خاص العهد
انطلقت، الجمعة 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025، في مجمع سيّد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت، فعاليات معرض "سوق أرضي" للمونة والمنتوجات الزراعية والحرفية، بمشاركة واسعة من العارضين والحرفيين والمنتجين المحليين من مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيّما من الجنوب والبقاع.
ويأتي المعرض بعد عامين من الانقطاع بسبب الحرب، ليشكّل محطة اقتصادية وتنموية واجتماعية مهمّة في وجه التحديات التي يعيشها اللبنانيون، وخصوصًا أبناء المناطق المتضرّرة من العدوان.
الوزير حيدر: إرادة الحياة في وجه الحرب الاقتصادية
وزير العمل الدكتور محمد حيدر، رغم انشغالاته، كان له زيارة للمعرض للمشاركة في فعاليات اليوم الأول. حيدر أكد لموقع العهد أنّ "إقامة معرض "سوق أرضي" في هذه المرحلة تعبّر عن إرادة الحياة والصمود لدى اللبنانيين، وخصوصًا أبناء المناطق التي صمدت في وجه العدوان.
وأضاف حيدر، أنّ "هذا المعرض لا يقتصر على عرض منتجات غذائية أو حرفية، بل هو فرصة عمل لمئات العائلات التي تصنع بيديها قوتها"، مشدّدًا على أنّ "العمل اللائق والمنتج هو أحد أشكال المقاومة في وجه الحرب الاقتصادية التي تُشنّ على بلدنا".
وتابع حيدر قائلاً: إنّ "وزارة العمل تواكب مثل هذه المبادرات؛ لأنها تخلق فرصًا حقيقية في الاقتصاد المحلي، وتعزز روح الاعتماد على الذات في القرى والبلدات"، معتبرًا أنّ "نجاح العارضين رغم الظروف الصعبة يثبت أنّ اللبناني حين تتوفر له بيئة آمنة وداعمة، يبدع ويصمد".
زعيتر: التحدي الاقتصادي والاجتماعي في وجه العدوان
بدوره، أكّد مدير المعرض؛ الدكتور علي زعيتر، أنّ إقامة المعرض في هذه الظروف "بحدّ ذاتها إنجاز وتحدٍّ كبير للعدو الصهيوني"، موضحًا أنّ "نحو 50% من العارضين هم من مناطق الجنوب، لا سيما من الحافة الأمامية وجنوب الليطاني"، ما يجعل المعرض "تحديًا تنمويًا واقتصاديًا واجتماعيًا في مقابل العدوّ الذي يريد تدمير الأرض وإهلاك الحرث والنسل".
وأضاف زعيتر، أنّ حضور العارضين من الجنوب والبقاع يشكّلون "نحو 80% من إجمالي المشاركين"، ما يعكس عزيمة وصبرًا وثباتًا في وجه العدوان، معتبرًا أنّ "الإنتاج والبيع والتسويق والمشاركة في المعرض نوع من الجهاد المكمل للجهاد العسكري والأمني الذي خاضه المقاومون في معركة أولي البأس".
وعن حجم المشاركة هذا العام، أوضح زعيتر، أنّ "هناك زيادة تتراوح بين 15% و20% مقارنة بالأعوام السابقة؛ سواء على مستوى عدد العارضين أو حجم السلع المعروضة أو نوعيتها"، مشيدًا بـ "القيمة الإبداعية العالية وجودة المنتجات الغذائية والحرفية، خصوصًا في مجالات المونة مثل الصعتر والمكدوس والكشك والمربيات والعسل وغيرها".
وختم زعيتر بتوجيه التحية إلى موقع العهد الإخباري، مؤكدًا أنّ "هذا المعرض هو تحدٍّ جديد في وجه العدوان، ورسالة بأنّ بيئة المقاومة بيئة حيّة وصامدة ومجاهدة، كما وقفت مع المجاهدين في الحرب، ستقف معهم في السلم لبناء حياة كريمة وعادلة".
الخنسا: التنمية فعل مقاومة
كذلك، أوضح مدير عام مؤسسة جهاد البناء؛ الدكتور محمد الخنسا، أنّ "تنظيم معرض "سوق أرضي" هذا العام يؤكد مجددًا أنّ مسيرة التنمية والإنتاج في لبنان لا تتوقف مهما اشتدت الضغوط والحروب".
وقال الخنسا لموقع العهد: إنّ "مؤسسة جهاد البناء، من خلال رعايتها ودعمها لهذا المعرض، تسعى إلى تعزيز الاقتصاد المقاوم القائم على الإنتاج المحلي، وإتاحة الفرصة أمام العائلات المنتجة والحرفيين والمزارعين لتسويق منتجاتهم وتثبيتهم في أرضهم".
وأضاف أنّ "المعرض يشكّل منصة حقيقية لعرض ثمار الصمود في الجنوب والبقاع وكلّ المناطق اللبنانية، ورسالة واضحة بأنّ بيئة المقاومة حيّة وفاعلة، تبني كما تقاتل، وتزرع كما تصمد".
وختم الخنسا مؤكّدًا أنّ "إرادة الحياة عند شعبنا أقوى من العدوان، وأنّ ما نراه اليوم من إبداع وإنتاج محلي هو امتداد طبيعي لثقافة الجهاد والبناء التي تواجه الاحتلال والحرمان في آنٍ واحد".
تنوّع العارضين والمشاركين
وشهد المعرض مشاركة مئات العارضين من مختلف المناطق اللبنانية، من التعاونيات الزراعية، والجمعيات التنموية، والمبادرات الشبابية، إضافة إلى عدد من الحرفيين المستقلين وروّاد الأعمال الريفيين الذين قدّموا نماذج فريدة من الإنتاج المحلي الممزوج بالإبداع والخبرة.
وتوزعت الأجنحة على عشرات الأقسام التي عكست تنوع البيئة اللبنانية وغنى مواردها، فاجتمع في مكانٍ واحد عبق الجنوب بنكهة صعتره وزيته، وحلاوة البقاع بمربّياته وكشكه ودبس عنبه، ورونق الشمال بصنائعه الخشبية والمعدنية، وصولًا إلى إبداع جبل لبنان في الصناعات الغذائية المبتكرة والمشغولات الحرفية الحديثة.
وتنوّعت المعروضات بين منتجات المونة القروية التقليدية، مثل المكدوس والكشك والمربيات والصعتر والعسل ودبس العنب، والمنتجات الزراعية الطازجة من خضار وفواكه عضوية وأعشاب طبية وزيوت عطرية، إضافة إلى الصناعات الغذائية الحديثة القائمة على الابتكار وإضافة القيمة المحلية عبر التعبئة والتغليف الذكي والتسويق المباشر.
كما ضمّ المعرض قسمًا خاصًا للمونة البيئية والمنتجات العضوية الخالية من المواد الصناعية، ما يعكس وعيًا متزايدًا لدى المنتجين والمستهلكين بأهمية الزراعة النظيفة والأكل الصحي.
أما أجنحة الحرفيين والفنانين الشعبيين فقد أضفت لمسة تراثية مميزة على أروقة المعرض؛ إذ عرض المشاركون مشغولات فنية من الخشب والنحاس والفخار والنسيج والصابون البلدي والموزاييك، جسدت هوية الريف اللبناني وذاكرته الثقافية.
وكان لافتًا حضور الحرفيين الشباب الذين دمجوا بين الأصالة والتجديد، مقدّمين تصاميم معاصرة بمواد محلية، فحوّلوا التراث إلى منتج قابل للتطوير والتصدير.
وبرز كذلك الحضور القوي للنساء العاملات في التعاونيات الريفية، حيث شكّلن نسبة كبيرة من المشاركين، وقدمْنَ منتجات عالية الجودة تعبّر عن دور المرأة في الصمود والإنتاج.
كثير من هؤلاء النساء خضن تجربة التصنيع المنزلي والتسويق المباشر لأول مرة، فكان المعرض بالنسبة إليهن منصة تمكين وفرصة اقتصادية تفتح أبواب الأمل والعمل.
وأشار الزائرون إلى تنظيم المعرض اللافت وتنوّع أقسامه وسهولة الوصول إلى المنتجين، في أجواء من التفاعل الاجتماعي والتبادل الثقافي.
ولفت العارضون إلى أن المشاركة في "سوق أرضي" تشكّل لهم نافذة تسويقية حقيقية، وفرصة لبناء علاقات مباشرة مع الجمهور، بعيدًا عن الوسطاء وتحديات السوق وارتفاع الأكلاف التشغيلية.
وبينما أكد عدد من المشاركين أنّ هذا المعرض "لا يقتصر على التبادل التجاري، بل هو ملتقى وطني جامع يربط أطراف لبنان بمسارٍ واحد من الإنتاج والعطاء"، رأى آخرون أنّ "السوق أصبح مساحة سنوية ينتظرها المزارعون والحرفيون لتجديد حضورهم وإثبات قدرتهم على الإنتاج رغم كلّ الأزمات".
وأجمع الحاضرون على أن هذه المساحة الإنتاجية "تؤكد أن بيئة المقاومة قادرة على تحويل الصبر إلى عمل، والجراح إلى طاقة إنتاجية"، معتبرين أن "نجاح المعرض في ظلّ الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة هو برهان حيّ على إرادة الحياة والإبداع لدى اللبنانيين الذين يواصلون بناء مستقبلهم بأيديهم".