لبنان
أكد وزير الصحة العامة الدكتور ركان ناصر الدين، أن "الوصفة الوطنية الحقيقية لا تحتاج إلى ذكاء اصطناعي، بل إلى وحدة وطنية وتكاتف خلف الجيش والمؤسسات في مواجهة المخاطر والاعتداءات".
موقف الوزير ناصر الدين جاء في كلمة له خلال رعايته مؤتمرًا علميًا عالميًا، نظمته الجامعة الإسلامية في لبنان، في مركز أنسنة الابتكار في الذكاء الاصطناعي، في بلدة الوردانية، الخميس 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بعنوان: "الذكاء الاصطناعي والإنسانية لابتكار الغد"، بالتعاون مع معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، ونقابة المهندسين في لبنان، وبمشاركة باحثين عالميين من فرنسا وإسبانيا ومن جامعات وشركات لبنانية مختلفة.
ويعتبر المؤتمر حدثًا فكريًا وعلميًا هدفه فتح نقاش عميق حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، والانتقال من الابتكار بوصفه تقدمًا تقنيًا، إلى الابتكار بوصفه قيمة إنسانية أولًا ومشروعًا حضاريًا مستدامًا.
وشكّل هذا الحدث نقطة انطلاق رسمية نحو تأسيس مركز الإنسان للابتكار في الذكاء الاصطناعي، وهي مبادرة بحثية – تنموية تحمل رؤية واسعة لا تقتصر على لبنان، بل تمتد إلى العالم العربي والعالم، بهدف بناء نموذج جديد للابتكار يرتكز على الأخلاق، الإنسان، والمسؤولية قبل التقنية.
وأعرب الوزير ناصر الدين، عن سعادته بالمشاركة في "هذا الحدث الوطني الذي يعكس إيمانًا بقدرة لبنان على تجاوز الأزمات من خلال التوجّه نحو الابتكار والتحول الرقمي"، وقال: "نوجّه الذكاء الاصطناعي إلى خدمة الإنسانية التي حوربت ولا تزال تحارب بعناوين علمية لغايات غير إنسانية. واجبنا ومسؤوليتنا أن نضع علومنا وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان، وكان لهذه الرؤية ثمارها اليوم من خلال هذا الإطلاق الأكاديمي المميز في الجامعة الإسلامية".
وشكر الوزير ناصر الدين الجامعة الإسلامية والمؤسسات الدولية المشاركة في تنظيم هذا الحدث، مؤكدًا "أن لبنان يختار طريق الابتكار واعتماد التكنولوجيا المسؤولة رغم كل التحديات".
وتابع: "رؤيتنا الوطنية تتوافق مع ما تعملون عليه اليوم، باعتبار الذكاء الاصطناعي ركيزة للابتكار والاستدامة وتقدم الإنسان. ويشرّفني أن أكون من أوائل أطباء الشرايين الذين عملوا في أبحاث الذكاء الاصطناعي".
وأكد الوزير ناصر الدين "أن الوصفة الوطنية الحقيقية لا تحتاج إلى ذكاء اصطناعي"، مضيفًا: "نحن بحاجة للوحدة الوطنية والتكاتف خلف جيشنا ومؤسساتنا في مواجهة المخاطر والاعتداءات.. أنتم أجيال المستقبل وصنّاع الأمل، ارفعوا راية الوطنية كما أرساها الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، ولا تدخلوا في زواريب السياسة الضيقة".
وفي إطار الحديث عن التحول الرقمي في القطاع الصحي، قال وزير الصحة: "نحن ماضون في تنفيذ إستراتيجية التحول الرقمي 2025 – 2030، والتي يرتكز الذكاء الاصطناعي على دور محوري فيها، خصوصًا في التنبؤ الصحي، وإدارة الأدوية، وتعزيز المراقبة، ودعم اتخاذ القرار المبني على البيانات، فالقرار دون بيانات يبقى أعمى".
وأشار إلى "أنّ الأخلاقيات والحوكمة وحماية الخصوصية هي ركن أساس في عمل الوزارة وتعاملها مع البيانات الصحية، وهنا يبرز الدور الأكاديمي الوطني للجامعة الإسلامية في إنتاج المعرفة المحلية وتدريب الطاقات وتعزيز قدرات الشباب للبحث".
وتخلل المؤتمر عرض "روبوت" تفاعلي قدمته رئيسة مركز "أنسنة الابتكار في الذكاء الاصطناعي" الدكتورة ردينة حمادي، عبر تواصل مباشر مع "روبوت" في خطوة رمزية تعكس جوهر الرسالة التي يقوم عليها المركز، وهي أن الذكاء الاصطناعي لا قيمة له ما لم يكن إنسانيًا ومحوره الإنسان، وأن الابتكار الحقيقي هو الابتكار الذي يضيف قيمة أخلاقية واجتماعية قبل أي تقدّم تقني.
وتطرقت الى الأهداف، والتي تكمن في دعم البحث العلمي التطبيقي في AI وإطلاق ورش عمل، مسابقات، وحاضنات مشاريع ناشئة، وبناء شراكات أكاديمية وصناعية محلية ودولية، وتعزيز الحوار القانوني والتنظيمي حول أخلاقيات التقنية، وتدريب جيل قادر على تطوير ذكاء اصطناعي يخدم الإنسان ويصنع أثرًا تنمويًا.
اللقيس
وتحدث رئيس الجامعة البروفسور حسن اللقيس الذي أكّد "دور الجامعة في قيادة التحوّل العلمي نحو ذكاء اصطناعي مسؤول". وقال: "إنّ الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد مجال بحثي أو تقنية ناشئة، بل أصبح ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، ومحرّكًا للتنمية، ومكوّنًا رئيسًا في كل القطاعات: من الصحة والتعليم، إلى الهندسة والاقتصاد، مرورًا بالإعلام والفنون والحوكمة. ولأنّ الجامعة الإسلامية في لبنان تؤمن بدورها الوطني والإنساني، كان من الضروري أن نواكب هذا التحوّل العالمي عبر إنشاء هذا المركز الذي يمثّل منصة علمية وبحثية تجمع بين الإنسان والتكنولوجيا، وتحرص على أن يكون الذكاء الاصطناعي في خدمة المجتمع، لا العكس".
وأضاف: "إنّ إنشاء هذا المركز اليوم هو خطوة إستراتيجية تعبر عن رؤيتنا المستقبلية في الجامعة، ونؤكد عبرها أن الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا، بل ضرورة يجب أن نحسن توظيفها، وأن نستفيد منها إيجابيًا في كل المجالات الأكاديمية والإدارية والبحثية والتنموية. وفي عالم تتغير فيه المهن وتتبدل فيه المهارات بسرعة غير مسبوقة، نؤمن أن مسؤوليتنا كجامعة هي أن نعد طلابنا ليكونوا قادرين على قيادة هذا التغيير، لا مجرد متابعة نتائجه".
وشدد اللقيس على أهمية إدخال أسس الذكاء الاصطناعي ضمن البرامج الدراسية لجميع الاختصاصات في الجامعة، بحيث لا يبقى هذا العلم حصرًا على طلاب الهندسة أو التكنولوجيا، بل يصبح معرفة أساسية يتقنها كل طالب وكل خريج، مهما كان مجاله. وقال "نحن نعيش في عصر يحتاج فيه الطبيب إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، ويحتاج فيه المحامي إلى التحليل الذكي، والمهندس إلى النماذج التنبؤية". وأضاف "أنّ دمج هذه المهارات في المسار التعليمي سيكون خطوة محورية نحو تمكين خريجينا من مواكبة احتياجات سوق العمل، والإسهام في بناء اقتصاد رقمي متطور".
ودعا اللقيس جميع الأساتذة والباحثين والطلاب في الجامعة الإسلامية "للتعاون مع المركز، والانخراط في مشاريعه، والاستفادة من مرافقه وفرصه البحثية؛ لأنّ مستقبل الجامعات يصنعه التعاون والإبداع المشترك، لا الجهود الفردية". مؤكدًا "أنّ هذا المركز هو فضاء فكري وإنساني يؤمن بأنّ الذكاء الاصطناعي يجب أن يُدار بقيم، وأن يُستخدم بمسؤولية، وأن يكون أداة لتحسين حياة الإنسان وحماية كرامته. وهو يشجع على البحث الذي يجمع بين التقنية والأخلاق، بين الخوارزميات والإنسانية، وبين الطموح العلمي والواجب الأخلاقي تجاه المجتمع".