اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي جدل في الكيان الصهيوني حول قانون الإعفاء من الخدمة: سيفكك الجيش

مقالات

رهانات واشنطن لرسم حدود جديدة للبنان: احتواء المقاومة ومزيد من التنازلات
مقالات

رهانات واشنطن لرسم حدود جديدة للبنان: احتواء المقاومة ومزيد من التنازلات

61

إعلامي وباحث في الشأن السياسي

بعيدًا عن التهويلات المتواترة وسيمفونية التهديدات المعتادة ومعزوفات التابعين الإمّعة المراهنين على تغيير ما في "الشرق الأوسط" آتٍ على متن دبابة "إسرائيلية" يقودها بنيامين نتنياهو، تبدو الحكومة اللبنانية في غيبوبة تامة عمّا يجري تحضيره للبنان وسورية والمنطقة، هذا في أحسن الظن أو أنها بحكم قراءة الواقع من مواقف معلنة وخطوات متّخذة متواطئة حتّى النخاع في ما يجري أو أنها منساقة بلا حول ولا قوة ولا قرار في سياق المشروع الأميركي القديم - الجديد الرامي إلى تحويل المنطقة إلى واحة اقتصادية - مالية في إطار استكمال مخطّط النهب والسيطرة على مقدّرات الدول العربية، وتنصيب "إسرائيل" على رأس هرم "هولدينغ" تجاري يسير فيه العرب كالنعاج المستسلمة للذبح.

ارتكبت حكومة نواف سلام خطيئتها الأولى بقرار حصرية السلاح في 5 آب 2025 لتتبعها بسقطة تعيين سيمون كرم مندوبًا مدنيًا للبنان في لجنة "الميكانيزم" وفق تعبير الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم. وبقطع النظر عن ماهيّة الرجل وخلفياته السياسية المعروفة الاتّجاهات والمعادية للمقاومة، إلا أن العبرة في أدائه و"شطحاته" التي قد يقدم عليها داخل جدران الغرفة المغلقة لاجتماعات اللجنة، وهي حتّى الآن لا تبشّر بالخير تبعًا لما تسرّب عن لقاء مباشر أجراه مع المندوب "الإسرائيلي"، ولما عبّرت عنه المتحدثة باسم حكومة الاحتلال بقولها إن "اللقاء المباشر بين "إسرائيل" ولبنان جاء نتيجةً لجهود نتنياهو لتغيير وجه الشرق الأوسط ما يبشرّ بأن هناك فرصًا فريدة لتحقيق السلام مع جيراننا"، وفق ما نقلته وكالة "رويترز".

وعلى الرغم من "التطمينات" الرسمية حول محدودية دور المندوب كرم وصلاحياته في اللجنة، والتي جاءت بشكل مواقف متفرّقة وفق نصيحة أميركية بدلًا من أن تأتي في بيان رسمي لتقطع الشك باليقين، تحدثت مصادر العدوّ أن الاجتماع الأول للّجنة في الناقورة "شهد اتفاقًا على صياغة أفكار لتعزيز التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل"، فضلًا عن التأكيد على "إلزامية نزع سلاح حزب الله، ولا علاقة لذلك بتعزيز التعاون مع لبنان في القضايا الاقتصادية"! وفي هذا الإعلان إشارة أميركية - "إسرائيلية" واضحة إلى ما يتوجّب على الحكومة اللبنانية القيام به في الفترة المقبلة، بحيث تتجاوز وظيفة الجيش اللبناني حدود نزع السلاح جنوبي الليطاني باتّجاه تجريد المقاومة من سلاحها في كلّ لبنان كمقدّمة شرطية يتبعها إجراءات تطبيع سياسي واقتصادي، دون أن يرتبط نزع السلاح بخطة تحويل القرى الجنوبية المدمّرة إلى مشروع مالي - تجاري تستجيب لما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقراه الاقتصادية.

لا يهمّ نواف سلام الآن إلا تهدئة مخاوف الأميركيين و"الإسرائيليين" من عدم وجود مستودعات أسلحة للمقاومة في الجنوب وفق ما ذكره هو نفسه، وهو أبدى انفتاحه على أن تتحقق قوات أميركية وفرنسية من ذلك ميدانيًا إسهامًا في خفض التوتّر، وفي الوقت ذاته يشدّد على أن "أيّ مقاربة أمنية أو سياسية يجب أن تنطلق من احترام سيادة لبنان الكاملة على أراضيه"! فأي سيادة تستقيم مع التسليم الكامل للإملاءات الأميركية والانصياع للشروط "الإسرائيلية"!؟ وأي توتّر قد ينخفض مع إصرار الاحتلال على تصعيد عدوانه وإمعانه في مخطّط تفريغ القرى الجنوبية من سكانها دون أن تقوم الدولة اللبنانية بأي إجراء مقابل من شأنه طمأنة اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا!؟ إلا إذا كانت هذه الدولة قد أسقطت فعلًا انتماء الجنوب من الجغرافيا السياسية والإدارية والاقتصادية للبنان، وتمهّد بتغاضيها عن ممارسة سيادتها وعدم مواجهة العدوان "الإسرائيلي"  المستمر عليها لاتّخاذ قرار أخطر يشجّع نتنياهو على تكريس رسم حدود لبنان الجديدة، بحيث يضمّ جنوب الليطاني إلى المنطقة المنزوعة السلاح من جنوب دمشق إلى الأوّلي!.

قيل إن سياسة الضغط السياسي والعسكري التي مارستها واشنطن و"تل أبيب" على لبنان هي التي أفضت إلى إجبار الحكومة اللبنانية على تعيين مندوب مدني في لجنة "الميكانيزم"، ومن المرجّح أن يتواصل الضغط بالنار لاستدراج الحكومة لاتّخاذ مواقف وخطوات تنازلية أخرى، فلم يتوانَ العدوّ عن شنّ حملة غارات واسعة على امتداد لبنان وتحديد أهداف مدنية للقصف في بعض قرى الجنوب في اليوم نفسه الذي عقدت فيه اللجنة اجتماعها الأول وغالبًا بالتزامن مع اجتماع الحكومة في قصر بعبدا، فكيف للدبلوماسية والتنازل المتمادي والتوسّل للأميركي المغطّي للعدوان أن يوقف الاعتداءات ويستعيد الأرض ويحرّر الأسرى!؟ وكيف يمكن إلزام "إسرائيل" بوقف إرهابها وجرائمها بحق الشعب اللبناني في ظلّ القرار الأميركي بتوهين الدولة اللبنانية وجيشها ومؤسساتها وضرب اقتصادها وإسقاط هيبتها!؟ وأي سلاح يتحدث نواف سلام عن حصره بيد الدولة فيما تصرّ واشنطن على تفجير الأسلحة والذخائر المصادرة من المقاومة، وتمنع لبنان من بناء جيش قادر على مواجهة الأخطار الخارجية وتحصر وظيفته بقتل شعبه وفق اعتراف مبعوث ترامب وتاجر العقارات الوقح توم برّاك، وهو الذي وصف الدولة اللبنانية بأنها "فاشلة تمامًا"!؟

في سياق ما سبق، تنبّه مصادر متابعة إلى أن المرحلة المقبلة ستكون فائقة الحساسية بالنظر إلى ما يحاك للبنان وسورية على حد سواء، وترى أن الاتّجاه الغالب على التعاطي الأميركي في هذا الملف سينحو إلى أسلوب الاحتواء السياسي بالتوازي مع استمرار الضغط الناري من قبل العدوّ وفق الوتيرة المعتمدة حاليًا، فقد أدركت واشنطن و"تل أبيب" أن اعتماد الحل العسكري المباشر لتغيير الواقع الراهن لن يكون بالأمر السهل، وقد يؤدي إلى حصول تداعيات دراماتيكية وعواقب وخيمة ونتائج ليست بالحسبان، فعلى مدار 66 يومًا من الحرب الضروس على لبنان أحبطت المقاومة محاولات العدوّ ثبيت موطئ قدم له في الجنوب، ولم يفلح عام كامل من الاعتداءات بعد إعلان وقف إطلاق النار في تغيير المعادلة، ولذلك فقد تلجأ الإدارة الأميركية من خلال سفيرها الجديد في بيروت ميشال عيسى إلى مقاربة المسألة من باب الدعوة إلى حوار داخلي يضع سلاح المقاومة على طاولة البحث والتفاوض.

وفي هذا الإطار، تلفت المصادر إلى خطورة المنحى الذي يجري تكريسه بحيث يتركّز الحديث على السلاح وتصويره على أنه المشكلة التي تحول دون تحقيق الاستقرار الداخلي، والدفع باتّجاه إغفال مصطلح "المقاومة" وصولًا إلى إلغائه من القاموس الوطني، فالمقاومة في العرف القانوني والمواثيق الدولية المقرّة حق مكرّس لا نقاش فيه أو جدال، بخلاف السلاح الذي قد ينطوي تحته الكثير من التفسيرات والاجتهادات الملفّقة، وتأسيسًا على هذا المفهوم تأتي مواقف سماحة الشيخ نعيم قاسم الأخيرة والتي صوّبت البوصلة باتّجاه فهم أهداف الحملة على المقاومة بأنها تهدف إلى "إلغاء وجودنا وليس فقط نزع السلاح"، وحسمت مبدأ الدفاع عن الأهل والبلد والاستعداد للتضحية إلى أقصى الحدود، والأهم في هذا السياق تحذيره من أن "التماهي مع "إسرائيل" يعني ثقب السفينة وعندها سيغرق الجميع".

الكلمات المفتاحية
مشاركة