خاص العهد
دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال
إذا كان لا بدّ من وسمٍ سياسيّ لعام 2025، فلن نجد أصدق ولا أبلغ من تسميته: عام التعطيل القواتي. وهي سمة لا تُطلق في إطار الخصومة السياسية بل تفرضها الوقائع في مختلف المجالات. لدى تشكيل الحكومة في 8 شباط 2025، حصد حزب "القوات" 4 وزارات. ومن كثرة التنظير في السنوات السابقة، ظنّ البعض أن تسلم القوات لهذه الوزارات يعني "الخلاص"، إلا أنّها عنت "الخلاص" ولكن بالمفهوم السلبي.
على سبيل المثال، تحولت وزارة الخارجية بإدارة يوسف رجي الى وزارة قواتية بامتياز. في الشكل، يروي مُطلّعون على ما يُسمونها بـ"المغارة" أن الوجوه في الوزارة قواتية، إلا ما ندر. الخارجية تحولت الى وكر لحزب "القوات"، بدءًا من الموظفين الأساسيين، وليس انتهاء بفريق المرافقين. أما في المضمون، فيعمل رجي بقاعدة "دبلوماسية" بسمنة وأخرى بزيت. على سبيل المثال، في نيسان الماضي "هرول" رجي إلى السفارة الأميركية في عوكر للقاء نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس التي حرّضت على قصف وقتل اللبنانيين، والتي تشترك بلدها في العدوان على لبنان، لكنّه في المقابل، تفاخر برفضه تلبية دعوة نظيره الإيراني بزيارة إيران، وذلك في مسعى واضح لتعطيل الدبلوماسية مع هذه الدولة التي لطالما ساندت ودعمت لبنان وقدّمت العروضات المفيدة لشعبه.
ولطالما كان الوزير المذكور يعلن وينتقد ما يسميه تدخل إيران في الشؤون اللبنانية، دون أي وجه حق أو سند. أما الإدانات والشكاية من التدخلات الأميركية السافرة والتي بلغت أوجها مع تصريحات المبعوث الأميركي توم براك والسيناتور الأميركي ليندسي غراهام فلا وجود لها في قاموس الوزير. لم يرف له جفن حيال نعت براك لبنان بـ"الدولة الفاشلة"، وسلوك الصحفيين بـ"الحيواني"، أو حتى الحديث عن ضم لبنان إلى سوريا. أكثر من ذلك، بدت البيانات ــ من رأس الدبلوماسية اللبنانية ــ التي تشكو وتنتقد الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان والتي تجاوزت الـ10 آلاف خرق، وفق إحصاء "اليونيفيل"، فضلًا عن استشهاد المئات، بدت خجولة جدًا وتكاد لا تُذكر، وهي بالتأكيد بيانات لا ترقى الى مستوى "رفع العتب". لم يستدع رجي سفراء الدول الضامنة للاتفاق لشكايتها من اعتداءات "إسرائيل"، بل على العكس تبيّن أنّ حزبه لا يسبقه أحد في "الشكاية" على أبناء الوطن الواحد، حيث حصد "الرقم 1" في "بخ" السمّ في واشنطن على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، لا لشيء، بل لأنّ هيكل يتعامل بحكمة مع مقاربة الملفات، ومسألة سلاح المقاومة.
وإن كان الوقت لا يتّسع لتعداد عراضات ومآثر رجي، فإنّ حال زميله القواتي وزير الطاقة والمياه جو صدي لا يختلف كثيرًا. الأخير لطالما وعد حزبُه الناسَ بكهرباء 24/24 يوميًا، فكانت المفاجأة أنّ التغذية الكهربائية باتت في الحضيض بعد سنوات من التنظير على الوزراء السابقين في هذا الإطار. في أحد المؤتمرات الصحفية الموثقة بالصوت والصورة قال الوزير بالفم الملآن "ما رح تسمعوا مني كلمة ما خلونا"، وذلك في إشارة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزبه الذي لطالما تعرّض لحملة شرسة من القوات ورئيسه سمير جعجع بسبب التيار الكهربائي. في إحدى المقابلات وعد صدي بأن تصل ساعات الكهرباء إلى 10 أيام في الشتاء، إلا أنّ ساعات العتمة ازدادت. وهنا لا بد من الإشارة الى المزاعم السابقة التي كانت تضع قانون "قيصر" عقبة أمام عقود استجرار الكهرباء، فماذا فعل الوزير القواتي بعد رفع العقوبات، ومجيء رئيس سوري حليف لحزبه ولأجنداته؟.
يأتي الدور الى وزير المهجرين والذكاء الاصطناعي كمال شحادة. يكاد يكون أهم "إنجازاته" في الوزارة هي تسليم موظفي القطاع العام وبياناته لأميركا و"إسرائيل" عبر توقيع مذكّرة تفاهم استراتيجية مع شركة "Oracle" العالمية. المذكرة تهدف إلى تدريب وتأهيل 50 ألف موظف لبناني في القطاع العام خلال السنوات الخمس المقبلة في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. لكن التدقيق في تاريخ الشركة المذكورة يُبين أنها تمتلك علاقة وثيقة مع كيان الاحتلال واستثمارات ضخمة في البنية التحتية السحابية، كما دخلت في سلسلة طويلة من العقود العسكرية والأمنية مع جيش الاحتلال ووزارة الحرب وتبرعت بين عامي 2023 و2024، بأكثر من سبعة أطنان من المعدّات اللوجستية للوحدات العسكرية "الإسرائيلية".
وقد بلغ التحريض القواتي مداه في موضوع سلاح المقاومة. جلسة الحكومة في 5 آب 2025 والتي كُلّف فيها الجيش بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح كانت شاهدة على ذلك. لم يرف جفن لوزراء "القوات" أمام الاعتداءات "الإسرائيلية" التي غلّفت الجلسة، جُل همهم كان السلاح. الأمر ذاته ينسحب على أجواء جلسة 7 آب التي عُقدت على وقع اعتداءات "إسرائيلية" طالت الجنوب والبقاع، والتي أقرت ورقة المبعوث الأميركي توم براك الأميركية- "الإسرائيلية". براك صاحب التصريحات النارية بضم لبنان إلى سورية، فيما لم نشهد أي استدعاء له من وزارة الخارجية. وفي جلسة 5 أيلول، أوحى وزراء "القوات" لدى خروجهم من الجلسة أنّهم حقّقوا ما تمنوه، إلا أن من يدقق في الوجوه القواتية يعلم علم اليقين أن القرارات ليست على ذوقهم، وبالفعل ما إن تلا وزير الإعلام المقررات حتى تبيّن أنّ الحكومة عادت وتراجعت عما أقرته في جلسة 5 أيلول حيث جمدت ورقة توم براك المقرّة.
في الشق البرلماني، سعت القوات جاهدة لتعطيل انعقاد الجلسة التشريعية في 18 كانون الأول منعًا لإقرار سلسلة قوانين، وفي مقدمها قرض إعمار البنى التحتية في الجنوب، وذلك لقطع الطريق على إعادة الإعمار، إلا أنّ الرياح جرت في غير ما اشتهت سفن القوات. كما أشاعت "القوات" جوًا من التشويش على الانتخابات النيابية المقبلة بحجّة انتخابات المغتربين، فدخل وزراؤها إلى إحدى الجلسات الحكومية رافعين شعار الـ"128" وسط جوّ من التحريض المُسبق والتهويل.
وفي سياق حملات التحريض والتهويل، يتبيّن لأي محلّل لمضمون خطابات حزب "القوات" ورئيسه سمير جعجع، أنّ "نزع سلاح حزب الله" هي الجملة الأكثر تكرارًا على ألسنتهم هذا العام، فالاعتداءات "الإسرائيلية" اليومية لا تهُم، المهم بنظرهم، سحب السلاح. الاعتداءات "الإسرائيلية" بنظرهم هي ردة فعل، أما السلاح الذي حرّر الأرض فهو الفعل. آلية "الميكانيزم" وفق تصريحات جعجع لا يجب أن تتحوّل إلى "مجرد شكل رمزي، والحكومة اللبنانية يجب أن تظهر إرادة حقيقية وحازمة في تنفيذ القرار المتعلق بنزع السلاح غير الشرعي وإعادة سيطرة الدولة على كامل التراب اللبناني"، وذلك بدل أن ينتقد منهجية عمل "الميكانيزم" غير العادلة والتي لا تمت بصلة للموضوعية. وبرز في هذا الصدد، البيان الذي أصدره قبل أيام جعجع الذي تحوّل إلى خبير قانوني يُحرّض على أن اتفاق وقف إطلاق النار يشمل شمال الليطاني، ليقدّم خدمة مجانية لـ"إسرائيل". وهنا لا بد من الإشارة إلى ما توقّف عنده مراقبون من أنّ الصيغة التي كتب فيها البيان المذكور تُبيّن أنّ من صاغه ليس جعجع بنفسه بل أحد مستشاريه.
أما أبرز وأهم إنجازات "القوات"، فقد برز في ختام العام، مع خديعة "أبو عمر" حدّاد السيارات الذي أوهم معراب بأنه أمير سعودي وبدأ يُصدر الأمر والطلبات لتبني مرشحين للانتخابات النيابية والتوزير وما إلى هنالك، فوقع في فخّه كثيرون على رأسهم جعجع، ما يُبيّن حجم التبعية العمياء للخارج.