مقالات مختارة

يوسف الشيخ- موقع المقاومة الإسلامية
تعتبر عملية اقتحام موقعي علمان الشومرية الأولى في 18 نيسان/إبريل1987، واحدة من أكثر العمليات تحضيرًا وإعدادًا من قبل المقاومة الإسلامية في لبنان بمرحلة الثمانينيات، فهي تطلبت 7 أشهر من الإعداد، منذ كانت فكرة وطرحًا قدمه الشهيد القائد أحمد علي شعيب.
ورغم أن الاستعداد المشارك فيها تجاوز سريتين معززتين من المشاة أي ما يفوق الـ 200 مجاهد، جلّهم من مجاهدي التعبئة العامة، إلا أن معظمهم كان مختارًا بعناية، وخضعوا لمرحلة اختبار في معسكرات التدريب، أحدها وأهمها في بلدة الشرقية الجنوبية، قرية الشهيد القائد أحمد شعيب الذي قام بتدريب واختبار عشرات العناصر الذين شاركوا في العملية طيلة صيف العام 1986.
ويمكن الجزم أن الزيارات المتكرّرة للسيدين الشهيدين سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي (قدس) وسيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (قدس) في ذلك الصيف لمعسكر الإمام الحسين (ع) في الشرقية، كان بهدف الاطلاع على الزرع الجليل الذي أخذ الشهيد القائد أحمد شعيب ينشئه مازجًا فيه روحه العاشقة بأرواح متدربيه، حتّى صاروا روحًا كربلائية واحدة تجمعت في أجساد العشرات من رجال الله في تلك المرحلة من البدايات في قرية الشرقية التي كانت معسكرهم الحسيني الأثير للسير على طريق مملكة عشقهم الكربلائية إلى أحد أصعب المواقع الصهيونية الرابضة على بعد كيلومترات على صدر الوطن فوق مجرى الليطاني ووادي الحجير.
الميزة في المعسكرات التي صُقل فيها المشاركون في عملية علمان الشومرية أن بلدة الشرقية وأخواتها مزجت الروح باللياقات العسكرية، فصار المتخرج منها يحمل رتبة مجاهد على طريق القدس، لا يعرفه إلا ربه، مجهولًا في الأرض معروفًا في السماء.
ربيع العام 1986 أقرت قيادة المقاومة الإسلامية خطة توسيع العمليات في البر والبحر ضدّ العدوّ والانتقال إلى المرحلة الثالثة من البرنامج الجهادي لتحرير لبنان من محتليه، وهي رفع مهاجمة المواقع الصهيونية مباشرة إلى مستوى الأولوية القصوى. تم ذلك بعد اطمئنان القيادة أن العدد والعدة باتا يلبيان متطلبات المرحلة الثالثة؛ فقد خضع المئات من المجاهدين لدورات تأهيل وتطوير وبدأت تتأسس تشكيلات بأعداد مناسبة من الاختصاصات اللازمة للأعمال النوعية المقررة والتركيز على الوجود الصهيوني في الشريط المحتل.
وكما أسلفنا في مقالات سابقة وثقنا فيها عمليات نوعية مماثلة، فقد كانت تلك المتغيرات في أداء المقاومة تطويرًا وتحسينًا وإدامة ردة فعل طبيعية على فرار العدوّ الثاني من قسم كبير من جنوب لبنان والبقاع الغربي (من تخوم صيدا وحتّى الشريط الحدودي المحتل) صيف العام 1985. وللتذكير فقط فإن العدوّ أقر بعد انسحابه مجموعة كبيرة من الإجراءات والتدابير العسكرية تماشيًا مع عقيدته القتالية الجديدة في لبنان التي أسماها: "قتال منخفض الشدة في المنطقة الأمنية".
قام العدوّ بتعديلات على خططه السابقة للعام 1985، وأنشأ محميات أمنية وعسكرية في لسان جغرافي منغرس في المناطق المحررة، يبدأ من قلعة الشقيف مرورًا بمنطقتي العيشية والريحان وصولًا إلى جزين، وينعطف شرقًا باتّجاه المرتفعات الغربية للبقاع الغربي، ليؤمن منطقة عسكرية عازلة ومشرفة على المناطق المحررة، وذلك لغرض وحيد وهو حماية مستعمراته الأمنية الشمالية من المطلة إلى شلومي، ومنع التسللات وتأمين حركته في الشريط الحدودي المحتل الممتد من شبعا وحاصبيا شرقًا إلى البياضة والناقورة غربا، ومن أجل هذا الهدف استحدث العشرات من المواقع الحصينة والبؤر الاستيطانية العسكرية في ذلك اللسان الجغرافي، والتي دعمها بالدبابات ومدافع الميدان وأجهزة الكشف الحرارية والرؤية الليلية، رابطًا بينها بشبكة من الطرق العسكرية المؤمنة بطائرات الاستطلاع غير المأهولة من أنواع عديدة أهمها طائرات (سارشر1 وسارشر2) وطائرات القتال الهجومي المروحية من نوع (كوبرا)، ونظام قيادة وسيطرة ومعلومات قادر على استدعاء الطيران الحربي من نوع F16.
وتميّزت عملية دفاع العدوّ عن هذه المواقع المستحدثة بمجموعة من التكتيكات:
1ــ الدفاع الثابت: تؤمنه شبكة من 4 بطاريات مدفعية ومدافع الــ 120 ملم، فضلًا عن مئات الدشم المجهزة برشاشات متوسطة وثقيلة من طرازي "ماغ" 7.62 و"براونينغ" 12.7 ملم. ومدافع عديمة الارتداد من طراز 75 و106 ملم، ومئات أجهزة المراقبة والكشف الإلكترونية، وتحصينات ودشم أسمنتية وكونكريتية، وسواتر وأسلاك شائكة، وخنادق وجدران دفاعية.
2ــ دفاع متحرك: تؤمنه أسراب من الطائرات الحربية والمروحية القتالية وعشرات الدبابات من طراز ميركافا 1 و2 وملالات مجنزرة من طراز M113 وعربات نصف مجنزرة من طراز M3 HALF - TRACKS وآلاف الجنود فضلًا عن تجهيز معظم المواقع بمهبط للمروحيات.
3ــ الدعم المتقابل: وذلك بأن يراقب كلّ موقع منطقة الرؤية الممتدة حتّى الموقع الذي يقابله.
4ــ دوريات الاستطلاع المتوسط والعميق: داخل صفوف الخصم لتأمين معلومات عسكرية ميدانية فورية عن التهديدات.
فرض الانتشار الجديد على العدوّ تغيير الطواقم القيادية الوسطية والعليا، أو إعادة تأهيلها وتبديل وتغيير الألوية والأفواج المنتشرة بألوية جديدة أكثر احترافًا وقدرة على التعامل مع القتال الجبلي، وإعادة تنظيم وتأهيل جيش لحد العميل ورفع كفاءة عناصره وضباطه القتالية لتتواءم مع المهمّة الجديدة.
استعانت القيادة العسكرية الصهيونية بقوات مشاة نخبوية لأجل تحقيق هذا الغرض من وحدات غولاني والمظليين، واستعانت أيضًا بألوية جفعاتي وناحال وكتائب دبابات من الفرقة 36 (لواء غولاني واللواء 188 المدرع ) ومن الفرقة 162 (لوائي ناحال وجيفعاتي واللواء 401 المدرع).
كان هذا النوع من الانتشار يتطلب قائدًا من سلاح المشاة جرى اختباره، ويمكنه إعادة تنظيم العلاقة بين الألوية والأفواج، ويتمتع باللياقة العسكرية والتجربة التي تمنحه أهلية إدارة هكذا قوات فاختير العميد المظلي "يوسي بيلد" قائدًا للمنطقة الشمالية.
جاء اختيار "يوسي بيليد" لتجربته القريبة التي قاد فيها فيلقًا متنوع الاختصاصات في الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 سمّي باسمه "فيلق بيليد"، تولى مهمّة عسكرية صعبة في الاجتياح وهي الزحف بنصف القوات الصهيونية الغازية تقريبًا عبر الجبال والمنطقة الشرقية لجنوب لبنان والبقاع الغربي إلى تخوم بيروت الشرقية.
في بداية حزيران/ يونيو 1986 ومع تكيلف "يوسي بيليد" شهدت المنطقة الشمالية في عهده الذي جاء بعد سنة من الانسحاب الثاني تحولًا نحو التقرب الهجومي من مناطق المقاومة، واستخدام القوّة القاتلة، فضلًا عن إطلاق تكتيك ومفهوم دفاعيين جديدين في القتال هما "تكتيك السحابة المدفعية" و"تدبير هنيبعل"، وكلاهما ابتدعا ليخدما غرضًا واحدًا وهو عدم الانكسار أمام قوات المقاومة التي بدأت منذ أيلول/ سبتمبر من العام 1986 تنفذ المرحلة الثالثة من إستراتيجيتها، وهي اعتماد أسلوب الإغارات الكبيرة على المواقع الحصينة التي كانت تسفر عن اكتساح الاستعداد المهاجم من المقاومين للقوى المدافعة عن المواقع، وقد طبقت المقاومة هذا الأسلوب الناجح في 6 عمليات نوعية كبرى هي:
1 ــ عملية الحقبان في 11 - 9 - 1986 والتي كانت العملية الأخيرة على الموقع الصهيوني اللحدي المشترك، وتسببت نتائجها باندحار العدوّ عن الموقع وتلة الخزان المتاخمة.
2 ــ عملية سجد - بئر كلاب في 18 - 9 - 1986 والتي أبادت فيها المقاومة الإسلامية حامية الموقعين.
3 ــ عملية لوسي السريرة في 3 - 12 - 1986 والتي طبقت فيها المقاومة نفس المبدأ السابق في سجد - بئر كلاب أيضًا.
4 ــ عملية موقع برعشيت في 2 - 1 - 1987 حيث سحق رجال المقاومة بسرعة موقعي العدوّ القديم والمستحدث.
5 ــ عملية علي الطاهر النوعية في 7 - 2 - 1987 التي استشهد فيها الشهيد القائد سمير مطوط (الحاج جواد) وشهدت تطهيره بالكامل والسيطرة عليه لفترة زمنية.
لتأتي عملية علمان الشومرية العمل النوعي السادس في سلسلة العمليات التي أطلقتها المقاومة منذ أيلول/ سبتمبر 1986. وكانت أيضًا أكثر العمليات الست تعقيدًا، فالموقعان يتربعان على هضبة شديدة الوعورة ارتفاعها حوالي 440 مترًا يحدها من الجنوب وادي الحجير وموقعا القنطرة والعزية ومن الشمال تشرف بالرؤية والرماية على مجرى نهر الليطاني ومجموعة من القرى والبلدات المحررة شمال نهر الليطاني، ومن الشرق موقع الطيبة العسكري الصهيوني الذي يؤمن دعمًا متقابلًا لموقع علمان عسكريًا تعتبر هضبة علمان الشومرية مانعًا طبيعيًا يفصل المناطق المحررة شماله وغربه عن الشريط الحدودي المحتل وخصوصًا منطقة مسؤولية اللواء الشرقي في الجانب المحتل.
(*) في الحلقة الثانية تتابعون: المميزات التكتيكية والتعبوية لموقعي علمان والشومرية والعمليات الخداعية