عربي ودولي
تونس - عبير قاسم
"الإعمار هو مقاومة وصمود ضدّ المحتل". هذا ما أكده طلبة هندسة تونسيون في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والإعمار بتونس خلال تقديم مشاريع أنجزوها لإعادة إعمار قطاع غزّة. وتمّ ذلك خلال الندوة العلمية التي عقدها مركز دراسات أرض فلسطين بتونس العاصمة تحت شعار "إستراتيجية الدمار الصهيونية وتحديات ومهام إعادة إعمار قطاع غزّة"، وذلك بمشاركة وإشراف الدكتورة هند قروي مديرة المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والإعمار بتونس. وأدارت الندوة المحامية التونسية وعضو هيئة الدفاع في المحكمة الشعبية الدولية سميحة الخلفي.
صراع وجود
د. عبد اللطيف عبيد، وزير التربية الأسبق، قال في مداخلته إن الإجرام الذي ارتكبه العدوان كان جسيمًا، إذ تجاوز عدد الضحايا سبعين ألفًا، وتجاوز عدد الجرحى مائتي ألف، ناهيك عن المفقودين. وقد طال العدوان جميع المؤسسات من مستشفيات، مدارس، ومساجد، وكنائس ومنازل، وقد كان ممنهجًا للقضاء على الفلسطينيين وهويتهم واقتلاعهم من أرضهم.
أضاف عبيد: "ما زلنا في مرحلة ما قبل إعمار غزّة وإطلاق النار لم يتوقف والعدوان ما يزال مستمرًا". وأكد ضرورة التمسك بمكونات الوحدة الفلسطينية منتهيًا إلى وجوب توفير مقومات البقاء من مأكل وملبس وماء صالح للشرب حتّى لا يفكر الفلسطيني في الهجرة أو المغادرة لأن صراع الوجود.
بدوره؛ الدكتور وائل الزريعي، الباحث والخبير في إدارة البيئة والمخاطر الكبرى قدم مداخلة، تحت عنوان: "إعادة هندسة الفضاء العمراني في مواجهة الإبادة"، وتعرض من خلالها إلى تعريف الفضاء العمراني الذي لا يختصر فقط في المنازل والمباني ومادياتها بل يتجاوزه إلى البعد المعنوي في علاقته بالإنسان وما يحمله معه من تاريخ وانتماء وشعور بالأمان. وقد كان العدوان الذي تعرضت له غزّة ممنهجًا بغية تدمير الفضاء العمراني بجميع أبعاده المادية والمعنوية".
وأكد الزريعي في تصريح لموقع "العهد الإخباري" أن "المهم اليوم هو العمل على كيفية المحافظة على الفضاء العمراني بغزّة من خلال رسم إستراتيجية طويلة الأمد باعتبارها شكلًا من أشكال المقاومة. فضلًا عن بعض التدابير العاجلة، وأهمها ضرورة وقف إطلاق النار، مع الضغط الدولي والدبلوماسي لإدخال المساعدات إلى قطاع غزّة مع إحداث ملاجئ آمنة في صورة تواصل العدوان".
وتابع قائلًا: "أشدد على أهمية إصدار مدوّنة البناء التي يجب أن تلتزم بها الأطراف المتداخلة في عملية الإعمار نظرًا لخصوصية هذه العملية ورمزيتها واعتبارها شكلًا من أشكال المقاومة".
إستراتيجية التدمير والإبادة
الدكتور جوزيف شكلا، منسق شبكة الحق في السكن والأرض، قدّم أيضًا مداخلة تحت عنوان: "إعادة الإعمار أم التعويض؟"، وقد تعرض من خلالها إلى أهمية دور منظمة شبكة الحق في السكن في إضفاء البعد الحقوقي على عملية الإعمار، مؤكدًا أنه منذ الحرب العالمية الثانية عُدّ نقل السكان جريمة حرب، وهي ضمن قائمة الجرائم المرتكبة، وهي تهدف إلى تدمير الحياة العادية للشعب الأصلي.
وتعرض شكلا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقرّ مبدأ جبر الضرر لضحايا جرائم نقل السكان. ورأى أن جبر الضرر لا يختزل في عملية التعويض فقط، بل يتجاوزه إلى خمسة بنود وهي الاسترداد والعودة وإعادة التأهيل وإعادة التوطين ثمّ التعويض".
من جهته قدم الدكتور عابد الزريعي، مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء، مداخلة تحت عنوان: "خصائص وسمات إستراتيجية التدمير والإبادة الصهيونية"، تعرّض من خلالها إلى خصوصية قطاع غزّة الذي دمر ثلاث مرات عبر التاريخ وهو يعيش صراعًا مستمرًّا عبر الزمن بين هندسة التعمير وهندسة التعمير".
وبيّن الدكتور عابد أن إستراتيجية التدمير التي تتعرض لها اليوم غزّة من طرف العدوان الصهيوني مختلفة تمامًا عمّا سبقها من عمليات تدمير. وبيّن أن الإيديولوجيا الصهيونية لا تعترف بالآخر وتعتبر إزالته أمرًا ضروريًا، فضلًا عن العامل الاستعماري الذي يستهدف المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتجمعات السكنية المحاذية لها ويعتبرها هدفًا مثلما وقع في السابق في مخيم جنين، معتمدًا على "آلية دع الجراح تتعفن".
الإعمار مقاومة ونضال
ورأى الزريعي أن إعادة الإعمار في سياق المقاومة هو مقاومة ونضال سياسي، فضلًا عن أنه نضال هندسي. واقترح ورقات عملية تتمثل أولًا في وجوب استمرار الملاحقة القضائية للكيان الصهيوني من أجل جرائم التدمير، وضرورة العمل على إيجاد مصادر تمويل بديلة للقيام بإعادة الإعمار، ثالثًا دعوة كليات الهندسة إلى التفكير ضمن شبكة علاقات لتقديم مشارع هندسية لإعمار غزّة. ودعا إلى ضرورة وجوب التفكير في إيجاد إعمار قطاعي كأن يساهم طلبة المدرسة الوطنية للهندسة في إعمار المدرسة الوطنية للهندسة في فلسطين.
مشاريع طلابية
المهندس التونسي أنس التركي، الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية قدم مداخلة تحت عنوان: "إعمار غزّة بين الذاكرة والإنجاز"، وقد تعرض من خلالها إلى أهمية دور الطالب في دعم ومساندة القضية الفلسطينية من خلال السعي لتحقيق التفاعل بين الشعر والمعمار وتجسيد الكلمات الشعرية في فضاء هندسي ومنجز معماري متّخذًا الشاعر محمود درويش نموذجًا.
وقدّم الطالب التونسي إياد مجدي المرسم بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية مشروعه الهندسي المتمثل في مكتبة عمومية في خان يونس كان الكيان الصهيوني قد دمرها بالكامل.
وعرضت الطالبة التونسية ياسمين خشارم المرسمة بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية مشروعها الهندسي المتمثل في مدرسة ابتدائية بحي الرمال بغزّة. وقالت إنها اختارت أن تعيد هندسة بنائها نظرًا لما لها من رمزية باعتبار أن المدرسة هي مصدر العلم والتعليم.
وقدّم الطالب التونسي رامز الزوالي المرسم بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية مشروعه الهندسي المتمثل في هندسة بناء مسجد الخالدي في جباليا وذلك لما لهذا المعلم التاريخي من رمزية وقدسية في غزّة.
بدوره قدّم الطالب التونسي ياسين خميري المرسم بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية مشروعه الهندسي المتمثل في هندسة بناء مبيت جامعي كائن بحي الزيتون بغزّة بعد أن تم تدميره بالكامل من طرف العدوّ الصهيوني. وقدّم المهندس التونسي إيهاب عبد الناجي المتخرج من المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية مشروعه الهندسي المتمثل عنوانه في هندسة الصمود من خلال تصميم مساكن طارئة في غزّة في صورة تواصل العدوان عليها.
