تكنولوجيا

ثورة البحث عبر الـ AI وصلت إلى «غوغل»
المواقع الإلكترونية التي بنت وجودها على الظهور في نتائج بحث «غوغل» وجذب الزوار عبر الروابط تواجه اليوم خطر التراجع في عدد الزيارات
علي عواد- صحيفة "الأخبار"
مع بدايات الإنترنت، اعتاد المستخدمون البحث عن إجاباتهم وسط صفحات مليئة بالروابط التي كانت تعرضها محركات البحث المختلفة في خانة النتائج.
اعتادوا تلخيص كل أسئلتهم في كلمات مفتاحية، لينتقلوا بعدها من صفحة إلى أخرى بحثاً عن معلومة أو تحليل أو حتى خبر سريع. هذا الأسلوب رافق المستخدمين لعقود، ورغم كل التحديثات بقي المبدأ ثابتاً: تطرح سؤالاً، وتحصل على قائمة روابط لملايين المواقع الإلكترونية التي تتضمن نفس الكلمات المفتاحية التي أدخلها المستخدم.
تسارعت وتيرة التطور التكنولوجي في الأعوام الماضية، وبدأ الذكاء الاصطناعي يتسلل تدريجياً إلى كل زاوية من حياتنا الرقمية. ظهر لاعبون جدد مثل «أوبن آي أي» و«أنثروبك» و«بربلكسيتي»، واستطاعوا بسرعة فرض واقع جديد.
بدأ المستخدمون يجرّبون محركات بحث مدمجة بالذكاء الاصطناعي جعلت عملية البحث أقرب إلى دردشة تعطي إجابات مختصرة وسريعة. تحولت عمليات البحث إلى نماذج أكثر تفاعلية وذكاءً، في وقت بقيت «غوغل» مترددة في التحوّل الكبير.
بدءاً من يوم الثلاثاء الماضي، أطلقت «غوغل» على موقعها الشهير ما أسمته «وضع الذكاء الاصطناعي» لجميع المستخدمين في الولايات المتحدة، وهو تغيير جوهري في تجربة البحث.
أصبحت الإجابات تظهر مباشرة على شكل محادثة مع نظام ذكي يفسر الأسئلة، ويستوعب السياق، ويقترح حلولاً وينفذ المهمات. انتقلت عملية البحث إلى مستوى أعمق من الفهم والتفاعل. يمكن للمستخدم أن يطلب من النظام حجز رحلة، شراء منتج، أو إعداد خطة متكاملة، وكل ذلك عبر تفاعل مباشر مع النظام الذكي.
هذا التحول الكبير أتى بعد سنوات من التراجع النسبي لـ«غوغل» أمام المنافسين الجدد. ورغم ريادتها التاريخية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، واجهت الشركة ضغوطاً متصاعدة لتحديث نموذج أعمالها وتقديم تجارب أكثر حداثة وجرأة.
كما ركزت الشركة في مؤتمرها السنوي الأخير على إظهار تفوّق نموذجها الجديد «جيميناي»، وأكدت أن مليارات المستخدمين يستفيدون يومياً من خدماتها.
مع تغيّر تجربة البحث وتحول الإجابات من قوائم روابط إلى ردود فورية تولدها أنظمة الذكاء الاصطناعي، بدأت ملامح أزمة اقتصادية تظهر في الأفق. المواقع الإلكترونية التي بنت وجودها على الظهور في نتائج بحث «غوغل» وجذب الزوار عبر الروابط، تواجه اليوم خطر التراجع في عدد الزيارات.
تعتمد آلاف المؤسسات الإعلامية والمدونات والمتاجر الإلكترونية على حركة المرور القادمة من محركات البحث لزيادة المشاهدات وتحقيق الإيرادات من الإعلانات أو الاشتراكات.
عندما يقدّم الذكاء الاصطناعي للمستخدمين إجابات مباشرة تلبي حاجاتهم من دون الحاجة إلى زيارة المواقع، تتقلص فرص هذه المواقع في جذب جمهور جديد. الأمر الذي من شأنه أن يضرب ميزانيتها التشغيلية وقدرتها على إنتاج محتوى مستقل وذي جودة. ومن المتوقع أن بعض المواقع قد تجد نفسها مضطرة إلى تقليص الإنفاق أو حتى الإغلاق مع بدء انخفاض نسب النقر على الروابط.
على مستوى «غوغل» نفسها، تحضر تحديات غير مسبوقة. تراجع الضغط على الروابط الإعلانية يهدد أهم مصادر دخلها (أحد أبرز أسباب تأخرها في هذا المجال)، ما يدفع الشركة للبحث عن طرق مبتكرة لدمج الإعلانات بشكل طبيعي ضمن سياق إجابات الذكاء الاصطناعي.
تحوّل يفرض على المسوقين وأصحاب الأعمال إعادة التفكير في إستراتيجياتهم، ومحاولة فهم الخوارزميات الجديدة التي تحكم ظهور محتواهم في محرك البحث الذكي.
يتضح اليوم أن المعركة الحقيقية لم تعد تدور حول من يحتل المرتبة الأولى في نتائج البحث، إنما حول كيفية البقاء حاضراً في تجربة المستخدم الجديدة التي تتحكم فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي. المواقع التي ستنجح في التأقلم مع هذا الواقع الجديد، قد تتمكن من إيجاد طرق أخرى لجذب الجمهور والتفاعل معه، سواء عبر تطوير أدوات تفاعلية أو تعزيز حضورها عبر منصات السوشال ميديا، بينما سيضطر آخرون إلى إعادة هيكلة أعمالهم بالكامل لمواكبة التحولات المتسارعة.