائيلي على لبنان 26 محطة ضخ، و28 شبكة توزيع مياه. ووفقاً للبنك الدولي، دمّرت الاعتداءات نحو 64% من خزانات المياه في القرى، و46% من الخزانات الأساسية، و58% من محطات الضخ، فضلاً عن أضرار كبيرة لحقت بـ 23% من محطات تكرير المياه. وبحسب تقرير مشترك لكلّ من الإسكوا واليونيسيف ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي، سُجّل تدمير 60% من مصادر المياه السطحية والآبار في المنطقة الحدودية، ما أدّى إلى حرمان 700 ألف شخص من خدمات المياه المنتظمة.
منذ بداية الاعتداءات في تشرين الأول من عام 2023، بلغ إجمالي قيمة الأضرار المباشرة على البنية التحتية المائية 356 مليون دولار، وفقاً للبنك الدولي، فضلاً عن تسجيل خسائر إضافية بقيمة 171 مليون دولار، مقسّمة إلى 7 ملايين دولار خسائر على مؤسّسات المياه نتيجة إعفاء الدولة الناس من دفع الفواتير، و24 مليون دولار كأكلاف تشغيلية إضافية، و140 مليون دولار كلفة إعادة تأهيل كامل الشبكة، إضافة إلى خسائر المشتركين المضطرين إلى تأمين المياه من مصادر أغلى بعشرة أضعاف. فعلى سبيل المثال، يصل ثمن صهريج المياه سعة 20 برميلاً (4 آلاف ليتر) في قرية الجبين الحدودية إلى 15 دولاراً.
في ظل غياب الدعم الرسمي، اعتمدت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي في عملية إعادة تأهيل شبكات المياه على 3 مسارات متوازية، وهي: إعادة بناء المنشآت، توفير بدائل طارئة مثل الخزانات البلاستيكية ذات السعات الكبيرة لتحلّ محلّ خزانات القرى المدمرة، والتي يقوم مجلس الجنوب بتلزيم إعادة بنائها، على أن يتم تعبئة الخزانات البلاستكية المؤقتة بواسطة الصهاريج.
وباشرت المؤسسة بأعمال إعادة تأهيل محطات التغذية الرئيسية لشبكتها، مثل محطة الوزاني، ومحطة صور المسؤولة عن ضخ المياه لـ72 ألف شخص، ومحطة الميسات التي تغذي 150 ألف شخص بالمياه في 30 بلدة، وتعدّ عقدة رئيسية في توزيع المياه في الجنوب.
ولن يكتمل الهيكل الأساسي للشبكة قبل إعادة تأهيلها بشكل تام، فالعدوان الإسرائيلي تسبّب في تدمير الخزانات الرئيسية فيها، فضلاً عن محطة الضخ. وفي وقت لاحق، أعيد تأهيل محطة صف الهوا في بنت جبيل، والمحطة الوسطية في بلدة الطيبة المسؤولة عن نقل المياه من «مشروع الطيبة» إلى منشآت التخزين.
ويلفت المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر إلى أنّ «تمويل عمليات إعادة التأهيل لمحطات الضخ الرئيسية يأتي من الجهات الدولية المانحة». أما إعادة تأهيل الشبكات في القرى، فيشارك مجلس الجنوب والبلديات في إعادة إنشائها من جديد، فيما تغيب الحكومة بشكل شبه تام عن دعم هذه العملية.
على سبيل المثال، تموّل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ترميم وتجهيز محطة الوزاني، وتولت «UNDP» تأهيل محطة الطيبة. أما الحكومة، فتلعب دوراً سلبياً في عملية التعافي، إذ تسهم في زيادة الفوضى لا سيّما بعد منح إعفاءات للمشتركين في مؤسسة لبنان الجنوبي، ما منع عن المؤسسة أموالاً كانت ستستخدم في عمليات إعادة التأهيل.