لبنان

في ظلّ غياب الدولة اللبنانية عن مسؤولياتها تجاه المناطق المحرومة، تبرز مبادرات خاصة تسعى إلى سدّ هذا الفراغ، وتقديم نموذجٍ مختلف للتنمية التي تنطلق من حاجات الناس وهمومهم اليومية.
وفي هذا الإطار، شهدت منطقة الميرادور في المنية شمال لبنان افتتاح مشروع ثقافي وتنموي بمشاركة السفير الأسترالي في لبنان، يُعدّ من المشاريع البارزة التي تجمع بين البعد الثقافي والاقتصادي والإنساني في آنٍ واحد.
المشروع الذي أطلقه رجل الأعمال اللبناني المغترب أحمد علم الدين، المعروف بلقب "الدوري" ورئيس مجلس إدارة شركة الميرادور، يهدف إلى خلق بيئة تنموية متكاملة تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وفتح مجالات عمل جديدة للشباب في المنطقة.
ويتضمن المشروع إنشاء مركز ثقافي أسترالي لبناني لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين البلدين، وفتح مساحة لقاء وتفاعل بين الجاليتين اللبنانية والأسترالية، بما يسهم في بناء جسور تفاهمٍ وانفتاحٍ حقيقي.
كما شمل الافتتاح مكاتب للجمعية الإسلامية اللبنانية، التي أثبتت خلال السنوات الماضية حضورها في العمل الخيري والتربوي والصحي، وخصوصًا خلال العدوان "الإسرائيلي" على الجنوب، حيث كانت الجمعيات الأسترالية بالتعاون مع الهيئات الأهلية من أوائل من لبّى نداء الإغاثة للنازحين ودعم صمود الأهالي من خلال مطابخ متنقلة عملت على إعداد وتوزيع الوجبات على الوافدين إلى المنطقة ومراكز استضافتهم في المنية والجوار.
وتسعى الجمعية اليوم من خلال هذا المشروع إلى إعداد دراسات لمشاريع إنتاجية تخلق فرص عمل مستدامة، وتحوّل المساعدات من ظرفية إلى تنموية.
أما على الصعيد الاجتماعي، فقد تمّ تشييد مسجد وملحقاته ضمن المشروع، لخدمة نحو تسعمئة عاملٍ في الموقع من مختلف الاختصاصات، ما يعكس التكامل بين الجانب الروحي والعملي في الحياة اليومية.
ويقدّر أن يؤمن المشروع فرص عملٍ لنحو ألفي شاب وشابة، في خطوةٍ تعتبر متنفسًا حقيقيًا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد.
وحضر حفل الافتتاح مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، ومفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، إلى جانب عدد من العلماء والفعاليات السياسية والاجتماعية، مؤكدين أهمية هذه المشاريع في دعم صمود الناس وتعزيز فرص التنمية المتوازنة في المناطق الشمالية.
وفي وقتٍ يغيب فيه الحضور الرسمي عن المشاريع التنموية في الأطراف، تأتي هذه المبادرات لتذكّر بأن التنمية لا تحتاج دائمًا إلى قراراتٍ مركزية، بل إلى إرادة وجهدٍ صادقين يُعيدان الحياة إلى المناطق المحرومة.