خاص العهد
المصارف تُعاند القاضي شعيتو… ما الذي تخشاه؟
القاضية عون لـ"العهد": رفع السرية "سيفضح" كل شيء
دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال
6 سنوات مرّت على بدء الأزمة المالية والمصرفية في لبنان، ولم يُحاسَب أصحاب ومديرو المصارف ــ ومن يدور في فلكهم ــ من المرتكبين على "فعلتهم" في عزّ الأزمة. ثمّة دعاوى رُفعت في حقّهم، ورسائل وجّهت إليهم، إلا أن غالبيتهم للأسف لا يزالون يعتبرون أنفسهم فوق القانون وفوق الحساب. في 18 تشرين الثاني 2025 أي قبل نحو شهر، أرسل النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو، كتابًا إلى حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، يطلب بموجبه، إيداعه كشفًا مفصلًا بحركة الحسابات المصرفية. الطلب يشمل رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف التجارية في لبنان، سابقين وحاليين، والمفوضين بالتوقيع، إضافة إلى أزواجهم/ زوجاتهم وأولادهم. كما يحتوي الكشف على "التحاويل المصرفية الحاصلة من تلك الحسابات من 1 تموز 2019 حتى 1 كانون الأول 2023، إلى حسابات مصرفية خارج لبنان، أي تلك الأموال التي خرجت من لبنان في عزّ الأزمة المالية ما فاقم معاناة المودعين، وأفقد الثقة بالقطاع المصرفي، والنظام الاقتصادي بشكل عام. وقد علّل القاضي شعيتو الكتاب في سياق " تحقيقات أولية تجريها النيابة العامة المالية بموضوع الاشتباه بحصول جرائم جزائية ومنها جرائم مصرفية".
نحو شهر مرّ على الطلب المذكور، وحتى تاريخه لا يزال القاضي شعيتو ينتظر الجواب. واللافت، أنّ الردّ المنتظر وصوله إلى مكتب المدعي العام المالي بدأت معالمه تتردّد في الإعلام قبل أن يصل إلى قصر العدل. ثمّة ردّة فعل سلبية تجاه الكتاب. خلاصة الاجتماع الذي عقده مجلس إدارة جمعية المصارف الأسبوع الماضي تؤكّد هذا التوجه. ثمّة من يهمس سرًا ويقول جهرًا من المصرفيين بعدم قانونية الطلب متذرعين بأنه ابتزاز، وهو الأمر الذي ترد عليه مصادر قضائية في حديث لموقع "العهد" الإخباري بالإشارة إلى أنّ القاضي شعيتو لا يعمل وفق نوايا شخصية، أو ما شابه، بل يعمل ــ بشكل صرف ــ وفق القانون، وهو في سبيل ذلك عمل جاهدًا ليكون الطلب القضائي ضمن سقف القانون والنصوص القانونية التي ترعى الحال، وعندما يكون هناك نص قانوي، فمن الطبيعي أن تكون هناك إجراءات تندرج في سياقه. وعليه، أسند المدعي العام المالي طلبه بناء إلى "نصوص" جزائية جرمية واضحة.
تشدّد المصادر على أنّ طلب القاضي شعيتو، كان استكمالًا للقرار الذي أصدره في آب 2025 والذي نصّ على تكليف كافة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الوارد ذكرهم في الجدول المسمى "جدول رقم 1/ أ" بأن يودعوا في حسابات مصرفية لبنانية ما يوازي المبالغ التي تم تحويلها للخارج بموجب الحوالات المصرفية الحاصلة المبينة في الجدول وبالعملة ذاتها بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني، وذلك ضمن مهلة شهرين من تاريخ تبلّغ كلّ منهم مضمون هذا القرار، على أن يتمّ التنفيذ تحت إشراف النيابة العامة المالية. إلا أنّ قلة قليلة جدًا استجابت -وفق المصادر- التي تعود وتكرّر أنّ الأموال التي يراد إرجاعها من الخارج هي أموال يتم وضعها في حساب صاحبها في المصرف اللبناني ولا تُصادر بل تدخل في الكتلة النقدية للمصرف والنظام الاقتصادي اللبناني. وهنا، تعبّر المصادر عن استغرابها قائلة: هل يُعقل أن مدير مصرف ليس لديه ثقة في مصرفه تدفعه إلى إعادة الأموال إليه؟.
وتؤكّد المصادر أن النيابة العامة المالية اليوم في مرحلة انتظار، رغم أنّ المكتوب بان من عنوانه، ومن الحملة التي بدأت تتحضّر لها المصارف تحت شماعة "القانون"، إلا أنها تشير إلى خيارات قانونية عديدة متاحة، فبناء على المكتوب سيسمع المعنيون الجواب. وهنا، تلفت المصادر الانتباه إلى أن كل الذرائع الواهية التي تُساق من أنّ هذه الطلبات ستُفقد الثقة بلبنان، وأنها تواطؤ مع بعض الجهات، ليست إلا حجج لا أساس لها من الصحة، فعلى العكس تمامًا، من المفترض أن تعيد هكذا قرارات الثقة في القطاع المصرفي، وتزيد من الكتلة النقدية، فضلًا عن تحسين سمعة لبنان.
القاضية عون: لهذه الأسباب يرفضون رفع السرية المصرفية
المدعية العامة السابقة في جبل لبنان القاضية غادة عون التي كان لها "جولات" مع المصرفيين، حيث ادعّت على أكثر من مصرف، وعلى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ومن تورطّ معه، تشيد في حديث لموقع "العهد" الإخباري بقرار القاضي شعيتو. وفق قناعاتها، ما قام به المدعي العام المالي هو خطوة جيّدة ومهمّة، إذ لا يجوز تحميل المودِع كامل العبء، في حين أن المصارف حوّلت أموالها إلى الخارج. تذهب عون أكثر من ذلك، معتبرة أنه يجب أن يتم التعامل مع المصارف بطريقة متشدّدة جدًا، لا بد من استدعائهم وإجبارهم على الحضور، ورفع السرية المصرفية عن حساباتهم، فهذا أمر ضروري.
تسخر القاضية عون من الحملة التي تُشن على قرار القاضي شعيتو. برأيها، كل ما يُقال عن أن الطلب القضائي الذي قدّمه شعيتو غير قانوني ليس سوى كلام فارغ، فالنص قانوني مئة في المئة، فهم توقّفوا عن الدفع منذ بدء الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، كما أن هناك فترة "ريبة" إذا ما عدنا 18 شهرًا إلى الوراء. وهنا توضح عون أنه عندما يتوقّف شخص عن الدفع ويحوّل أمواله، فإن ذلك يشكّل جرم تبييض أموال المودعين، وهو جرم احتيالي. تعود وتكرّر أنّها خطوة مهمّة جدًا ويجب الاستمرار بها، متمنية أن يكون القاضي شعيتو أكثر "هجومية"، فالقانون يسمح له بمخاطبتهم مباشرة إذا كانت هناك دعاوى أمامه.
تعود القاضية عون بالذاكرة الى الوراء، قائلة: "عندما كانت بين يديّ دعاوى من مودعين يطالبون بحقوقهم، طلبتُ رفع السرية المصرفية ولم يستجب أحد من المصارف، ولم يكن بإمكاني في حينها القيام بأي إجراء، إذ إن مدعي عام التمييز كان قد طلب من الضابطة العدلية عدم الاستجابة للأوامر التي أصدرتها، فلم يكن بإمكاني توقيفهم أو القيام بأي شيء آخر، فاكتفيت بالادعاء عليهم بجرم تبييض الأموال".
وتشدّد المتحدّثة على أنّ المصرفيين لا يريدون رفع السرية المصرفية لأن الفضائح ستظهر، وهي أعمق من مجرد تحويلات أجريت من حساباتهم وأموالهم الى الخارج. بالنسبة لعون، هذه المصارف تواطأت مع رياض سلامة، ورفع السرية المصرفية سيفضح كل شيء، خاصة أنه وفق القانون لم تعد هناك سرية مصرفية في ما يتعلّق بالحق العام والأشخاص الموظفين. وفق عون، بالتأكيد هناك تبييض أموال، فالنص واضح في قانون رفع السرية المصرفية الصادر عام 2022 وهو يعتبر أنه في حال رفضت المصارف رفع السرية المصرفية ــ وهذا يسري بمفعول رجعي ــ فإنها تكون قد ارتكبت جرم تبييض أموال". إضافة إلى ذلك، فإن رفضهم إعادة الأموال المحوّلة، مع ثبوت أنهم قاموا بالتحويل، يشكّل جرم إفلاس احتيالي، لأن هذه أموال المودعين، ومن جميع النواحي هم مرتكبون".
تضع القاضية عون الطلب القضائي من القاضي شعيتو في سياق الخطوة المنتظرة منذ زمن، قائلة: "عندما حاربوني، أول ما قمت به هو الطلب والادعاء عليهم، ولا يزالون على الموقف نفسه، وقد منعوني من توقيفهم. أتمنى أن يتم إيقافهم إذا امتنعوا عن الاستجابة للطلب"، تختم القاضية عون حديثها.