مقالات مختارة
وزارة الطاقة يعلوها الصَّدَأ.. والعتمة
تكبّد المقيمون 1.5 مليار دولار إضافية نتيجة خفض ساعات التغذية
فؤاد بزي - صحيفة الأخبار
يُسجّل لوزارة الطاقة والمياه نجاحها الباهر في تخفيف ساعات التغذية بالكهرباء واستجرار العتمة الشاملة إلى لبنان للمرة الثانية في أقل من 6 أشهر. عمليًا، هذا يعني نهاية الأساطير الثلاث التي رُوّج لها بأنّها "العصا السحرية" لحلّ كلّ مشاكل الكهرباء؛ أولًا، سقطت الدعاية التي ساقتها القوات اللبنانية لـ"السوبر وزير" القادر على تأمين الكهرباء 24/7. وثانيًا، انتهت الوعود التي حملها البيان الوزاري بمعالجة أزمة الكهرباء، إذ لا تعدو قيمتها أكثر من قيمة الحبر على الورق. وثالثًا، سقط التعويل على الهبات النفطية لتغطية حاجات مؤسسة كهرباء لبنان من الوقود لتوليد الطاقة.
فقد أدّى سوء التخطيط في وزارة الطاقة والمياه، إلى تجفيف خزانات الوقود في معامل توليد الكهرباء. ومعه، خفّضت مؤسّسة كهرباء لبنان ساعات التغذية بالتيار الكهربائي إلى حدّها الأدنى، حفاظًا على ما تبقّى من كميات من المحروقات خوفًا من الوقوع في العتمة الشاملة. وبحسب بيان صدر عن مؤسّسة الكهرباء أمس، فإن توريد الوقود يتم بواسطة وزارة الطاقة والمياه، وأن الوضع خارج عن إرادة ومسؤولية المؤسّسة التي اضطرّت إلى إيقاف عدد من مجموعات التوليد من أجل "إطالة فترة الإنتاج قدر المستطاع، والمحافظة على التغذية للمرافق الحيويّة الأساسيّة".
مشهد الجفاف هذا وما تبعه من انقطاع عام في التيار الكهربائي، لم يكن كلّ ذلك ليقع لولا السلوك الشعبوي لوزير الطاقة والمياه جو صدّي الذي أوقف العمل بواحد من العقدين الموقّعين مع الدولة العراقية في حقبة الوزير السابق وليد فيّاض، وهو عقد مبادلة مادة "الفيول أويل ذات التركيز العالي بالكبريت HSFO" بمادة "الغاز أويل" اللازمة لتشغيل معملَي الزهراني ودير عمار، في ما أبقى العقد الثاني الذي ينيط بمؤسسة كهرباء لبنان شراء مادة النفط الخام من العراق ومبادلته بما تحتاج إليه من وقود.
بنتيجة إيقاف العقد الأول، جفّ مخزون مؤسسة كهرباء لبنان من مادة "الغاز أويل" الذي جُمع في فترة الوزير السابق وليد فيّاض. فالعقد الأخير، والذي جُدّد في كانون الثاني من عام 2025 كان يؤمّن توريد مليونَي طن من مادة "الفيول أويل" سنويًا، أي نحو 166 ألف طن شهريًا تتم مبادلتها بنحو 100 ألف طن من مادة "الغاز أويل" التي تحتاج إليها مجموعات التوليد في معملَي الزهراني ودير عمار.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن هذه الكميات كانت قادرة على تشغيل المعامل بقدرتها الكاملة لإنتاج 750 ميغاواط من الكهرباء وضخّها على الشبكة وتأمين تغذية بالتيار الكهربائي تراوح بين 8 ساعات يوميًا و10 ساعات. وبسبب إيقاف العقد لم يستفد لبنان سوى من 375 ألف طن من الفيول، ما أدّى تلقائيًا إلى خفض ساعات التغذية بالكهرباء منذ بداية حقبة الوزير جو صدّي من 8 ساعات يوميًا إلى 4 ساعات فقط. وبحسب نقاشات لجنة المال والموازنة، فإن سلوك صدّي يكبّد المقيمين في لبنان 1.5 مليار دولار إضافية يصبّ القسم الأكبر منها في جيوب أصحاب المولّدات على شكل أرباح.
وقد جاء إيقاف العمل بالعقد العراقي الأول بحجّة "عدم تسجيل ديون جديدة على الدولة"، بالتشاور والتعاون بين وزير الطاقة جو الصدّي ووزير المال ياسين جابر، ما أوقف العمل بالعقد العراقي الأول، أي عقد مبادلة مادة "الفيول أويل ذات التركيز العالي بالكبريت HSFO" بمادة "الغاز أويل". وبدأت السلطة بممارسة ما تجيد القيام به: "التسوّل". فتّشت قوى السلطة وعلى رأسها رئيس الحكومة نواف سلام بالتعاون مع الوزير صدّي، عن دول تعطيها الوقود اللازم لتشغيل معامل الكهرباء مجانًا. إلا أنّ محاولات "الشحادة" لم تنجح مع الدولة القطرية، ونجحت جزئيًا مع دولة الكويت التي قدّمت في آب الماضي 66 ألف طن من مادة "الغاز أويل" على شكل هبة للدولة. ومنذ ذلك الوقت لم تأت أيّ شحنة من الوقود على شكل هبة للدولة.
غاب عن بال الدولة أنّ "الهبات ليست مستدامة". وفي المحصّلة أدخلت وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة كهرباء لبنان في حلقة مفرغة، وأوقفت "استدامة الوقود" التي خلقها الوزير السابق وليد فيّاض، وكسرت أضلاع المثلّث المؤلّف من: فيول، كهرباء وأموال. وكان هذا المثلث قادرًا على تأمين إيرادات وأرباح لمؤسسة الكهرباء، بشرط أن يُزاد عدد ساعات التغذية بالتيار لبيع المزيد من الكهرباء على الشطور العُليا. أما الآن، وبسبب تخفيف كميات الوقود المتاحة للاستخدام، فأصبح إنتاج الكهرباء أقل، ما يعني انخفاضًا في حجم الأموال الواردة من الجباية.
ويبلغ متوسط كلفة استهلاك كلّ كيلوواط ساعة من الكهرباء وفقًا لساعات التغذية المنخفضة نحو 14 سنتًا، أي إنها لم تصل إلى 27 سنتًا، وهو المستوى الذي يسمح لمؤسسة كهرباء لبنان باسترداد الكلفة وفوقها أرباح (ومع ذلك يبقى هذا السعر أقل من سعر المولّدات الذي يتجاوز 35 سنتًا). وطالما ستبقى ساعات التغذية قليلة على حالها، لن يصرف المستهلك كميات كبيرة من الكهرباء تزيد من هامش ربح المؤسسة.
ويُذكر هنا أنّ مؤسسة كهرباء لبنان تنتج الطاقة وبشكل شبه تام جرّاء عقود مبادلة "الفيول أويل" العراقي منذ أيلول عام 2021. وبحسب أرقام رسمية، بلغت كميات الوقود المورّدة من الدولة العراقية والمستخدمة في المبادلة للحصول على مادة "الغاز أويل" 5.5 ملايين طن، قيمتها الإجمالية نحو 1.78 مليار دولار، لم يدفع لبنان منها حتّى الآن سوى نحو 640 مليون دولار غالبيتها "لولار". بمعنى آخر، دفعت الحكومة اللبنانية للدولة العراقية ثمن العقد الأول المُقدّر بـ531 مليون دولار، 118 مليون دولار من العقد الثاني الذي تبلغ قيمته الإجمالية 460 مليون دولار.
الدولة لا تدفع
تشير مصادر "الأخبار" في مؤسّسة كهرباء لبنان إلى أنّ "دوائر الدولة هي المستهلك الأكبر للطاقة في لبنان". لكن منذ بداية عام 2025 لم تسدّد الحكومة فواتيرها المستحقّة من الكهرباء للمؤسسة، والتي تقدّر المصادر بأنّ قيمتها تصل إلى 15 3 مليون دولار، كما لم تسدّد فواتير الكهرباء عن الأشهر الستة الأخيرة من عام 2023، ولا عن عام 2024. ويُذكر أنّ آخر تحويل أجرته الحكومة لتسديد فواتير استهلاكها من الطاقة لمؤسّسة كهرباء لبنان كان بموجب المرسوم 12816، الصادر في كانون الأول من عام 2023. حينها حُوّل مبلغ 6 آلاف و850 مليار ليرة، أي 76.5 ملايين دولار، وهو مجموع فواتير الكهرباء المستحقّة على الحكومة، لصالح حساب الحكومة العراقية في مصرف لبنان لتسديد جزء من ثمن الفيول العراقي.