نقاط على الحروف

ضمن أدوات شيطنة المقاومة، وتفريغ مشروعها الجهادي الوطني من مضمونه، تكرار خصومها، أن حزب الله هو مجرد "ذراع" تابع لإيران، يتلقى أوامره منها، ليس لديه مشروع وطني. سردية مضلّلة لطالما حضرت في الدعاية السوداء عن المقاومة تحاول سلخها عن وطنيتها وتقزيم تضحياتها. اليوم تطل برأسها من جديد، مع زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الى بيروت أخيراً، والتي ترافقت مع حملة إعلامية معادية غير مسبوقة، تلاها خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى أربعينية الإمام الحسين (ع)، والذي شكّل محطة مفصلية في مضمونه وسقفه المرتفع تجاه الحكومة وما أقرته أخيراً بشأن سلاح المقاومة. إذاً، كنا في اليومين الأخيرين امام مشهدية إعلامية حاولت التصويب على خطاب الشيخ قاسم أخيراً، وربطه بزيارة لاريجاني، والادعاء أن حزب الله تلقى "جرعة دعم" من الجمهورية الإسلامية وأن "طهران اتخذت قرار المواجهة". وسائل إعلام محلية ربطت بين المحطتين، بهدف تثبيت الدعاية السوداء بحق المقاومة، والادعاء أن حزب الله كان ينتظر الإشارة الإيرانية ليعلي سقف خطابه في الداخل في تناسٍ لمضمون القرار الحكومي الذي يمسّ كيان وأصل وجود المقاومة.
"إيران أعطت أمر الانقلاب على الدولة اللبنانية"!
قناة mtv، كانت من ضمن القنوات المحلية التي حرّضت على زيارة لاريجاني، وأطلقت اوصافاً خارجة عن آداب التعاطي الإعلامي والسياسي. وبعيد خطاب الشيخ قاسم، عمدت المحطة الى ربط بين الزيارة الإيرانية والسقف العالي الذي انتهجه حزب الله أخيراً، لمواجهة القرار الحكومي. يمكن هنا الاستناد الى مقدمة نشرة أخبارها، يوم الجمعة الماضي، عندما ادّعت أن كلام الشيخ نعيم قاسم "يثبت أن الحزب تلقى جرعة دعم وأن طهران قررت المواجهة". ويبدو من مضمون المقدمة أن المحطة امتعضت من تهديد الشيخ قاسم بالتظاهر أمام السفارة الأميركية، فخصت هذه الجزئية بالاهتمام، وأظهرت ولاءها للسفارة عبر الدفاع عنها، إذ سألت بسخرية: "بعد الو عين يهدد"، "بعدما رأينا ما رأيناه في الحرب التي خاضها ضد اسرائيل؟". وأنهت المقدمة بالقول متوجهة الى الشيخ قاسم: "متى تعود الى لبنانيتك فلا يبقى حزبك رهينة إيران؟". في سياق ما دأبت عليه هذه المنصات وغيرها طيلة السنوات الماضية، من تصنيف من هو لبناني وغير لبناني، حتى لو قدم دماءه فداء لهذا الوطن!. وكانت المحطة قد سبقت زيارة لاريجاني بتقرير تحريضي معنون: "هل تفخخ زيارة لاريجاني مرحلة نزع السلاح؟" يتضمن ادعاء أن لاريجاني يأتي الى بيروت في زيارة ليوم واحد "لإسناد حزب الله واعطائه تعليمات خطة الانقلاب على الدولة".
على خط "الجديد" حضر هذا الربط بشكل مباشر، في تقرير إخباري معنون: "هل أعطت إيران حزب الله الضوء الأخضر للتصعيد في لبنان؟". بدوره ربط التقرير زيارة لاريجاني بخطاب الشيخ قاسم، عندما وصف خطاب الأخير بـ"التصعيد" الذي أتى بعد "24 ساعة على زيارة لاريجاني". وحسب التقرير فإن هذين الأمرين "يطرحان علامة استفهام حول ما سمعه مسؤولو حزب الله من الضيف الإيراني". استضاف التقرير في سياق محاولة تثبيت هذه النظرية، القواتي ريشار قيومجيان الذي كرر بدوره معزوفة أن "حزب الله ورقة بيد إيران".! بدوره موقع "المركزية"، لم يجد حرجاً في الربط بين زيارة لاريجاني ومواقف الشيخ نعيم قاسم التي ذهب في مضامينها بعيداً في التأويل وعمل على تفسيرها بشكل خاطئ، كالتهديد بالحرب الأهلية. يمكن هنا الاستشفاف من العنوان: "بعد نصائح لاريجاني.. نعيم قاسم يهدد بتراجيديا دموية". يحاول الموقع هنا من خلال العنوان، الإيحاء بأن إيران قد أعطت الأمر للمقاومة بالانجرار الى حرب أهلية، وهذا طبعاً خلافاً لما قصده الشيخ قاسم في خطابه الأخير اذ وضع خيار المواجهة ضمن الدفاع عن النفس في حال مسّ سلاح المقاومة. يستكمل الموقع هذا الربط وتصوير المقاومة على انها ضعيفة وتنتظر إشارة دعم كقوله: "على مسافة ساعات من نصائح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني التي وجهها للدولة اللبنانية وشعبها بضرورة الحفاظ على المقاومة وضمناً سلاحها، تلقف أمين عام حزب الله نعيم قاسم جرعة الدعم" وخرج اليوم بنبرة عالية مهدداً بأن "لن تكون هناك حياة في لبنان إذا حاولت الحكومة مواجهة الحزب".
خطاب الشيخ قاسم تعبير عن "غضب إيراني"!
بدورها، صحيفة "نداء الوطن"، وضمن سياق تثبيت "تبعية" المقاومة لإيران، نشرت مضامين مشابهة. يمكن ان نستند الى مقال منشور يوم السبت تحت عنوان: "رغم التهديد والتخوين.. الدولة ماضية بخطة حصر السلاح". يربط بدوره زيارة لاريجاني بخطاب الشيخ قاسم بالقول: "بدأت تتكشف مفاعيل الزيارة الأخيرة الى بيروت لأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني وأول الغيث الخطاب التحريضي والتخويني لأمين عام حزب الله". يذهب المقال بالتأويل الى حد تفسير نبرة الشيخ قاسم بأنها تعبير عن "غضب إيراني من المواقف اللبنانية الرسمية الصارمة التي اصطدم بها لاريجاني في زيارته الأخيرة الى بيروت".
سلاح المقاومة والملف النووي الإيراني
هجوم وسائل إعلام معادية للمقاومة، على إيران وعلى مسؤوليها، ضمن حملة إعلامية منسقة، لا يعدو كونه جزءًا من أجندة تسعى الى شيطنة كل مسؤول إيراني زائر لبيروت، حتى لو كان خطابه يحترم حدود السيادة اللبنانية ويرفض التدخل بالشؤون الداخلية كما حال لاريجاني. لكن، يبدو أن الأمر لم يقف هنا، بل تعداه الى ربط قضية سلاح المقاومة بالملف النووي. أعيدت هذه السردية من جديد، هذه المرة عبر شبكة "سكاي نيوز" الإماراتية التي عنونت تغطيتها أخيراً: "ايران تتحدى قرار لبنان التاريخي بشأن سلاح حزب الله.. هل تعيد خلط الأوراق؟". فقد استخدمت الشبكة الإماراتية عبارة "مصادر" لتدعي أن إيران تريد فتح قناة مع الولايات المتحدة الأميركية، بشأن برنامجها النووي، "مستغلة سلاح حزب الله" وسألت: "هل تنجح في هذا المشروع وتعود للواجهة بعد الضربة الأخيرة التي تلقتها؟". في سياق تصوير ومحاولة تثبيت أن سلاح المقاومة هو مجرد ورقة تفاوضية في يد إيران، كما صوّر طيلة الأعوام المنصرمة.