اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي مادورو لـ"أوبك": واشنطن تسعى للاستيلاء على نفط فنزويلا بالقوة

مقالات

سقوط الأقنعة: كيف تغيّرت نظرة العالم إلى
مقالات

سقوط الأقنعة: كيف تغيّرت نظرة العالم إلى "إسرائيل" وديمقراطيات الغرب؟

312

Former Lebanese government coordinator to UNIFIL .Former Director General of Administration . Former President of the Permanent Military Court

عميد متقاعد في الجيش اللبناني/ منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية 
ورئيس المحكمة العسكرية السابق  

على امتداد عقود، حافظت "إسرائيل" على صورة مصطنعة في الوعي الغربي والعالمي: “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، “الدولة التي تحترم القانون الدولي”، “الشريك الأخلاقي للغرب”. لكن أحداث ما بعد طوفان الأقصى، وما تلاه من حرب طاحنة على غزّة، كشفت هشاشة هذه الروايات، ووضعت العالم أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها: الأسطورة سقطت، والأقنعة تهاوت، والوعي الدولي تغيّر بعمق.

لم يعد بالإمكان اليوم الحديث عن "إسرائيل" ك"دولة ديمقراطية ذات قيم ليبرالية"، في وقت تتكشف فيه صور لمجازر جماعية، وانهيارات إنسانية غير مسبوقة، واستخدام مفرط للقوة، وانتهاك لحقوق المدنيين، وتحدٍّ للقانون الدولي الإنساني. وبالتوازي، لم تعد الديمقراطيات الغربية قادرة على إقناع الرأي العام العالمي بأنها حامية لحرية الإعلام أو حقوق الإنسان، بعدما ظهر تواطؤها الصريح مع العمليات العسكرية وتبريرها لسقوط آلاف الضحايا.

"إسرائيل" من ضحية دائمة إلى سلطة استعمارية مكشوفة

أول التحولات كان في النظرة إلى "إسرائيل" نفسها. إذ انتقل الخطاب العالمي من صورة “الدولة التي تدافع عن نفسها”، إلى صورة قوة عسكرية تستخدم كلّ إمكاناتها ضدّ شعب محاصر.

أبرز المعطيات التي أسهمت في هذا التحول:

١ -  فقدان الرواية الإعلامية
سيطرة "إسرائيل" لعقود على الرأي العام الغربي بدأت تتآكل مع القدرة الفريدة لوسائل التواصل في نقل الصورة من قلب الدمار.
لم يعد بالإمكان احتكار الحقيقة أو السيطرة على روايتها.

٢ -  اتساع الهوة بين الأفعال والقيم المُدَّعاة
الكيان الذي يتحدث عن “حق الدفاع” أصبح متهم باستخدام القوّة بلا حدود، وتجاهل قواعد الحرب، واستهداف بنى مدنية وصحية وتعليمية.

٣ -  اهتزاز صورة "إسرائيل" الإستراتيجية
عجزها عن تحقيق “نصر واضح” رغم التفوق العسكري، وامتداد الصراع إلى جبهات متعددة، كشف حدود قوتها وأضعف إحساس الخارج بتفوقها الأخلاقي والعسكري معًا.

الغرب… حين سقطت ورقة التوت

لم يكن التحول مقتصرًا على "إسرائيل" وحدها، بل طال أيضًا الأنظمة الغربية التي لطالما قدّمت نفسها كمرجع أخلاقي عالمي.
فقد كشفت الحرب عن ثلاثة متغيرات أساسية:

١ -  ازدواجية فاضحة في معايير حقوق الإنسان

في الوقت الذي أدانت فيه الحكومات الغربية دولًا أخرى على إجراءات أقل بكثير، تجنبت انتقاد "إسرائيل" أو حتّى الاعتراف بحجم الكارثة الإنسانية، رغم التوثيق الأممي المتدفق. وحرب أوكرانيا هي أحدث مثال على ذلك. 

٢ -  قمع حرية الإعلام والرأي

شهدت المؤسسات الغربية حملات تضييق غير مسبوقة:

صحفيون مُنعوا من التغطية.

محللون أوقفوا عن العمل.

جامعات فصلت طلابًا بسبب آرائهم.

شركات إعلامية فرضت رقابة مسبقة على مفردات التغطية.

تحوّل أبطال حرية التعبير إلى حراس بوابة يمنعون دخول الحقيقة.

٣ -  تسييس القانون الدولي

اُستُخدم القانون الدولي كأداة انتخابية أو اقتصادية، لا كمعيار عالمي. ففي حين تُفتح الملفات القضائية بسرعة ضدّ دول معيّنة، 
تُعلق أو تُفرمل كلّ محاولة لمحاسبة "إسرائيل" في المحاكم الدولية، رغم التقارير الأممية الواضحة.

الإعلام الغربي… من سلطة رقابية إلى سلطة تبريرية

أحد أهم التحولات كان في موقع الإعلام الغربي:

بدل مساءلة السلطة، أصبح يبرر أفعالها.

بدل كشف الحقيقة، أصبح يشارك في صياغة رواية رسمية.

بدل الدفاع عن الضحايا، أصبح ينكر وجودهم أو يشكك في أعدادهم.

هذا التحول لم يمرّ بلا تكلفة. إذ بدأ الجمهور الغربي نفسه يفقد ثقته في مؤسساته الإعلامية، وارتفعت نسب المتابعين للمصادر المستقلة والمنصات البديلة.

ولد وعي عالمي جديد

على الرغم من القمع، ظهرت موجة عالمية غير مسبوقة:

مظاهرات في العواصم الكبرى

تحركات طلابية واسعة

ضغط من اتحادات العمال والأطباء والمحامين

حملات مقاطعة اقتصادية وثقافية

انكشاف السردية الرسمية

تكوّن لأول مرة ضمير عالمي غير خاضع للرقابة الغربية، يقيّم الحق والباطل بناء على الوقائع لا على الانحيازات السياسية.

اللحظة الفاصلة: من يتحكم بالرواية مستقبلًا؟

أبرز ما أثبته الصراع الأخير هو أن:

الإعلام التقليدي لم يعد يتحكم بالحقيقة.

الحكومات الغربية لم تعد المتحدث الأخلاقي باسم العالم.

"إسرائيل" لم تعد قادرة على ترويج صورتها القديمة.

الشعوب لم تعد تقبل الرواية الجاهزة.

لقد بدأ العالم يرى ما كان مخفيًا لعقود:
نظام دولي يقوم على القوّة، لا على القيم، وغرب يطالب الآخرين بما لا يطبّقه على نفسه.

خاتمة: مرحلة ما بعد السقوط

إن التحول العميق في النظرة العالمية لـ"إسرائيل" والغرب ليس حدثًا عابرًا، بل هو بداية مرحلة جديدة تُعاد فيها صياغة:

العلاقة مع القانون الدولي

موقع الإعلام ودوره

مفهوم حقوق الإنسان

مكانة الغرب كمرجع أخلاقي

طبيعة الصراع في "الشرق الأوسط"
لقد سقطت الأقنعة، وظهر ما تحتها:
ديمقراطيات ضعيفة أمام نفوذ المصالح، وإعلام لا يصمد أمام ضغط السياسة، وقوانين دولية تُطبق بانتقائية واضحة.
لكن سقوط الأقنعة ليس نهاية الحكاية…إنه بدايتها.

الكلمات المفتاحية
مشاركة