مقالات

في عالم السياسة الدولية، لا تكون التحركات العسكرية مجرد تموضع ميداني، بل رسائل إستراتيجية موجهة إلى أطرافٍ متعددةٍ. ومنذ 8 كانون الأول 2024 يوم سقوط الدولة في سورية، لم يشهد مطار القامشلي، في شمال الشرق السوري، مثل هذه التحركات غير المعتادة للقوات الروسية، حيث جرى نقل تعزيزاتٍ عسكريةٍ دفاعيةٍ وتجهيزاتٍ لوجستيةٍ نوعيةٍ. وهذه التحركات لا يمكن قراءتها إلا في سياقٍ معقدٍ يتداخل فيه المحلي بالإقليمي والدولي. تعقيبًا على ذلك، يعتبر مرجع دبلوماسي وسياسي سوري كبير، أن "هذه التحركات، لا تشكّل تغييرًا نوعيًا في الدور الروسي في سورية، بل تذكيرًا به، أي إثبات وجود لموسكو، في شمال شرق البلاد السورية، نظرًا لأهمية موقع مدينة القامشلي الجغرافي، كونها تشكّل المثلث السوري- العراقي- التركي، مقابل مثلث التنف السوري- العراقي- الأردني، في جنوب شرق محافظة حمص، والذي تسيّطر عليه أي (مثلث التنف) القوات الأميركية. ويلفت إلى أن "وجود القوات الروسية في مطار القامشلي، قديم وقوي، كذلك فإن الدور الروسي حاضر وفاعل في منطقة القاملشي، تحديدًا حين نجح في تحقيق مصالحاتٍ عديدةٍ، بين الجيش العربي السوري المنحلِّ راهنًا، وبين "قوات سوريا الديمقراطية- قسد" التي يغلب عليها الطابع الكردي". ويلفت المرجع عينه إلى أن "الوجود الروسي قائم ومستمر في سورية، حتى بعد سقوط الدولة فيها"، مذكرًا بأن "اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، والذي شكّلته روسيا، وكان منتشرًا في محافظة درعا، هو من دخل العاصمة السورية دمشق، إثر سقوط الدولة في الثامن من كانون الأول الفائت 2024، قادمًا من درعا، قبل وصول مسلحي جبهة النصرة القادمين من حمص، بقيادة أبي محمد الجولاني، بنحو سبعٍ إلى ثماني ساعات تقريبًا".
ويؤكد المرجع أن "هذا الدور الروسي مهم، وضاغط، من أجل الحفاظ على وحدة سورية"، مرجحًا أن "موسكو لن تنسحب من هذا الدور، خصوصًا في ضوء الإنجازات العسكرية التي يحققها الجيش الروسي، على الجبهة الأوكرانية، لذا فإن روسيا باتت مرتاحةً في تلك الجبهة، وبالتالي، صار بإمكانها راهنًا الاهتمام بأوضاع بلدان أخرى كسورية"، يختم المرجع.
غير أن مرجعًا في العلاقات الدولية يجزم بأن "التحرك الروسي في القامشلي، ليس مجرد إثباتٍ للوجود، بل يحمل أي "التحرك"، رسالةً عسكريةً للأوروبيين والأميركيين معًا، بأن الوجود الروسي باقٍ في سورية، وأن موسكو "لا تنام على حرير"، إثر "مبادرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية النزاع الروسي- الأطلسي، في أوكرانيا، حتى ولو جاء التصعيد الأخير ضد روسيا، من الاتحاد الأوروبي، إن لجهة محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستهداف مروحيته العسكرية، خلال توجهه إلى مدينة كورسك الروسية، في زيارةٍ تفقديةٍ لجبهة القتال هناك، في الأيام الفائتة، أو لناحية الهجوم المسلح الذي شنّه مسلحو الجولاني، على قاعدة حميميم، في اللاذقية، إثر زيارة الأخير لفرنسا، ورفع العقوبات الأوروبية عن سلطته، شرط إخراج الروس، من سورية". ويرجّح المرجع أن "الهجوم على حميميم، ما كان ليحدث، دون "قبة باط" أميركية، لذا جاء التحرك الروسي في القامشلي، "كرسالة توزان ردعٍ"، مع المحور الغربي، وردًا على كل ممارساته العدوانية تجاه موسكو، من كورسك إلى حميميم"، يختم المرجع.
أما مصادر المعارضة السورية للحكم السابق، فلا تعطي من جهتها أهميةً للتحرك الروسي المذكور آنفًا. وتلفت إلى "أنه جاء إثر توجه الإدارة الأميركية إلى تخفيف عديد جنودها على الأراضي السورية، خاصة في شرق البلاد، عندها، عززت موسكو وجود قواتها، في مطار القامشلي، كإثبات للوجود والدور الروسي في سورية، غير أن ذلك، لن يؤدي إلى أي تغييرٍ في التوازنات القائمة فيها راهنًا، أي بعد سقوط الدولة"، تختم المصادر.