رياضة
في خطوة أثارت عاصفة من علامات الاستفهام، وجد الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا نفسه في قلب سجال سياسي وإعلامي واسع، بعدما استحدث قبل أسابيع قليلة فقط جائزة جديدة بعنوان "السلام" ومنحها للرئيس الأميركي دونالد ترامب في ظروف يلفّها الكثير من الغموض، وفي وقت يدعم الأخير كيان الاحتلال في جرائم الإبادة التي يرتكبها في أكثر من مكان في العالم.
بين انتقادات صريحة صادرة عن أعضاء في الكونغرس الأميركي، وتساؤلات حول سبب نقل مراسم حفل نتائج قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 من لاس فيغاس، وعدم الالتزام بالتبديل المعلن مسبقًا، تتصاعد الشكوك حيال خلفيات هذه الجائزة التي لم تُقَرّ داخل مجلس الفيفا كما تقتضي الأصول.
الأغرب، أنّ الاتحاد الذي لم يسبق أن شارك في أي مسار ذي طابع سياسي، تجاهل الرد على الأسئلة المباشرة حول المعايير المعتمدة، ما فتح الباب واسعًا أمام قراءات تربط الخطوة بمحاولة "ترضية" بعدما أخفق ترامب في الحصول على جائزة نوبل للسلام حين حاول الحصول عليها بالقوة والاستجداء.
واليوم، تتعالى الأصوات الداعية إلى تحقيق داخلي يكشف حقيقية مسار القرار، في قضية باتت تعكس تداخل الرياضة بالسياسة على نحو غير مسبوق، وخاصة أن هذه الخطوة المريبة أتت بعد فترة وجيزة من قيام ترامب بتجميد طلبات الهجرة لـ 19 دولة ووصفه الصوماليين بـ "القمامة".
ويُرجّح مراقبون أن يكون الدافع وراء منح الجائزة سياسيًا بحتًا، خشية أن يُقدم ترامب على أي خطوات من شأنها أن تعرقل أو تشوش على فعاليات كأس العالم المقرر إقامتها الصيف المقبل.
في هذا السياق، قدّم مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية في واشنطن؛ الدكتور منذر سليمان، قراءة شاملة لأبعاد الجائزة التي منحها الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا للرئيس الأميركي، معتبرًا أنها خطوة "مُفصّلة على قياسه" ولا تمتّ بصلة إلى معايير الجوائز العالمية ولا إلى روح الرياضة.
يقول سليمان: إن "الجائزة اختُرعت خصيصًا من قبل رئيس الفيفا الذي تجمعه علاقة شخصية بترامب، بهدف تحقيق مكاسب سياسية متبادلة. فمن جهة، يسعى الاتحاد، بحسب سليمان، لضمان مواقف تُسهّل نجاح مباريات كأس العالم 2026 التي تستضيفها الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى تشكّل الجائزة محاولة لترضية ترامب بعد إخفاقه في نيل جائزة نوبل للسلام، رغم عدم امتلاكه أي سجل يدفع بهذا الاتّجاه".
ويشير إلى المفارقة الجوهرية في أن" قطاعًا رياضيًا يمنح جائزة "سلام" لرئيس كانت سياساته عنصرية وعدائية تجاه دول وشعوب عدة، وصولًا إلى دعمه المستمر للكيان "الإسرائيلي" خلال حرب الإبادة في غزّة". ويضيف أنّ "الغالبية الساحقة من جمهور كرة القدم عالميًا لا تتفق مع مواقف ترامب، بل تعتبره في موقع الخصومة مع قيم الرياضة والمساواة".
ويلفت سليمان إلى أنّ "ممارسات ترامب الخارجية، ولا سيما ضدّ فنزويلا، تُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي، مشيرًا إلى الحوادث الأخيرة التي استُهدفت فيها زوارق تحمل ناجين في البحر الكاريبي"، سائلًا: كيف يمكن تكريم شخص بهذه الخلفية على أنه داعية "سلام"؟".
ومن أبرز ما توقف عنده سليمان هو المشهد المرتبك خلال حفل التكريم، حيث وضع ترامب الميدالية بنفسه على صدره، في خرق واضح للبروتوكول، ما اعتبره سليمان "دليلًا إضافيًا على أنها صنيعته الشخصية، وليست جائزة ذات رمزية أو قيمة".
ويرى أنّ هذه الخطوة "تعكس سلوكًا مقلقًا داخل الفيفا، وبعيدًا تمامًا عن المزاج الشعبي الذي عبّر بوضوح، في الملاعب حول العالم، عن تضامنه مع غزّة ورفضه الحروب والتمييز".
ويقول سليمان: إن "منح ترامب هذا اللقب يتناقض مع حقيقة أنه يحظر دخول جماهير من دول معيّنة، خصوصًا العربية والإسلامية، إلى الولايات المتحدة لمتابعة مباريات فرقها، الأمر الذي يكشف طابعًا تمييزيًا يتعارض مع أي صفة "سلام"".
ويشدّد سليمان على أن "كرة القدم، بوصفها جزءًا من القوّة الناعمة عالميًا، يجب ألا تتحوّل إلى منصة لتلميع سياسيين، خصوصًا من يحمل سجلًا مليئًا بالعدائية والصراعات". ويضيف: "الاحتفالية قد تخدم ترامب انتخابيًا وإعلاميًا، لكنّها لن تغيّر من حقيقة موقف الجماهير العالمية منه".
واختتم مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية في واشنطن بالتأكيد على أن "الجائزة منفصلة عن الواقع، ومفروضة، ولن تكون قادرة على إعادة تشكيل صورة ترامب أو التأثير في الوعي الشعبي الذي بات أكثر إلمامًا بخلفيات هذه القرارات وأبعادها السياسية".