تحقيقات ومقابلات

حسن علاء الدين.. مسعفٌ برتبة شهيد
كرّار: نداء الحياة في الميدان.. ونداء السماء في الشهادة
لم يتجاوز الثامنة عشرة، لكنّه تجاوز أعمار الرجال بشجاعته وروحه الوثّابة في ساحات الواجب. الشهيد حسن قاسم علاء الدين، ذاك الفتى الذي حمل ضماداته كما يحمل المجاهدون سلاحهم، وجعل من جسده النحيل درعًا للضعفاء والجرحى، فكان حيث يناديه الواجب، لا يردعه السنّ ولا يُثنيه الخطر.
في أروقة الهيئة الصحية، وفي أزقّة بلدته سحمر البقاعية، وعلى خطوط التماس مع العدو، لم يكن حسن مجرّد مسعف، بل كان تجسيدًا حيًّا لقيمة "الخدمة في سبيل الله"، يؤمن بأنّ إسعاف جريح، أو مساندة مريض، أو مواساة منكوب، هو جهادٌ لا يقلّ عن ميادين القتال. وعلى الرغم من حداثة سنه، كان محلّ ثقة كبار القادة وموضع فخر زملائه ورفاقه.
استُشهد حسن في مركزه الطبي الذي تحوّل إلى ساحة عزّ، بعدما استهدفه العدو بأكثر من غارة صهيونية، ليكتب بدمه وصية الأوفياء: أن تكون في خدمة الناس، هو الطريق الأقرب إلى الجنة.
كرار.. شهيدٌ بوجه ضاحك وقلب نابض بخدمة الناس
من رحم البقاع، من بلدة سحمر تحديدًا، خرج حسن قاسم علاء الدين إلى الحياة في 31 آب/أغسطس 2006، حاملًا معه طباعًا لم تكن عادية، بل هي إرهاصات روح خُلقت لتسلك دربًا استثنائيًا.. درب الشهداء.
في مسيرته القصيرة، تنقّل حسن من مرحلة الطفولة البريئة إلى صفوف الكشافة، ومنها إلى الميدان الإنساني في الهيئة الصحية الإسلامية، حيث بات "المسعف كرار"، ذاك الفتى الذي عرفته بلدته وكل من تعامل معه، بأنه العون السريع، واليد الحانية، والبسمة التي لا تغيب عن محيّاه.
"همّه كان خدمة الناس"، تقول والدته زينب شعشوع لموقع "العهد" الإخباري، وتصفه بالابن الذي لم يعرف الراحة طالما أنّ هناك مريضًا أو محتاجًا أو مسنًا ينتظر من يطرق بابه.
تحكي الأم عن ابنها الشهيد بعينين يملأهما الإيمان والفخر، فهو لم يكن فقط مسعفًا، بل كان صاحب قضية، متشبّعًا بثقافة الجهاد والمقاومة، مؤمنًا بأنّ الواجب يتجاوز حدود الحياة اليومية ليطال قضايا الأمة والحق والعدالة لا سيّما قضية فلسطين. كان يحلم أن يكون جنديًا في ركاب الإمام المهدي (عج)، وكان يرى في كل فعل إنساني مقدمة لمعركة كبرى عنوانها نصرة المستضعفين.
يوم الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2024، توقّف قلب "كرار"، لكنه توقف على طريق العطاء، وعلى درب من ساروا قبله من الشهداء الذين أحبهم واقتدى بهم. ارتقى جسده، لكن روحه بقيت حيّة بين أبناء بلدته وكل من عرفه، تُنبئ بأن هناك من يواصل المهمة بإيمان ثابت وابتسامة لا تموت.
كرار.. شهيد الإنسانية
في ليلة دامسة من ليالي أيلول، لم تكن سحمر على موعد مع السكون. عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، تسلّلت طائرات العدو فوق البلدة، وانهالت بالصواريخ على مركز الهيئة الصحية الإسلامية، حيث كان الشهيد حسن قاسم علاء الدين "كرار"، يؤدي واجبه الإنساني، محاطًا برفاقه. استهدفتهم غارات مركزة، كأنّ آلة الحرب الصهيونية قرّرت أن تنتقم ممَّن يضمّد الجراح.
تسرد الوالدة، زينب شعشوع، تفاصيل تلك الليلة بقلق الأم وحرارة الذكرى: "أصيب حسن في القصف، أُجريت له عمليات عاجلة في مستشفى سحمر، ثم نُقل إلى مستشفى البقاع للعناية، لكنه لم يمكث طويلًا... دقائق فقط، وفارق الحياة".
وتكمل الرواية بكلمات موجعة: "عندما استُشهد، لم يخبرني والدي فورًا، رغم أنّ الجميع علم. انتظر حتى أذان الفجر، حينها أيقظوني، شعرت بغصّة، سألتهم: حسن صار معه شي؟ أخبروني أنّ الهيئة الصحية استُهدفت، وأنّ الجميع استشهدوا، لكن حسن لا يزال يتلقى العلاج. هرعت إلى المستشفى. كان لا يزال حيًا، لكن لم تمرّ دقائق حتى أسلم الروح في تمام السابعة والربع صباحًا".
وعن وصيته، تذكر والدته: "دائمًا كان يوصينا أن نبقى أقوياء.. لم يكن حديثه إلا عن الشهادة، عن لقاء الأحبة من الشهداء.. آخر مرة كلّمته فيها قبل يومين من استشهاده، قلت له: انتبه على حالك. أجابني بابتسامة واثقة: الله ييسر أمري".
رفيق الدرب يروي: وصية حسن لا تزال تنبض فينا
"كان خير رفيق وخير سند"، بهذه الكلمات استهلّ صديق الشهيد حسن علاء الدين حديثه، مسترجعًا ملامح الفتى الذي لم يكن مجرّد مسعف أو رفيق، بل شعلةً من العزيمة تتّقد في أصعب اللحظات. حسن، كما يصفه، كان يبثّ الحماسة في قلوب رفاقه، يرفع من معنوياتهم عندما تشتدّ الظروف وتضيق الدروب.
لم تكن شهادته نهاية، بل بداية لطريق أقسم أصدقاؤه على إكماله. يقول صديقه: "هذا الطريق سنكمله، لو قتلنا جميعًا ولو دُمّرت بيوتنا، هذه وصية حسن. انظروا إلى دمائنا وأكملوا الطريق". لم تكن كلمات وداع، بل إعلان التزام بالمضيّ على درب الشهداء.
كان حسن شجاعًا، صبورًا، بصيرًا، وقد ترك أثرًا لا يُمحى رغم صِغر سنّه. فراقه كان صدمة عظيمة، خاصة لمن اعتاد حضوره المتألّق في السهرات، والمسيرات، والمسجد، والكشافة، وبين الرفاق. في كل مكان كان حاضرًا، بابتسامته، بطاقته، وبأخلاقه.
واليوم، لا يُذكَر حسن إلا مقرونًا بالوصية: "حافظوا على النهج، وعلى خصاله الجميلة"، وليكن قدوةً في روح المبادرة والتضحية، كما أراد دومًا.
في حضرة الشهداء: حسن.. ذاكرة لا تموت ووصية لا تُنسى
"في كل مكان نستذكر حسن"، هكذا وصف أحد رفاق الشهيد حضوره الدائم في تفاصيل الحياة اليومية، لا سيما في ميادين الخدمة والعطاء. يتحدث الرفيق عن حسن كمنارة لا تُطفأ، حاضرة في إزالة الأذى من الطرق، في إسعاف الجرحى، في خدمة المرضى والمسنين، وفي كل عمل نُوي به وجه الله.
ذاكرة حسن لم تُختصر بلحظة استشهاد، بل تحوّلت إلى مدرسة في الحب والالتزام والإخلاص. يؤكد رفيقه أنّ صور الشهداء يجب أن تُنقش في كل زاوية، كي لا ننسى عطاياهم ونظل نحدّث عنهم في مجالسنا وجلساتنا، لا حبًا بالحزن، بل وفاءً لأرواحٍ نذرت نفسها في سبيل الحق.
يرى هذا الرفيق أن كشافة الإمام المهدي هي خزان المقاومة، وقد نالت وسام الشرف باستشهاد قادتها، ومن بينهم حسن، "قائدنا العزيز"، كما وصفه. ويتابع: "تعلّمنا من حسن كيف نعيش أعزاء أو نموت مكرّمين، بعبق الشهادة".
ختامًا، يؤكّد أنّ تخليد ذكرى الشهداء والتزام وصاياهم ليس مجرد عرف، بل أقلّ الإيمان، وأقدس الواجبات تجاه من وهبوا دماءهم الطاهرة ليبقى الوطن عزيزًا.