مقالات

هل تقترب الجولة الثانية من الحرب؟
إيران و"إسرائيل" بعد حرب الاثني عشر يوماً: هدوءٌ غامضٌ فوق برميل بارود
رغم مرور أشهر على انتهاء حرب الاثني عشر يوماً بين "إسرائيل" وإيران، فإن المشهد في "الشرق الأوسط" يوحي بأن تلك الحرب لم تُنهِ شيئاً بقدر ما فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع. فالهدوء الذي فرضته الوساطة الأميركية يبدو أشبه بغطاءٍ بقشرة رقيقة فوق برميل بارود ما زال يشتعل فتيله تحت السطح.
- الهدنة الهشّة:
انتهت الحرب في حزيران الماضي بعد اثني عشر يوماً من القصف المتبادل، خلفت خلالها خسائر واسعة في المنشآت العسكرية والاقتصادية الإيرانية واغتيال عدد من القادة العسكريين ومن العلماء النوويين مقابل دمار كبير في الجبهة "الإسرائيلية" طاول منشآت عسكرية حساسة وقواعد جوية ومراكز علمية ومصانع عسكرية وأحياء سكنية في "غوش دان" وحيفا جعل "إسرائيل" تهرول للطلب من أميركا التوسط من أجل وقف الحرب فوراً.
ومع أن واشنطن سارعت لفرض وقف إطلاق النار، فإن الخطاب السياسي في "تل أبيب" وطهران لم يتغيّر.
فـ"الإسرائيليون" يعتبرون الحرب ضربة استباقية ناجحة لكنها لم تحقق الأهداف التي من أجلها شنتها وهي تدمير البرنامج النووي بالكامل، إذ لم تتمكن سوى من تأخيره، كما وإسقاط النظام الذي بدوره فشل أيضاً، فيما ترى طهران أنها صمدت وأفشلت أهداف العدو ووجهت ضربات قاسية لـ"إسرائيل".
لكن في الواقع، ما جرى كان أقرب إلى اختبار قدرات الطرفين. "إسرائيل" أرادت معرفة مدى استعداد إيران للرد المباشر، وإيران بدورها أرادت قياس حدود الدعم الأميركي لـ"تل أبيب".
النتيجة؟
لا منتصر حقيقي، ولا هزيمة نهائية، فقط تأجيل للجولة التالية.
مناورات ورسائل نارية
بعد الهدنة بأسابيع، أجرت القوات الإيرانية مناورات بحرية ضخمة تحت عنوان "القوة المستدامة ١٤٠٤"، أطلقت خلالها صواريخ باليستية على أهداف بحرية في الخليج. الرسالة كانت واضحة: "نحن جاهزون للجولة القادمة".
كما حدثت عدة زيارات لمسؤولين إيرانيين إلى الصين سعياً لشراء أسراب من الطائرات الحربية الصينية نوع j10c ، كما و الحصول على منظومة دفاع جوي صينية، حيث أثبتت الصناعات العسكرية الصينية فعاليتها وتفوقها في حرب باكستان الهند التي حصلت مؤخراً .
في المقابل، كثّفت "إسرائيل" تحركاتها العسكرية في البحر الأحمر، وأجرى سلاح الجو تدريبات مشتركة مع القوات الأميركية واليونانية. كما صرّح رئيس "الموساد" أن بلاده لن تسمح لإيران بإعادة بناء قدراتها الهجومية، في إشارة إلى أن خيار الحرب لا يزال مطروحاً على الطاولة.
حرب باردة… وساخنة في آنٍ واحد
ما يجري بين طهران و"تل أبيب" اليوم هو حرب باردة متعددة الأوجه: سيبرانية، استخباراتية، واقتصادية. كل طرف يسعى إلى إنهاك الآخر دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
لكن الخطورة تكمن في أن هذه الحرب الباردة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة، سواء نتيجة خطأ استخباراتي أو ضربة استباقية محسوبة بشكل سيئ.
الأمر لا يقتصر على الطرفين فحسب. فكل تحرك عسكري في الخليج أو سورية أو البحر الأحمر يحمل في طياته احتمال إشعال فتيل مواجهة إقليمية أوسع، قد تتداخل فيها أطراف عربية وغربية على حد سواء.
العين الأميركية والظلّ الروسي
الولايات المتحدة تجد نفسها مجدداً في موقع الحَكَم المرهق. فهي تدرك أن أي حرب جديدة بين "إسرائيل" وإيران قد تجرّ المنطقة إلى فوضى تهدد المصالح الأميركية والغربية. لذلك تواصل الضغط خلف الكواليس لضبط إيقاع التوتر ومنع الانفجار.
لكن من الواضح جداً السيطرة المطلقة للوبي الصهيوني ومنظمة "الإيباك" (AIPAC) على قرارات الإدارة الأميركية بحيث تسعى لجرها لحرب مع إيران حتى لو كان ذلك ليس لمصلحة أميركا .
لكن في الجهة المقابلة، تزداد طهران تقارباً مع موسكو وبكين، وتستخدم هذا التحالف الثلاثي كورقة ضغط على واشنطن و"تل أبيب". هذه المعادلة الجديدة تجعل أي صدام مستقبلي أكثر تعقيداً وأقل قابلية للسيطرة.
الخلاصة: ما بعد الاثني عشر يوماً ليس سلاماً.
في ضوء كل هذه المعطيات، يمكن القول إن "الشرق الأوسط" يعيش مرحلة ما بعد الحرب لا ما بعد السلام. فالمعركة لم تنتهِ، بل تغيّر شكلها فقط. الساحات قد تهدأ مؤقتاً، لكن لغة النار لا تزال حاضرة في التصريحات والمناورات، وفي عقل كل طرف يرى في الآخر تهديداً وجودياً.
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة. فإما أن تنجح الوساطات الدولية في تثبيت خطوط الهدنة، أو أن تعود المنطقة لتشتعل مجدداً بجولة قد تكون بلا شك أوسع وأخطر بحيث إنها ستصبح إقليمية تشترك فيها عدة دول، و لا يمكن من بعدها توقع ارتداداتها ونتائجها.