لبنان
بين الثبات والتبدّل... انتخابات حاصبيا ومرجعيون ترسم ملامح الجنوب السياسية
لم تكن هذه الانتخابات البلدية والاختيارية مجرّد استحقاق إداري، بل جاءت لتكشف عن تبدّلات في المزاج الشعبي وثبات في موازين القوى.
هُنا الجنوب وهُنا علا صوت الوطن في وجه العدو، حيث اختلطت السياسة بالتاريخ، والصوت الانتخابي بروح التحدي والصمود. فعلى مدى يوم انتخابي طويل في أيار/مايو 2025، كانت صناديق الاقتراع في قضائَي حاصبيا ومرجعيون وبلدات العرقوب شاهدة على حيوية ديمقراطية ميدانية، تماهت مع خصوصية الجنوب في رمزيته الوطنية والسياسية.
لم تكن هذه الانتخابات البلدية والاختيارية مجرّد استحقاق إداري، بل جاءت لتكشف عن تبدّلات في المزاج الشعبي وثبات في موازين القوى، مع إشارات لا يمكن تجاهلها حول الجهات التي بدأت تحجز مكانها بثبات في الحقل السياسي المحلي كما أبرزت نتائج بلدة حاصبيا، لجهة تَقدُّم لافت للانتباه للائحة المنافسة للائحة القوى السياسية الفاعلة وأبرزها الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الديمقراطي والحزب القومي، حيث حازت اللائحة المنافسة لكل تلك القوى ما يقارب ثلث الأصوات.
وفي السياسة، فإنّ هذه الأرقام والنتائج لها اعتبارها الكبير، لا سيّما إذا ما نظرنا إليها بعين الانتخابات النيابية المقبلة التي تُحْتَسب نتائجها على قاعدة النسبية وليس الأكثرية.
بين انتخابات 2016 و2025: ماذا تغيّر؟
تُظهر المقارنة مع انتخابات عام 2016 أنّ الصورة العامة بقيت مستقرّة من حيث حضور الأحزاب التقليدية، لكنّ التفاصيل تكشف عن تغيّرات لا يمكن تجاهلها:
- في مرجعيون، حافظت لوائح "التنمية والوفاء" (المدعومة من حزب الله وحركة أمل) على حضورها وتأييدها ولو أنّ طابع الانتخابات البلدية والإختيارية تأخذ طابعاً عائليًا أكثر منه سياسي. وقد تحوّل هذا الاستحقاق في عدد من البلدات إلى نافذة تعبيرية عن الدعم الكبير لنهج المقاومة وقيادتها. كذلك، تحوّلت ساحات وباحات مراكز الاقتراع فيها إلى ملتقى ومكان يجمع أهل البلدة في أجواء عُرسية متّسمة بالفرح والبهجة، بما فيهم المنافسون للوائح التنمية والتحرير الذين كانوا يؤكدّون دعم خيار المقاومة. وما مشاركتهم كمنافسين في هذا الاستحقاق إلّا تعبير عن رغبة في العمل العام وخدمة الناس أو تعبير عن اعتراضات فردية محدودة.
- في حاصبيا، كانت التزكية أقل حضورًا، ممّا يشير إلى دينامية انتخابية أكثر حيوية. وهذا الفارق بين القضاءين يكشف عن مساحات سياسية مختلفة في الجنوب. فبينما يظل قضاء مرجعيون في إطاره السياسي الداعم للمقاومة والتحالف بين الثنائي، تبدو حاصبيا أكثر تقبُّلًا للتغيير والتجربة.
- بلدات العرقوب مثل شبعا، كفرشوبا، الهبارية، شهدت معارك انتخابية حماسية، تخلّلها تنافس بين اللوائح العائلية والمستقلّة من جهة، واللوائح المدعومة من الأحزاب التقليدية من جهة أخرى، في مشهد أعاد خلط الأوراق، برغم دخول بعض المغتربين على خط التنافس في محاولة لإحداث فارق في النتائج والخروج من الرئاسات التقليدية في هذه البلدات، مع محاولة للجماعة الإسلامية التأثير وحجز مكان لها في بعض البلديات كما في شبعا وكفرشوبا والخبارية.
التزكية: نتاج التوافق
ويشير فوز لوائح بالتزكية، خصوصًا لوائح "التنمية والوفاء" في بلدات مرجعيون، إلى قدرة حزب الله وحركة أمل على تنظيم صفوفها وفرض حضورها من دون خوض معارك انتخابية. لكنّ هذا الفوز يحمل وجهًا آخر: التأكيد على أنّ اللعب في ساحة الثنائي إعلاميًا وعبر بروباغاندا عسكرية وأمنية "إسرائيلية" وأخرى داخلية لا تُؤتي أكلها مع الجنوبيين.
في المقابل، كان الإصرار الشعبي في بلدات مثل الخيام، حيث أُجريت الانتخابات الاختيارية برغم التزكية في البلدية، دلالة على تمسُّك الأهالي بحقهم في التعبير السياسي، ولو من بوابة المخترة، ورسالة عميقة إلى كل من تُسوّل له نفسه بإبعاد أهالي الخيام عن مدينتهم بأنّ أهلها سيعيدون الحياة إلى بلدتهم ولو على الركام.
وزير الداخلية في الجنوب: بين الأمن والرمزية
حملت زيارة وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار إلى مراكز الاقتراع في شبعا وحاصبيا أبعادًا لافتة للانتباه، لا سيّما أنّ الزيارة تزامنت مع ذكرى عيد المقاومة والتحرير. ففي تصريحه من شبعا، أثنى الوزير على حُسْن سير العملية الانتخابية، مؤكّدًا أنّ الجنوب يقدّم نموذجًا متقدّمًا في الأداء الديمقراطي. ووجّه تحية خاصة إلى الجنوبيين، متوجّهًا بالمعايدة إلى كل اللبنانيين لمناسبة عيد المقاومة والتحرير.
تغيُّر المزاج الشعبي: أي ملامح؟
برغم استمرار القوى التقليدية في تَصدُّر المشهد، إلّا أنّ المعركة هذه السنة كشفت عن مؤشّرات لتحوُّل جزئي في وعي الناخب الجنوبي، ظهرت كالتالي:
* زيادة في عدد اللوائح المستقلّة في حاصبيا وبعض قرى مرجعيون (المسيحية تحديدًا)
* مشاركة لافتة من نساء وشباب في اللوائح.
* تَصاعُد الخطاب الإنمائي على حساب الشعارات السياسية كما حال بلدات قضاء حاصبيا، وهو ما قد يُمهّد لتوسع قاعدة "الناخب الواعي" الباحث عن خدمات ومساءلة، لا فقط عن ولاء حزبي.
من بدأ يُحسَب له حساب؟
بدأ بعض القوى الجديدة والمجتمع المدني تظهر في المشهد. وبرغم تواضع نتائجها، إلّا أنّ جرأة الترشّح والتمايز في الخطاب كسر الحواجز النفسية لدى بعض الناخبين، وهي نقطة تحوّل لا يمكن الاستهانة بها.
الخلاصة: الجنوب بين الرمزية والتحدّي
ليست انتخابات حاصبيا ومرجعيون 2025 استحقاقًا محليًا فحسب، بل مرآة لتحوّلات الجنوب. فهي تؤكّد أنّ الجنوب باقٍ على عهده في الولاء للمقاومة، هو جنوب المقاومة.
وهكذا، وتحت أنظار الرادار "الإسرائيلي"، ومن على تراب مُشبَع بالدماء الزاكية للشهداء، قال الجنوبيون كلمتهم مجدّدًا: "نحن المقاومة ونحن التحرير".