مقالات مختارة

صحيفة الأخبار - راجانا حمية
فازت لائحة «تنمية ووفاء» بكاملها، في الانتخابات البلدية لمدينة بعلبك. لم يكن فوزاً سهلاً في المدينة التي حملت عن محافظة بعلبك - الهرمل ثقل المعركة السياسية الأشرس، التي خاضها الثنائي حزب الله و«أمل» في مواجهة الماكينة السعودية، وبعض القوى المحسوبة عليها من خارج المدينة، والتي توحّدت خلف لائحة «بعلبك مدينتي». هو تحالف خالف كل ما نُسج سابقاً في بعلبك، المدينة التي حافظت طوال الاستحقاقات البلدية السابقة، وحتى النيابية، على الوحدة والتعايش.
لكن، عقب الحرب المدمّرة التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان، وعلى بيئة حزب الله بوجه خاص، دخلت بعض الأطراف الخارجية، وبالتحديد السعودية، على خطّ التحالفات هذه السنة، في محاولة لتغيير المزاج العام في المدينة، فقلبتها رأساً على عقب، وصولاً إلى حدّ التوصية بمنع السنّة الأقوياء من الدخول في لائحة واحدة مع «الثنائي»، ولا سيما مع حزب الله، ما دفع الأخير إلى التأنّي في إعداد لائحة تراعي تمثيل جميع العائلات، كما تأخذ في الاعتبار وزن الأحزاب الحليفة للمقاومة، بما يعوّض خروج حلفاء اعتياديين يمثّلون ثقلاً داخل المدينة، أهمّهم «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية»، كما مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي.
بعد التدخل في التحالفات، تدخّلت السعودية والقوى المحسوبة عليها في المرحلة اللاحقة بالمال الانتخابي، عن طريق شراء الأصوات، كما محاولة شراء أهل المدينة بالإعاشات والمساعدات العينية، التي كثرت في الأسبوع الأخير ما قبل الانتخابات. وما بين الرشى والإعاشات، اشتدّ العصب المذهبي في المدينة، حيث جُنّد عدد من المشايخ لإلقاء خطب في المساجد عن «إثم» التصويت للائحة التي يدعمها الثنائي!
وقد استمرّ الضغط على أهل المدينة من باب «الغيرة على الدين»، حتى كان استحقاق أمس الذي استحال معركة كبيرة، لم تختلف في ظروفها عن المعركة الانتخابية النيابية، لا في الشكل ولا في المضمون. ففي الشكل، ازدحمت مراكز الاقتراع منذ الصباح الباكر بالمقترعين، ولم تفرغ منهم حتى لحظة إقفال الصناديق. وفي المضمون، كان الاستفتاء على الأقوى في المدينة، وقد تبلور ذلك في الإقبال غير المعهود للناخبين، سُنّة بالدرجة الأولى ومن ثم الشيعة. فعلى عكس الإقبال الخجول للمقترعين السنّة في بيروت وقبلها في طرابلس، فاقت نسبة مشاركتهم في بعض الأقلام في بعلبك 70%.
غير أن كل ذلك لم يُترجم فوزاً في صندوق الاقتراع، حيث كانت الفوارق بين آخر الرابحين في لائحة «تنمية ووفاء» وأول الخاسرين في لائحة «بعلبك مدينتي» ما يقارب 5600 صوت، بعد فرز 47 قلماً، فيما كان المتبقّي عند منتصف الليل 20 قلماً.
وليس بعيداً عن المعركة التي دارت في بعلبك، شهدت بلدة دورس معركة سياسية هي الأخرى بين «القوات اللبنانية» الداعمة للائحة «عائلات دورس» من جهة، والتيار الوطني الحر والحزب و«أمل» الداعمين للائحة «أبناء دورس» من جهة أخرى. ولعلّ أهمّ ما في عدّة تلك المعركة هي الصوت المسيحي، الذي عملت «القوات» على استمالته من خلال شدّ العصب... والهدايا. وقد نجحت هذه الأخيرة في تعزيز الحضور المسيحي في الانتخابات، مع بلوغ نسبة المقترعين منهم 45%، على عكس ما كان يحصل سابقاً، إذ لم تكن النسبة تتخطى في أحسن الحالات 30%.
غير أن ذلك لم يوصل لائحة «عائلات دورس» إلى الفوز أو حتى خرق اللائحة المواجهة، لكونها لم تستطع اللحاق بالصوت الشيعي، الذي تخطّت نسبة تصويته 57%، خصوصاً أن عدد المقترعين الشيعة يساوي عدد المقترعين المسيحيين (1300 صوت لكل منهما)، يضاف إليها 1000 صوت من المقترعين السنّة، صبّت أصوات 50% منهم في صالح اللائحة المدعومة من الثنائي والتيار، التي أعلنت في وقت مبكر من ليل أمس فوزها. هو فوز يُحتسب أيضاً من ضمن سلّة الثنائي في محافظة بعلبك ـــ الهرمل، قبل احتسابه فوزاً للتيار الوطني الحر، مع ترجيح أصواته كفّة الميزان في دورس لصالحه.
ما عدا هاتين المعركتين، لم تشهد قرى محافظة بعلبك - الهرمل التي تمثّل الحضن للحزب والحركة أو تلك التي يغلب عليها المكوّن الشيعي أيّ معركة في خانة السياسة. وانحصرت المواجهات التي جرت في عدد من القرى بين لائحتين مكتملتين ضمن الإطار العائلي البحت، ولم تخرج تالياً عن سقف المقاومة. واللافت في تلك المواجهات أن الطرفين استعارا شعارات المقاومة وخاضا المعركة بها في محاولة للتأثير على جمهورهما واجتذاب صوته إلى صناديقهما.
هكذا مثلاً، لم يكن سهلاً التفريق بين صور المرشحين في بلدة مقنة البقاعية وعدّة المندوبين في اللائحتين المتنافستين، حتى في التسمية. ورغم عدم دعم الثنائي لأيّ من اللائحتين، تاركاً القرار للعائلات هناك، إلا أن إحدى هاتين اللائحتين سمّت نفسها «التنمية والوفاء»، وهي التسمية الرسمية للوائح الثنائي، فيما اختارت اللائحة الأخرى عبارة «إنَّا على العهد» التي ميّزت مشهدية تشييع الأمين العام لحزب الله، الشهيد السيد حسن نصرالله.
وفي شمسطار أيضاً، استعار المرشّحون في لائحة «شمسطار بتجمعنا» المنافسة للائحة «تنمية ووفاء» التي دعمها الثنائي (فازت بكامل أعضائها) عبارات «أيقونية» في قاموس المقاومة، مثل «سنخدمكم بأشفار عيوننا» و«إنَّا على العهد» و«أهل الكرامة والوفاء». وفي بدنايل التي شهدت معركة سياسية وليس عائلية فقط، دعم الثنائي لائحة تحت عنوان «تنمية ووفاء» (فازت بكامل أعضائها)، اختار رئيس البلدية السابق علي جواد إسماعيل تسمية لائحته المنافسة بـ«الوفاء للمقاومة».
ولم تكن هذه مجرّد تسميات، وإن كان الغرض في جزء منها استمالة جمهور الثنائي، وعلى وجه التحديد «حزب الله»، بقدر ما هي تسليم بخيار المقاومة. هذا الخيار الذي ذهب به المقترعون في بعض القرى إلى مرحلة الاستفتاء، كما حصل في بلدة النبي شيت، بلدة الأمين العام لحزب الله، الشهيد السيد عباس الموسوي، إذ بلغت نسبة التصويت للائحة «تنمية ووفاء» فيها 81%، وفي حوش الرافقة 64% وتمنين الفوقا 63%، فيما كانت أقل النسب التي تُسجّل في الانتخابات البلدية في قرى المحافظة، المحسوبة على الثنائي هي 40%.
وهي نسب عالية اليوم مقارنة باستحقاقات بلدية سابقة، وهو ما كان لافتاً في مدينة الهرمل والقضاء ككل، حيث تحوّل التصويت للوائح إلى استفتاء لجمهور المقاومة. وإن كان من المبكر الحديث عن نتائج نهائية للانتخابات في مدينة الهرمل، إلا أن المؤشرات تذهب نحو تقدير الفارق بين آخر الناجحين في لائحة الثنائي وأول الخاسرين في اللائحة المواجهة بما يفوق ثلاثة آلاف صوت.
وبعيداً من المعارك القليلة التي اتّسمت بطابعها العائلي في المحافظة، مرّ الاستحقاق أمس في الكثير من القرى بلا ضجيج، كأنّ انتخابات لم تكن. ويعود ذلك إلى أن النتائج في هذه القرى كانت محسومة للتحالف الثنائي، ولا سيما أن عدّاد التزكية استمر حتى ليل أول أمس بالارتفاع، لينتهي بفوز 28 بلدية.
84 بلدية في محافظة بعلبك - الهرمل لم تخرج من يد الثنائي. فبعيداً من تلك التي فازت بالتزكية لصالح لوائح «تنمية ووفاء»، استكمل هذا المسار أمس مع فوز كل لوائح «التنمية والوفاء» في كل البلدات التي شهدت معارك، سواء كانت سياسية، كما في مدينة بعلبك أو عائلية كما في غالبية القرى. وهو دليل عافية، بحسب توصيف المتابعين للشأن البلدي لدى الثنائي، كما هو دليل سيُبنى عليه لاحقاً في استحقاق 2026 النيابي.
«القوات» تخسر رأس بعلبك
كما كان متوقّعاً، لم تستطع لائحة «أهل القاع» المدعومة من التيار الوطني الحر تحقيق أي خرق يُذكر. فالبلدة المحسوبة على «القوات اللبنانية» جيّرت أصوات ناخبيها للائحة «أرضي هويتي لتبقى»، مثبّتة بذلك رئيس البلدية الحالي بشير مطر، وهو عضو الهيئة التنفيذية القواتية، رئيساً لولاية ثانية، مع فوز كامل الأعضاء البالغ عددهم 15 عضواً.
اليوم الانتخابي الطويل مرّ بسلاسة رغم الحماسة التي تظهّرت في نسب التصويت التي وصلت إلى 40%.
هكذا، حمت «القوات» معقلها في المعركة التي كانت سياسية بامتياز، كما حال المعركة أيضاً في منطقة رأس بعلبك، لكنّ نتائجها جاءت مخيّبة لآمال «القوات». فما حصدته في القاع، خسرته في رأس بعلبك، حيث أشارت نتائج الفرز الأولية إلى فوز لائحة «ضيعتنا مسؤوليتنا» المدعومة من التيار وحزب الكتائب والوزير السابق ألبير منصور والنائب السابق سعود روفايل والقنصل حنا روفايل ورجل الأعمال حسان بشراوي بكامل أعضائها في وجه لائحة «نبض رأس بعلبك» المدعومة من «القوات». وبحسب المعنيين، ورغم حماوة المعركة، إلا أن النتائج كانت متوقّعة استناداً إلى الحلف الاستثنائي الذي جمع آل منصور وآل روفايل في سابقة، مضافاً إليه الأحزاب الممثّلة في البلدة.
وفي بلدات دير الأحمر السبع، لم تكن ثمة معارك «كسر عظم»، وإن كانت ثمة حماسة في بعض القرى، حيث اقتربت نسب التصويت من 60%، كما في قرية نيحا - القدام. ويعود ذلك إلى تواجد ناخبين غير مسيحيين، محسوبين على الثنائي، لكنّ الأمر لم يؤثّر في ميزان القوى داخل البلدة، التي فازت بها «القوات»، وكذلك الحال في بتدعي. أمّا في بلدة دير الأحمر التي تضم العدد الأكبر من الناخبين (7600 ناخب)، فقد كانت الانتخابات شكلية ولم تتخطّ نسبة الاقتراع فيها 40%. ويعود ذلك إلى انتفاء المعركة فيها، مع وجود لائحة توافقية مدعومة من «القوات»، في مقابل 3 مرشحين منفردين.