إيران

اهتمت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم الثلاثاء، 13 أيار، 2025 بقضايا مرتبطة بالتفاوض النووي وموقع القوّة الإيراني مقابل الرواية المنحرفة الأميركية حول هذا الأمر، كما اهتمت أيضًّا ببيان النشاط الدبلوماسي كإستراتيجية إيرانية لحل الأزمات، وأخيرًا بحثت بعض الموضوعات الدولية من قبيل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في ظل التطورات الأخيرة.
تراجع الصين والولايات المتحدة
كتبت صحيفة إيران: "إن اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين، الذي تم الإعلان عنه في جنيف في 11 أيار/مايو 2025، هو أكثر من مجرد نهاية للتوترات، بل هو بداية اختبار حقيقي للإرادة السياسية لكلا الجانبين لتحقيق إطار تجاري مستدام. إن الطريق إلى الأمام سيكون مليئًا بالتحديات، ولكن هذه الخطوة الأولية قد تمهد الطريق لإحداث تغييرات جوهرية في النهج الاقتصادي والتجاري للقوتين العالميتين الرئيسيتين. بالطبع، فقط إذا بقيت إرادة الحوار والإصلاح البنيوي قائمة.
[...] ووفقًّا لبيان رسمي مؤرخ في 12 مايو/أيار 2025، أعلنت الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية أنهما ستعلقان مؤقتًا بعض التعريفات الجمركية المتبادلة بينهما، اعتبارًا من 14 مايو/أيار 2025. ويعتبر هذا القرار بمثابة وقف محدود لإطلاق النار لمدة 90 يومًا في حرب الرسوم الجمركية.
وينص الاتفاق بشأن التعليق المشروط ومراجعة التدابير السابقة على أن البلدين اتفقا على تعليق 24 نقطة مئوية من الرسوم الجمركية الإضافية المفروضة على الواردات من الجانب الآخر لفترة تجريبية مدتها 90 يومًا.
خلال هذه الفترة، لن يتبقى سوى معدل تعريفة جمركية قدره 10% على السلع المستهدفة.
[...] ويبدو أن هذا الاتفاق يشكّل خطوة نحو تخفيف التوترات وإعادة الاستقرار إلى بيئة التجارة العالمية، لكن أهدافه تتجاوز مجرد تخفيف الضغوط الاقتصادية مؤقتًا وتتضمن:
1. خلق مساحة للتنفس للصناعات المحلية في كلا البلدين، والتي تتعرض لضغوط من التعريفات الجمركية وتقلبات الأسعار وسلاسل التوريد.
2. خلق فرص للمفاوضات المنظمة حول قضايا أكثر عمقًا مثل الملكية الفكرية، والدعم الصناعي، وسياسات الاستثمار، والوصول إلى الأسواق.
3. السيطرة على ردود فعل الأسواق المالية والتجارية التي تفاعلت سلبًا مع التوترات التجارية في الأشهر الأخيرة.
[...] ورغم القبول النسبي الأولي لهذا الاتفاق في الأسواق العالمية، إلا أن المحللين يؤكدون أن 90 يومًّا هي مدة محدودة لحل القضايا الجوهرية في العلاقات التجارية بين البلدين. وبدون خطة واضحة لمواصلة الإصلاح، فإن هذا الاتفاق قد يظل مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، وقد تستأنف التوترات. ومن ناحية أخرى، تشكّل الالتزامات غير المتكافئة المحتملة أيضًا محور اهتمام المراقبين؛ وخاصة في مجال التدابير غير الجمركية التي وافقت الصين على إلغائها أو تعليقها. وقد يكون هذا مؤشرًا على مرونة أكبر من جانب بكين أو ضغوط محلية داخل الصين لتقليل التوترات. إن هذا الاتفاق الذي يبدو في ظاهره وكأنه احترام متبادل، هو في واقع الأمر استسلام سياسي وتجاري. إنها نتيجة ضغوط اقتصادية داخلية وأزمات عالمية، وليست نتيجة مفاوضات مبنيّة على القوّة والمبادئ".
صناعة الأمن بالدبلوماسية الناشطة
كتبت صحيفة همشهري: "الوساطة هي أحد جوانب الحراك الدبلوماسي لجهاز السياسة الخارجية الإيرانية في العقود الأخيرة، وتعتبر الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى باكستان والهند، والتي كانت إجراءً فعالًا لخفض التوترات، أحد أهم مظاهرها.
في حين يخوض الجهاز الدبلوماسي الإيراني مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، فإن الحراك الدبلوماسي ولعب الأدوار البناءة في مختلف مجالات السياسة الخارجية لا يزال يعتبر أحد الإستراتيجيات الأكثر مركزية التي تدرسها وزارة الخارجية الإيرانية، والتي رافقتها العديد من الرحلات الإقليمية في الأيام الأخيرة.
وفي حين سافر وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقتشي إلى الإمارات يوم الاثنين (أمس)، بحسب وزارة الخارجية، فإن دبلوماسية الـ360 درجة التي تنتهجها طهران مهدت الطريق لتحقيق التوازن الفعال في المنطقة في الأشهر الأخيرة؛ وهو إنجاز ينبغي أن نعتبر دعم الدول الإقليمية لعملية التفاوض بين طهران وواشنطن أحد أهم جوانبه.
وفي ظل هذه الظروف، أصبحت دبلوماسية الوساطة أولوية إستراتيجية أخرى للمؤسسة الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة، وقد حاولت طهران اتّخاذ خطوات مهمّة لخفض التوترات وإعادة السلام إلى المنطقة من خلال الاستفادة من علاقاتها الودية مع إسلام أباد ونيودلهي، في حين أن جهاز السياسة الخارجية الإيراني أظهر في الأشهر الأخيرة، من خلال اعتماد إستراتيجية التعبئة الدبلوماسية، بما في ذلك في مجال الوساطة، أن الجمهورية الإسلامية، على عكس المحاولات الغربية، لديها ما يكفي من العزيمة والإرادة لاتّخاذ خطوات نحو توسيع الاستقرار والأمن في المنطقة. إن نهج طهران في لعب الأدوار في حرب غزّة، والتطورات في شبه القارة الهندية، وجنوب القوقاز، كلها أدلة على هذا الادّعاء.
وعلى الرغم من الموجة المتنامية من الخطابات حول الدور الإقليمي لإيران من قبل محور واشنطن - تل أبيب، مصحوبة ببعض الحكومات الأوروبية، فإن مراجعة الأنشطة الدبلوماسية الإيرانية في الأشهر الأخيرة تظهر تصميم طهران على المشاركة الفعالة في صنع السلام بأقصى قدر على المستوى الإقليمي. إستراتيجية يمكن دراستها في إطار المشاورات الأخيرة".
سردية ترامب المشوهة حول محادثات مسقط
كتبت صحيفة رسالت: "خلال فترة ولايته الأولى كرئيس، اتبعت واشنطن سياسة أصبحت تعرف باسم الاحتواء الأقصى لإيران في أبعاد مختلفة (من برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي إلى برنامجها النووي). وأكد مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، بمن فيهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، مرارًا وتكرارًا أن هدفهم هو التوصل إلى اتفاق شامل ورادع ضدّ إيران.
يمثل ما نشهده اليوم تغيرات في نهج الولايات المتحدة، التي كانت تصر في السابق على ممارسة أقصى قدر من الضغط، حيث تحولت الآن إلى طاولة المفاوضات. ويأتي هذا التغيير نتيجة لسلسلة من العوامل الداخلية والخارجية التي أجبرت واشنطن على إعادة النظر في سياساتها. بمعنى آخر، نحن نشهد فرض نوع من الإكراه الإستراتيجي التكتيكي على الأميركيين، وليس قرارًا مستقلًا وحرًا من واشنطن!
المسألة واضحة: إن سياسة الضغط القصوى، والتي تعني في واقع الأمر استسلام إيران الكامل، غير مقبولة بالنسبة لطهران. وجهت الجمهورية الإسلامية رسالة إلى الأطراف الإقليمية والدولية مفادها أنه في حال اندلاع حرب في المنطقة، فلن تتأثر إيران فحسب، بل المنطقة بأكملها (بدءًا من القواعد الأميركية وصولًا إلى قواعد الطاقة والشرايين والاقتصاد العالمي). وقد وضع هذا الواقع واشنطن أمام معضلة: عدم الاستقرار الإقليمي أو العودة إلى الدبلوماسية.
وهناك عامل آخر يتمثل في إخفاقات ترامب في قضايا أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، وخاصة الحرب في أوكرانيا. حيث وعد بحل الأزمة خلال 24 ساعة وتحويلها إلى إنجاز كبير، لكن ذلك لم يحدث. ويبدو الآن أنه يرى في القضية النووية الإيرانية فرصة لإثبات براجماتيته في السياسة الخارجية. كما أظهرت الحسابات التي أجرتها المؤسسات العسكرية والأمنية الأميركية، بما في ذلك البنتاغون والقيادة المركزية الأميركية، أن حتّى قصف المنشآت النووية الإيرانية لن يكون كافيًا لوقف البرنامج النووي للبلاد. وقد دفعت هذه العوامل مجتمعة واشنطن نحو المفاوضات.
ولذلك، يتعين علينا أن نكون حذرين بشأن الرواية الغربية المغرضة والكاذبة بشأن مبدأ المفاوضات النووية. لو كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موقف ضعف، لما تردّد دونالد ترامب، بسجله في السياسة الخارجية، لحظة واحدة في استخدام الخيارات العسكرية أو التدابير السلبية. لكن الحقيقة هي أن قدرات إيران (من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% إلى القوّة الصاروخية والنفوذ الإقليمي) قد غيرت هذه المعادلة. ولولا هذه القدرات لما أبدت أميركا أي استعداد للتفاوض، ناهيك عن اقتراح إجراء مفاوضات بنفسها. وبحسب المعلومات المتاحة، فإن طلب التفاوض جاء بشكل رسمي وغير رسمي من قبل إدارة ترامب، ولم تقبل إيران العرض إلا بعد أن رأت مؤشرات على تراجع واشنطن. والآن هو الوقت المناسب لاختبار مدى صحة هذا الادّعاء الأميركي على أرض الواقع.