إيران
اهتمّت الصحف الإيرانية، اليوم الخميس (18 كانون الأول/ديسمبر 2025)، بقراءة معمّقة للتطورات الدولية وانعكاساتها على المستويين الإقليمي والمحلي، متوقفةً عند مؤشرات التصعيد بين الولايات المتحدة وفنزويلا والصين، مرورًا بطبيعة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي وُصفت مواقفه بالاستسلام أمام واشنطن، وصولًا إلى التحولات التي تضمنتها وثيقة الأمن القومي الأميركية، ولاسيما في ما يتعلق بإعادة تعريف مفهوم القوة في النظام الدولي.
حرب النفط الأميركية ضد الصين
تحت هذا العنوان، كتبت صحيفة "وطن أمروز" أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن، في سياق فرض عقوبات جديدة، تصنيف الحكومة الفنزويلية منظمةً إرهابيةً أجنبية. وأصدر قرارًا بحظر دخول جميع ناقلات النفط إلى الموانئ الفنزويلية أو مغادرتها. جاء هذا القرار عقب احتجاز القوات الأميركية ناقلة نفط فنزويلية قبالة سواحل البحر الكاريبي، وترافق مع انتشار واسع للسفن الأميركية في المنطقة. في المقابل، وصفت حكومة نيكولاس مادورو الخطوة بأنها تهديد مباشر للسيادة الوطنية ومحاولة صريحة من واشنطن للاستيلاء على الموارد النفطية الفنزويلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن سوق النفط العالمية تفاعلت سريعًا مع الإعلان الأميركي، إذ ارتفعت الأسعار بعد يوم واحد فقط من وصولها إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات، متأثرةً بآفاق تحقيق تقدم في محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا. على الرغم من صعوبة التنبؤ بمسار هذه المفاوضات ونتائجها، فإن دخول النفط الروسي إلى السوق من شأنه إحداث تغييرات كبيرة في الأسعار، وقد يخفف جزئيًا من أثر العقوبات الأميركية على فنزويلا، إلا أن هذا الاحتمال يبقى أحد السيناريوهات فقط. في حال إطالة أمد المفاوضات، سيترك الحظر المفروض على ناقلات النفط الفنزويلية تأثيرًا بالغًا في السوق، ولن تقتصر الخسائر على حكومة مادورو، ستطال أيضًا شركاء ترامب وشركات النفط الأميركية.
من منظور جيوسياسي، رأت الصحيفة أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تصعيد التوتر في منطقة الكاريبي، وذهب بعض المحللين إلى وصفها بأنها عمل حربي. كما رجّحت أن تدفع العقوبات فنزويلا إلى تعزيز علاقاتها مع حلفاء مثل روسيا وإيران، بحثًا عن مسارات بديلة لتصدير النفط. على الصعيد الدولي، قد تُعمّق هذه الإجراءات الهوة بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها، إذ ترى دول عدة أن هذا الحصار يشكل انتهاكًا لقواعد التجارة الحرة والقانون الدولي. وحتى المصافي الأميركية في الولايات الجنوبية، والتي كانت تعتمد على النفط الفنزويلي الثقيل، ستضطر إلى البحث عن بدائل أكثر كلفة مثل النفط الكندي أو المكسيكي، ما سيؤدي إلى تراجع ربحية شركات النفط وزيادة الضغط على المستهلكين وارتفاع أسعار الطاقة محليًا.
كما تساءلت الصحيفة عن الهدف الحقيقي الكامن خلف هذه العقوبات، ورأت أن ما يقوم به ترامب يتجاوز الإطار الاقتصادي ليشكّل أداة سياسية وجيوسياسية. بحسب محللين، يسعى ترامب إلى خنق الاقتصاد الفنزويلي لإضعاف حكومة مادورو وتهيئة الأرضية لتغيير سياسي. وفي الوقت نفسه هو إعادة توجيه سوق النفط العالمية نحو منتجين متحالفين مع واشنطن، مثل السعودية وكندا. خلصت الصحيفة إلى أن هذه السياسة تهدف في نهاية المطاف إلى السيطرة على مسارات الطاقة، في نصف الكرة الغربي، واستخدامها ورقة ضغط في مواجهة الصين وروسيا، في إطار استراتيجية أوسع لإعادة تنظيم سوق الطاقة العالمية وترسيخ موقع الولايات المتحدة لاعبًا رئيسًا فيها.
كيف فشلت أوروبا في مواجهة ترامب؟
من جهتها، تناولت صحيفة "كيهان" موقف الاتحاد الأوروبي من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025. ورأت أن أوروبا واجهت حينها خيارًا مصيريًا؛ فمع مطالب ترامب برفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي وتهديده بفرض رسوم جمركية شاملة على الصادرات الأوروبية، إضافة إلى تحديه لقيم الديمقراطية وسيادة القانون، كان أمام القادة الأوروبيين خيار المواجهة الجماعية أو الاستسلام. بحسب الصحيفة، اختار الأوروبيون الطريق الثاني. وأوضحت أن الاتحاد الأوروبي، وحتى دولًا غير أعضاء مثل بريطانيا، فضّلوا موقفًا خاضعًا بدل التفاوض الندّي أو التأكيد على الاستقلال الاستراتيجي. على الرغم من أن هذا الخيار بدا منطقيًا للبعض، بحجة تفادي انسحاب واشنطن من دعم أوكرانيا أو من حلف الناتو أو اندلاع حرب تجارية عبر الأطلسي، إلا أن هذا المنظور، وفقًا للصحيفة، يتجاهل تأثير السياسات الداخلية الأوروبية وصعود اليمين الشعبوي.
بيّنت الصحيفة أن هذه الاستراتيجية لم تُضعف فقط موقف الاتحاد الأوروبي، أسهمت أيضًا في تعزيز قوى اليمين المتطرف الساعية إلى تفكيك الاتحاد من الداخل. خلصت الصحيفة إلى أن سياسة الاسترضاء تجاه ترامب تشكّل فخًا مدمرًا للذات، مؤكدةً أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الدوامة يكمن في استعادة أوروبا لقوتها وتعزيز سيادتها ووقف الخضوع للضغوط الأميركية.
إعادة تعريف القدرة في النظام ما بعد الليبرالي
أما صحيفة "إيران"، فتوقفت عند التحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأميركية مع انطلاق الولاية الثانية لترامب في يناير 2025. ورأت أن نشر استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 لم يكن مجرد وثيقة تحدد أولويات السنوات الأربع المقبلة، لقد عكس تحولًا جذريًا في الخطاب الدولي الأميركي. وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة تضمنت العودة إلى مبدأ مونرو وانتقاد الاعتماد الأمني الأوروبي على الولايات المتحدة، والتركيز على التقنيات الناشئة مثل الذكاء الصناعي والطاقة المتقدمة، إلى جانب التخلي عن سياسات بناء الدول المكلفة. كما ركزت على إعادة تصميم سلاسل التوريد العالمية بما يخدم الصناعات الأميركية وتقليل الاعتماد على المنافسين الاستراتيجيين، ولاسيما الصين، من خلال ما يُعرف بـ"أصدقاء التوريد"، في إطار إعطاء أولوية للأمن الاقتصادي كركيزة جديدة للقوة الجيوسياسية.
ختمت الصحيفة بالإشارة إلى أن هذه التحولات تعكس، بشكل واضح، أفكار نائب الرئيس الأميركي جيه. دي. فانس، والذي أدى دورًا محوريًا في صياغة هذا الإطار الاستراتيجي. كما لفتت إلى أن مواقفه القومية الجديدة وتركيزه على التقنيات الحديثة جعلاه أحد أبرز مهندسي إعادة تعريف السياسة الخارجية الأميركية، في هذه المرحلة، ومرشحًا بارزًا لخلافة ترامب في المستقبل.