إيران
اهتمت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم السبت 20 كانون الأول 2025 بالأوضاع الاقتصادية الداخلية والتي بدأت تصل الأزمة فيها إلى حدود خطيرة.
كما اهتمّت أيضًا بالأوضاع الأوروبية والأميركية المتناقضة على الساحة الداخلية والدولية.
أوروبا: الدم أم المال؟
بداية مع صحيفة "وطن أمروز" التي كتبت: "عُقدت قمة بروكسل الأخيرة في لحظةٍ تواجه فيها أوروبا، أكثر من أي وقت مضى، تناقضاتها الإستراتيجية؛ التناقض بين القيم والمصالح، وبين المسؤولية الأخلاقية والتكلفة السياسية، وبين إلحاح الحرب وبطء اتّخاذ القرارات. إن عبارة رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك - (إما أن ندفع اليوم، أو الدماء غدًا) - ليست مجرد تحذير سياسي، بل هي تلخيص ليأس أوروبا؛ وضعٌ لا يخلو فيه أي خيار من ثمن، وكلّ خيار يحمل في طياته هزيمة الخيار الآخر. تواجه أوروبا الآن معضلة: استخدام عشرات المليارات من اليورو من الأصول الروسية المجمدة لضمان قروض من المفترض أن تغطي التكاليف العسكرية والمالية لأوكرانيا على مدى العامين المقبلين. يبدو هذا القرار ظاهريًا تقنيًا وماليًا، لكنّه في جوهره قرار جيوسياسي وقانوني، بل وحتّى قرار يتعلق بالهوية. السؤال الأساسي ليس ما إذا كانت أوروبا قادرة على الدفع أم لا، بل ما إذا كانت أوروبا مستعدة لتحمل عواقب قرار يخرق القواعد التي التزمت بها لعقود. إن عبارة (المال أو الدم) مبنيّة على منطق الردع: إذا لم يتم إيقاف تقدم روسيا بالمال اليوم، فسيكون الثمن أرواح المواطنين الأوروبيين غدًا".
بحسب الصحيفة، هذا المنطق مقنع بشكل خاص لدول أوروبا الشرقية التي تربطها علاقات تاريخية وثيقة بروسيا. بالنسبة لبولندا ودول البلطيق وبعض الدول الأخرى، فإن الحرب الأوكرانية ليست أزمة بعيدة، بل مقدمة لتهديد مباشر. من هذا المنظور، تُعد المساعدات المالية لأوكرانيا استثمارًا في الأمن الأوروبي. لكن هذه الرواية لا توحد أوروبا بأكملها. ففي غرب القارة وجنوبها، تتفاقم الشكوك. إن استخدام الأصول المجمدة لدولة ما يُعد خطًا أحمر قد تترتب عليه عواقب طويلة الأمد في حال تجاوزه. لطالما قدمت أوروبا نفسها كمدافعة عن النظام القانوني الدولي وأمن رأس المال. إذا تم الاستيلاء على الأصول الروسية أو استخدامها كضمان للقروض اليوم، فما الضمانة التي تجعل المستثمرين الأجانب يعتبرون أوروبا ملاذًا آمنًا لأصولهم غدًا؟ ألن يضر هذا القرار بمصداقية النظام المالي الأوروبي؟
وأشارت إلى أن المخاوف من رد الفعل الروسي ألقت بظلالها على هذا القرار. فقد حذرت موسكو مرارًا وتكرارًا من أنها ستعتبر مصادرة أصولها سرقة ولن تسكت عنها. وقد يتراوح هذا الرد بين إجراءات قانونية واقتصادية وتصعيد التوترات السياسية وحتّى الأمنية. وتدرك أوروبا، التي تعاني أصلًا من أزمة طاقة وتضخم وانقسامات سياسية داخلية، أن قدرتها على تحمل صدمات جديدة محدودة. وفي الوقت نفسه، زاد غياب الولايات المتحدة، أو على الأقل تردّدها، من تعقيد الوضع. فقد اعتمدت أوروبا على الدعم السياسي والعسكري والمالي من واشنطن خلال العامين الماضيين، ولكن مع اقتراب الانتخابات الأميركية وتزايد مؤشرات الانعزالية في السياسة الداخلية للبلاد، يواجه الأوروبيون حقيقة أنهم قد لا يتمكّنون بعد الآن من الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط. في مثل هذه الحالة، يجب على أوروبا إما أن تتحمل مسؤولية أكبر أو أن تقبل بتراجع نفوذها وأمنها.
أخطر من تقلّبات العملة
صحيفة "همشهري" كتبت بدورها: "ما يُقلق الناس هذه الأيام أكثر من قفزة سعر الصرف هو صمت المسؤولين التنفيذيين إزاء تطوّرات السوق. هذا الصمت فسح المجال للشائعات والتحليلات العاطفية والحرب النفسية التي تشنها وسائل الإعلام المعادية؛ جوٌّ يُرسخ فيه تدريجيًا فكرة أن اقتصاد إيران لا مخرج له سوى الاستسلام. نتيجة هذا الوضع ليست مجرد انخفاض في القوّة الشرائية، بل هي تآكل ثقة الجمهور وضعف المصداقية الوطنية".
وأضافت "لا يمكن كسر هذا الجو بإنكار المشاكل أو الوعود العامة، لكن يمكن ذلك برسالة واضحة: هناك حل. إنه صعب ومكلف، وقد يُعرّض مصالح بعض الفئات للخطر، لكنّه موجود. قد لا يروق للحكومة ذكر هذه الحلول، لكن عدم ذكرها هو ما تسعى إليه الحرب النفسية للعدو. إلى جانب الميزانية، يلعب البنك المركزي دورًا محوريًا. فالبنك المركزي الخاضع لاحتياجات الحكومة عمليًا لا يمكن أن يكون ركيزة للاستقرار. إن استقلالية البنك المركزي الحقيقية، إلى جانب شفافية السياسة النقدية، شرط أساسي لكبح جماح التوقعات التضخمية. يجب على المجتمع ضمان ألا تنتهي كلّ أزمة سياسية أو اجتماعية بطباعة النقود".
ولفتت إلى أن "النظام المصرفي غير المستقر يُعدّ أحد المحركات الخفية لضغوط العملة. فالبنوك التي تُدار بأصول وهمية ومشاريع ريادية واسعة النطاق تُجبر على خلق سيولة، وهذه السيولة ستتدفق عاجلًا أم آجلًا إلى سوق الصرف الأجنبي. ويُعد إصلاح ميزانيات البنوك ووقف المشاريع الريادية شرطًا أساسيًا للاستقرار النقدي، وليس قضية هامشية. كما أدى ضعف النظام الضريبي بشكل مباشر إلى ضعف الريال. فعندما تعجز الحكومة عن تحصيل ضرائب عادلة، فإنها تستبدل الضرائب بالتضخم. وقد أدى التهرب الضريبي الواسع النطاق وإعفاءات أصحاب الريع إلى تفاقم عجز الموازنة وزيادة الضغط على العملة الوطنية".
استحضار روح ابستين في البيت الأبيض
صحيفة "رسالت" قالت من ناحيتها: "عادت قضية جيفري إبستين إلى الواجهة مجددًا، وهذه المرة هزّت البيت الأبيض ليس فقط كفضيحة أخلاقية، بل كورقة ضغط سياسية. ينصبّ الشغل الشاغل حاليًّا على دونالد ترامب وحركة لنجعل أميركا عظيمة مجددًا، داخل الحزب الجمهوري. لقد تحوّلت إبستين غيت إلى كابوس لترامب، إذ تُظهر استطلاعات الرأي أنها أحدثت انقسامًا عميقًا بين مؤيديه وزعزعت ولاءهم. ويعود جزء من تراجع أصوات الجمهوريين في ولايات حاسمة ومهمة مثل أريزونا وجورجيا (المعايير الجمهورية التقليدية) إلى الفضائح التي طالت الرئيس الأميركي الحالي في قضية جيفري إبستين".
الوضع واضح، تتابع الصحيفة، يدرك ترامب تمامًا أن هذه الفضيحة قد تتحول إلى أزمة خطيرة لحملته الانتخابية. فهو يخشى أن يؤدي استمرار هذا الوضع ليس فقط إلى زعزعة استقرار قاعدته الجماهيرية الأساسية، بل أيضًا إلى حرمانه من فرصة استقطاب الأصوات المتردّدة. في الوقت نفسه، لا يقف الديمقراطيون مكتوفي الأيدي، ولا ينوون السماح لترامب بالإفلات من هذا المأزق بسهولة. يدركون أن فضيحة إبستين فرصة ذهبية لإضعاف ترامب والجمهوريين. ورغم أن بعض الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي، بمن فيهم بيل كلينتون، ارتبطوا بإبستين في الماضي، إلا أن هذا لا يُقلل من تركيز الديمقراطيين على ترامب ومحاولاتهم لربطه بهذه الفضيحة. تتمثل إستراتيجية الديمقراطيين في تصوير ترامب كرمز للفساد والانحلال الأخلاقي، وبالتالي تقويض ثقة الجمهور به.
وختمت "يتطلع الديمقراطيون لرؤية النتائج الأولى لمناوراتهم المستمرة حول العلاقات الظاهرة والخفية بين ترامب وإبستين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، حيث يُمثل استعادة السيطرة على الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) مكسبًا كبيرًا لترامب. في الواقع، يُعد استحضار شبح إبستين في البيت الأبيض استعارة لعودة ظلال الماضي المظلمة. لا تكشف هذه القصّة فقط عن الأبعاد الخفية للفساد بين النخب السياسية والاقتصادية، بل تُظهر أيضًا كيف يُمكن أن تُصبح هذه الفضائح أداة لتصفية الحسابات السياسية وإلحاق الضرر بالخصوم. يواجه ترامب الآن تحديًا خطيرًا: عليه أن يجد طريقة للتعامل مع هذه الأزمة ومنع فضيحة (إبستين غيت) من أن تتحول إلى مستنقع سياسي يبتلعه وحركته. وإلا، فإن شبح إبستين سيخيم على البيت الأبيض ومستقبل ترامب السياسي لفترة طويلة".