اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي متصفح "ديسكو": ثورة غوغل الجديدة لإنشاء "تطبيقات مصغرة" استجابةً لطلباتك

لبنان

لبنان

نساء يستلهمْن من الزهراء (ع) رسالة العطاء 

64

مراسل العهد/ البقاع الغربي 

في مجتمعٍ تتقدّم فيه المرأة بخطى ثابتة نحو ميادين المعرفة والعمل والخدمة، يبرز حضور فاعل لنساء رساليات يستلهمن من سيدة الطهر فاطمة الزهراء (ع) قيمة العطاء، وعمق الصبر، وسموّ الرسالة.

نضيئ في هذا التحقيق على نماذج نسائية عاملة في التمريض والطب والنشاط الاجتماعي، جمعتهن روح واحدة: تحويل القدوة الفاطمية إلى ممارسة حيّة تنعكس في خدمة الناس، وتربية الأجيال، وصناعة الوعي في وجه كل التحدّيات.

الممرّضة ولاء كريم: التمريض رسالة

برقّةٍ ممزوجة بالقوة، تتحدث الممرّضة ولاء كريم، الأم لثلاثة أطفال والعاملة في "مستشفى البقاع الغربي"، إلى موقع "العهد"، عن عملها بوصفه امتدادًا لنهج السيدة الزهراء (ع).

فبالنسبة إليها، "التمريض ليس وظيفة، بل عبادة يومية تمارسها بروح رسالية، كل خطوة في عملها نية خالصة، وكل كلمة لطف صدقة، وكل صبر نور من صبر الزهراء".

ترى ولاء في رحمتها بالمريض "صدىً لرحمة الزهراء (ع) بأمّة جدّها النبي محمد (ص)"، وفي قدرتها على الاحتمال "استلهامًا من صبرها في الشدائد". أمّا حضورها في بيتها بصفتها زوجة وأمًّا، فـ"ليس منفصلًا عن رسالتها"، بل تعتبر أنّ "المرأة الفاطمية تكون حيث تكون الحاجة: في المستشفى، وفي قلب المنزل، وفي تربية الأطفال على القيم ومحبة النبي وآله (ص)".

تشير ولاء إلى أنّ "تأثير الزهراء (ع) واضح في مجتمعنا من خلال الصبر، والعطاء بصمت، والموقف الحق، وتربية الأجيال، والعفة". فالمرأة المؤمنة، في رأيها، "تحمل اليوم شعلة من نور الزهراء (ع) تحفظ بها مجتمعها رغم كل التحدّيات".

الطبيبة هبة مرعي: العناية بالناس امتدادٌ للرحمة الفاطمية

في السياق نفسه، تبرز تجربة الدكتورة هبة مرعي، المتخصّصة في العناية الفائقة والأمراض الصدرية، والتي تعتقد بأنّ "مهنة الطب تقوم في جوهرها على القيم التي تجسّدها السيدة الزهراء (ع): الرحمة، التواضع، خدمة الناس، والصبر على مسؤوليات المهنة".

وتبيّن الدكتورة مرعي لـ"العهد" أنّ تعاملها مع المرضى هو "امتداد لصورة الزهراء (ع) في قلبها: سعيٌ إلى التخفيف عن المريض، وإحاطةٌ للضعفاء بلطف يعيد إليهم شيئًا من الطمأنينة وسط قسوة المرض".

وبرأيها، "لا يلغي العمل الطبي دور المرأة في أسرتها، بل يعمّقه ويعزّز قدرتها على التوازن بين بيتها ومهنتها، مستعينةً في ذلك بقيم الصبر والإيثار وتنظيم الوقت".

كما ترى أنّ "حضور الزهراء (ع) اليوم ليس تاريخيًّا، بل هو تأثير يوميّ يتجلّى في التربية الأخلاقية، وفي الأدوار الاجتماعية القائمة على العطاء بلا مقابل، وفي القدرة على تحويل الألم إلى قوة تضيء الطريق للفرد والمجتمع".

زهراء قبيسي: حضور يستلهم مدرسة الزهراء (ع) 

لم تكن تجربة الناشطة زهراء قبيسي وليدة لحظة عابرة أو ظرف طارئ، بل جاءت "نتيجةَ مسار طويل من التكوين الوجداني والفكري"، بحسب قولها، بدأ منذ طفولتها حين كانت تستمع للحكايات التي يرويها والدها عن رموز مضيئة في تاريخ الأمة. ومن بين تلك الشخصيات، برزت السيدة فاطمة الزهراء (ع) كما لو أنها حكاية تتكرر، وقدوة تُطْبَع في ذهن طفلة سرعان ما ستكبر لتدرك أنّ تلك القصص لم تكن مجرّد سردٍ جميل، بل تأسيس لوعي عميق سيلازمها طوال حياتها.

وبمرور السنوات، بدأت تلك الصورة الأولى للزهراء (ع) تتحوّل من "أميرة القصص" إلى منهج عملي في السلوك والعمل العام. فالقيم التي عُرفت بها السيدة الزهراء (ع)، كالتقوى، العفّة، الالتزام، الثبات، وحمل رسالة الحق، أصبحت بالنسبة إلى قبيسي "بوصلة تحدّد خياراتها، سواء في نشاطها الميداني أو الإعلامي أو التطوعي".

تقول زهراء لـ"العهد": "إنّ أول ما حاولت أن تتشبّه به هو التهذيب الداخلي: العمل على الذات، محاسبتها، تقويمها، ورفض الوقوف عند الأخطاء بل تحويلها إلى مساحة للنمو الروحي. ثم جاء الجانب الآخر: اللباس الذي يحمل دلالة العفة والانتماء القيمي"، فكان جزءًا من رحلة الوعي التي تستوحي روحها من السيدة الزهراء (ع).

وتشير زهراء إلى أنّ "هذا الاقتداء لم يكن يومًا شعارًا نظريًا، بل ممارسة ممتدة في الحياة اليومية"، فـ"السيدة الزهراء (ع) حاضرة في خدمة مجتمعها ونساء المدينة"، تؤكّد زهراء. كذلك، تشدّد على أنّ "المعرفة الدينية ضرورة لكل امرأة فاعلة".

"تثقيف المرأة أساس لبناء الوعي الجماعي"

وتضيف: "حَرِصْتُ على متابعة دراستي الشرعية كلما سنحت الفرصة. تثقيف المرأة هو باب أساس لبناء الوعي الجماعي".

ومع تطوّر حضورها في الشأن العام، وتحديدًا خلال السنوات الصعبة التي مرّ بها لبنان من احتجاجات، وأزمات اقتصادية، وضغط أمني، وصولًا إلى الحرب الأخيرة، برز اسمها من جديد، لا بوصفها فردًا يبحث عن دور، بل بوصفها جزءًا من منظومة نسائية واسعة أثبتت أنّ المرأة قادرة على أنْ تكون في الصفوف الأمامية، تمامًا كما كانت السيدة الزهراء (ع) في قلب معركة الدفاع عن القيم والولاية.

تؤكّد زهراء أنّ "كل حضور إعلامي أو موقف عام كانت تخوضه لم يكن هدفه الظهور، بل الانطلاق من مبدأ: "نحن ننصر الحق حيثما كان، وبما نملك""، وهي قيمة تلفت الانتباه إلى أنّها "مستمدَّة من مدرسة الزهراء (ع) التي لم تكتفِ بالكلمة، بل جمعت بين الموقف والعمل".

وفي مواجهة التحدّيات، سواء كانت اجتماعية، معنوية، أو مرتبطة بضغوط الحرب، تقول زهراء: إنّ "ما كان يمنحها الثبات هو الشعور العميق بأنّ المرأة قادرة على أنْ تكون سندًا لمجتمعها، كما كانت الزهراء سندًا لأهل زمانها". فحضورها في "الدفاع المدني"، أو في المبادرات الاجتماعية، أو في العمل الإعلامي خلال اللحظات الحرجة، كان ترجمة لهذه القناعة.

تعتبر أنّ "دور المرأة لا يتحقّق فقط عبر الخطاب، بل عبر تحويل القيم إلى ممارسات ملموسة: دعم الناس، المشاركة في المبادرات، تلبية حاجات الفئات المتضرّرة، والتخفيف عنهم. وهذا ما تعتبره امتدادًا طبيعيًا لنموذج السيدة الزهراء (ع) في خدمة مجتمعها".  

وتتوقّف عند نقطة جوهرية، هي أنّ "الاقتداء الحقيقي بالسيدة الزهراء (ع) لا يكون فقط حين نرفع اسمها، بل حين نحمل همّ الناس، ونقف الموقف الصحيح، ونسعى إلى مساندة الضعفاء، ونبذل الجهد في كل ساحة تحتاج إلى من يقف فيها". لذلك، كان حضورها التطوّعي في الأزمات الصحية، والاقتصادية، والبيئية، جزءًا من هذا الفهم للرسالة.

وفي مفهومها، "الاقتداء بالسيدة الزهراء (ع) هو التزامٌ يوميٌّ بأنْ يكون الإنسان حيث تقتضيه المسؤولية، وحيث يكون الحقّ حاضرًا". فهكذا، تتحوّل نصرة الوليّ إلى منهج حياة تُقدّمه قبيسي بفعلها وبقناعتها وكل ما تملك.

لقد أصبحت تجربتها التي جمعت بين العمل الميداني، والتوعية، والإعلام، مثالًا على أنّ المرأة الرسالية ليست حبيسة إطار واحد. هي في الساحة حين تحتاج الساحة إليها، وفي الرعاية حين يحتاج المجتمع إلى دفئها، وفي الثقافة حين يحتاج الوعي إلى من يحمله. وذلك تمامًا على خطى السيدة الزهراء (ع) التي جمعت بين البيت والرسالة، بين الأمومة والحضور الاجتماعي، بين المعرفة والدفاع عن القيم.

وتختم زهراء حديثها إلى موقع "العهد" بالتأكيد على أنّ "المرأة اليوم، في لبنان والمنطقة، أثبتت أنّها قادرة على أنْ تكون عنصرًا أساسًا في صناعة الوعي والموقف"، وأنّ "حضورها الفاعل ليس استثناءً، بل عودة إلى الأصل، إلى ذلك النموذج الأول الذي تركته السيدة الزهراء (ع) لنا نورًا ونهجًا، وفتح الباب أمام المرأة لتكون ركنًا أساسًا في نهضة المجتمع".

ولاء وزهراء وهبة، ثلاثة من النماذج المشرّفة الكثيرة التي تزهر في مجتمع المقاومة وبيئتها، ليتجلّى بوضوح أنّ المرأة الرسالية ليست فكرة مجرّدة، بل صورة حيّة تستحضر قيم السيدة الزهراء (ع) في مهنة، أو موقف، أو خدمة، أو دمعة صادقة.

إنّها المرأة التي تصنع الوعي وتشارك في نهضة مجتمعها، وتبقى في كل أدوارها أُمًّا كانت أم عاملة، طبيبة أو ممرضة، ناشطة أو تربوية، امتدادًا لنورٍ بدأ من بيت النبوّة ولا يزال يشعّ في قلوب النساء اللواتي يحملن الرسالة بوعي واقتدار.

الكلمات المفتاحية
مشاركة