اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي إيران تُصنّف البحرية الكندية "منظمة إرهابية" ردًا على تصرفات أوتاوا

نقاط على الحروف

شعارات الحرب الإعلامية عام ٢٠٢٥: طلقات خلبيّة 
نقاط على الحروف

شعارات الحرب الإعلامية عام ٢٠٢٥: طلقات خلبيّة 

80

كاتبة من لبنان

بموازاة العدوان العسكري الذي تواصل طوال عام 2025، اتّخذت الحرب الإعلامية على المقاومة في لبنان شكلًا غير مسبوق من حيث كثافة النيران وتنوّع الأسلحة المستخدمة فيها، فلم يخلُ يوم واحد من تسجيل هجوم إعلاميّ مركّز على مختلف جهات ومستويات المقاومة. بكلام آخر، على خطّ مواز لغارات الطيران الحربي والاستطلاعي المسلّح ضدّ الأرض والناس في الجنوب والبقاع والضاحية، ركزّ واضعو إستراتيجيات الحرب الإعلامية ضدّ المقاومة لا على السلاح وجدواه فحسب، بل جرى استهداف البيئة الاجتماعية كما المؤسسات الاقتصادية والصحية والمالية والتربوية وغيرها. حتّى "العقيدة" لم تسلم من ألسن المهاجمين الذين أوكلت إليهم عوكر مهمّة تنفيذ هذه المداهمات الكلامية المركزة وذات الطابع التضليلي والترهيبيّ. 

ارتكزت هذه الحرب طوال العام على شعارات محدّدة، وقام فريق أبواق عوكر من مختلف المناصب والمستويات بتردادها في كلّ مناسبة بمفردات مختلفة وبأساليب خطابية تتراوح بين الهجومي جدًا والناعم جدًا. ويمكن حصر هذه الشعارات بما يأتي: 

 - "المقاومة هُزمت وانتهت"

 - "نزع سلاح المقاومة سيمنع العدوان"

 - "الدبلوماسية تحمي لبنان"

 - "بيئة المقاومة وهنت"

 - "المقاومة ليست لبنانية" 

وعلى الرغم من معرفة القائلين بها بانعدام فرص تصديق هذه الترّهات بمقياس الواقع والأحداث المتلاحقة، إلّا أنّهم أصرّوا على تكرار تداولها كحقائق، على قاعدة "اكذب ثمّ اكذب.."، أمّا الحقائق التي لم تحتج جهدًا لإثباتها فهي: 

أوّلًا، لو هُزمت المقاومة فعلًا وانتهت، لما كرّس الأميركي وسائر خلاياه في العالم كلّ هذه الجهود العسكرية والمالية والدبلوماسية في سبيل تحقيق ما عجزت آلة الحرب عن تحقيقه، وهو يدرك أكثر من أيّ وقت مضى أن الضربات التي تعرّضت لها المقاومة منذ أيلول 2024 كانت "أعلى ما بخيله" ولم تفلح. لذلك كان على "خدام اسرائيل" من مردّدي شعار "هُزمت المقاومة وانتهت" أن يسألوا أنفسهم أولًا، لو حقًّا هُزمت وانتهت، لماذا يبذل الأميركي ومن معه كلّ هذا الجهد ويستخدمهم كأدوات ضدّها؟.

ثانيًا، الشعار الذي جرى ترداده بعدد الساعات في أيام السنة "نزع سلاح المقاومة سيمنع العدوان". منذ 27 تشرين الثاني 2024 لم تطلق المقاومة طلقة واحدة ضدّ العدو، التزامًا بإعلان وقف إطلاق النار. بالمقابل، وجد العدوّ في ذلك فرصة ذهبية لمواصلة العدوان وانتهاك القرى الحدودية بالشكل الذي لم يتمكّن منه طوال 66 يومًا من المعارك. وبالتالي من السهل الاستنتاج ببساطة وموضوعية أن ما يمنع العدوان هو سلاح المقاومة، وليس العكس، وأنّ الشعار المذكور وقائليه ينافون المنطق والعقل بأدنى درجاته. 

ثالثًا، "الدبلوماسية تحمي لبنان"، ولا داعي لسرد إستراتيجيات العمل الدبلوماسي التي شهدها اللبنانيون خلال العام. نكتفي بالإشارة إلى أن التجربة، التي هي خير برهان، قد أثبتت أن البكاء الدبلوماسي لا يجدي نفعًا، وأن الانبطاح الذليل لسائر المبعوثين الدوليين ولا سيما الأميركيين أصبح أشبه بالاستلاب الدبلوماسي، بحيث لم تعد تتجرّأ الدبلوماسية حتّى على إدانة قتل اللبنانيين واستباحة أمنهم وأراضيهم. وبالتالي، وتصحيحًا للشعار، كان ينبغي أن يكون "الدبلوماسية" تحمي "إسرائيل" وتعينها في عدوانها. 

رابعًا، لا يكف الناطقون بلغة الأمركة عن ترداد قول إن بيئة المقاومة في لبنان انسلخت عن المقاومة. وهذا لا يجافي الحقيقة وحسب، بل يسعى إلى تمويهها وإخفائها وإسدال ستار من الوهم فوقها، وجميع هذه المساعي قد باءت بالفشل، لا بسبب ركاكة منطق الساعين وضعف حجّتهم فقط، بل أيضًا بسبب القوّة الهائلة التي أثبتتها هذه البيئة في تماسكها ومتانتها وتكافلها في مواجهة المقدار الهائل من المواجع التي أُريد منها أن تكون بداية النهاية، فصارت حافزًا ثوريًا يجعل أهله أكثر وعيًا في مواجهة الصعاب. ولم تكن المواجع فقط بأطنان المتفجرات، إنّما بمنع إعادة الإعمار وبالحصار وبكلّ الوسائل التي تُستخدم عادة في سبيل كسر إرادة المقاومة لدى الناس. 

خامسًا، حرص زجّالو طاولة الحرب على المقاومة على إنشاد أبيات تغريب المكوّن اللبناني المقاوم، والتسويق لفكرة أن المقاومة هي جهة "خارجية". ولم يقتصر هذا الاستهداف على المستوى السياسي بل تعداه إلى المستوى الاجتماعي والثقافي والعقائدي. وباتت الشاشات تقدّم في كلّ يوم وجهًا يروّج للأكذوبة التي يدحضها التاريخ وحكاية الأرض، وكان على أهل المقاومة لا مواجهة العدوان الهمجي عليهم فقط، بل محاولات تغريبهم التي من الطبيعي أن تفشل ببساطة لأنها سيل من وهم، ولا يمكن لوهم أن يمحو الحقيقة. 

اجتهدت المؤسسات الإعلامية كما الشخصيات العاملة في الشأن العام في صناعة لغة إعلامية تقوم على تكرار هذه الشعارات التي ليست فارغة فحسب، بل تحوي من التضليل والكذب المكشوف ما يكفي للإساءة لكلّ عقل يتابعها، حتّى ذلك الذي يناصرها. ولعبت صحيفتا "النهار" و"نداء الوطن" دور رأس حربة الإعلام المكتوب ضدّ المقاومة عبر ضخّ صحفي مرتكز على صياغة الأوهام وتحرير الأضاليل، ولهذا كان للشعارات المذكورة آنفًا مساحة يومية على صفحاتهما، واحتلت في كثير من الأيام العناوين العريضة في مقالات كُتبت لا كي تُقدّم معلومات صحيحة أو تحليلات منطقية، إنّما كي تروّج للأفكار الشعاراتية الخالية من أيّ مصداقية أو قيمة حقيقية تحترم عقل القارىء. على المستوى المرئي، احتلت مؤسسة المر MTV صدر المجلس الإعلامي المحارب للمقاومة في لبنان، ولا يمكن نفي تفانيها في صناعة أخبار وتقارير وعناوين واستضافات تتمحور كلّها على هذه الشعارات وتحاول تسويقها عبر هجمات يومية سلاحها التضليل والافتراء والتنميط والتغريب والتحريض وابتكار الذرائع للعدوان المتواصل. 

أما بالنسبة للشخصيات العاملة في الشأن العام والتي نالت شارة "البوق العوكري" من مختلف الدرجات والمراتب، والتي تضمنت سياسيين وإعلاميين وناشطين على منصات التواصل المختلفة، فقد بذلت قصارى جهدها على مدار العام في سبيل وضع هذه الشعارات داخل كلّ كلام يصدر عنها، منها من كان يردّدها كما وردت في التعليمات من دون أيّ محاولة تورية أو تمويه، فاتّخذت بذلك دور المحارب المستميت ضدّ أهل الأرض، ومنها من حاول دسّ سموم هذه الشعارات في الكلام الناعم والمعسول والذي يدعو المقاومة إلى الاستسلام بادعاء الحرص على أهلها. 

بشكل عام، في سياق الحرب الإعلامية التي لم تعد تُصنّف بالناعمة نظرًا لتزامنها مع العدوان العسكري وانكشاف كلّ وجوه التنسيق لها معه، شكّلت هذه الشعارات ما يشبه "طلقات" جرى استخدامها بشكل مستمر ضدّ المقاومة وكلّ ما يمثّلها أو يمتّ إليها بصلة. وهي وإن كانت مؤذية من حيث مقدرتها العالية على إحداث التلوّث السمعيّ ومن حيث إساءاتها المتكرّرة للعقل وللمنطق، فهي لم تكن، ولن تكون، أكثر من مجرّد طلقات خلبيّة، تُستخدم عادة في الأفلام والمشاهد التمثيلية، وينتهي دورها كما دور مطلقيها حالما يفرغ "المخرج" من تصوير المشهد، ولهم في مشهد أقرانهم وهم يهرعون خلف الطائرات الأميركية وهي تغادر أفغانستان خير دليل..

الكلمات المفتاحية
مشاركة