اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي وزير الحرب من مستوطنة "شا نور": لحظة تاريخية للاستيطان وردًّا على ماكرون

مقالات

الانتخابات البلديّة فولكلور الدولة على ركام المواطن والوطن
مقالات

الانتخابات البلديّة فولكلور الدولة على ركام المواطن والوطن

405

شكَّلت الانتخابات البلديّة محطةً مهمّة في المشهد اللبنانيّ، لا لكونها عمليّة انتخابيّة تقليديّة فحسب، أيضًا هي مرآة عكست هشاشة المساعي الإصلاحيّة التي يتصدّرها رئيس حكومة لا يفقه من ضمير المواطنة ما يحول دون النيل من أسباب عزّة الوطن.

جرت الانتخابات بعد تأجيلات متتالية، بسبب تعسُّر إجرائها خلال السنوات الماضية، ومدّدت ولاية المجالس البلديّة تحت ذرائع مختلفة، ومنها نقص التمويل الحكوميّ.

ليس بعيدًا عن نقاء الإنجاز الوطنيّ المقاوم في هذا الاستحقاق، وزغاريد اللائقين بالفوز ولا سيّما المواطنين الذين قدّموا أمثولة العبور نحو التزكية بالتوافق المشرّف، وتساميهم فوق خدعة "الديموقراطيّة" وإفرازاتها الوظيفيّة كأداة عمياء عن الرضا والقبول بين الحاكم والمحكوم، وتعاليهم فوق الإلهاء بما هو دون القضايا الكبرى والتحوّلات "الجيوسياسيّة" الخطيرة، ثمّة حكاية لا يمكن إغفالها، وهي انسحاق بعض رموز السلطة أمام جرائم العدوان الصهيونيّ والأوامر الأميركيّة.

إذ إنّ جدول الأولويّات عندما يتخلّف عن مواجهة العدوان ورصّ الصفوف بالتمسّك بعناصر الوحدة الوطنيّة وتكامل ثلاثيّة القوّة بالمقاومة لا بالضعف والمساومة، يبقى جدول أعمال خائب، يعاني الجهل والعجز والانسداد، ولا يعوّل عليه.

ليس بعيدًا عن مشاهد العزّة والصبر والثبات على عهد المقاومة، كما أظهرها المجتمع اللبنانيّ المقاوم، وتصدّرها حزب المقاومة على امتداد الطوائف والمناطق، وأمام الصورة التي تقاوم مخرز الطغاة، والحبر الذي زيّن ما تبقى من بصمة جرحى "البيجر" على وفاء لا مثيل له للشهداء والصمود الإعجازي الكبير للمقاومين في معركة "أولي البأس"؛ لا بأس من كلمة حق بعكس السير العام تضع الاستحقاق ونظرة السلطة له في الميزان.

من نافل القول إن قيمة هذا الكلام يأتي بعد نجاح المجتمع اللبنانيّ مرّة جديدة بالتفوّق على شكلانيّة الشعارات الفارغة لأركان السلطة، والتي باتت عمياء إلا عن حصريّة السلاح بيد "الدولة"، كلازمة بائسة واهمة في كتاب الوطن، إبّان إحدى أخطر منعطفاته التاريخيّة في وحدته وفي مواجهة عدوه الذي لا تتوقف مسيّراته وطائراته عن حصاد أنبل رجال الوطن على الإطلاق، وهم الشجعان الصابرون المحتسبون.

كأنّ الدولة دولة في استقلالها وحريّتها وسيادتها! وتمتلك قول "لا" لأعدائها الفعليّين من خارجها والمتربّصين بأرضها وثرواتها وقرارها شرًا! وتمتلك شهامة الـ"نعم" لحاجات مواطنيها والنهوض بمسؤولياتها اتجاههم سلمًا وحربًا.
بدت هذه الانتخابات عند أركان السلطة الجُدد حاجةً للقول إن البلد استقام على بناء الدولة وإصلاحها، إلا أن القراءة المعمّقة للانتخابات البلديّة والاختياريّة، وللتشريعات المرتبطة بتطوير السلطة المحليّة، لم تجرِ رياحها وفقًا لما تشتهيها السفن.

أين الخطوات الإصلاحيّة، بنيويًّا وقانونيًّا وإداريًّا، على مستوى "الانتخابات وتشريعاتها" وعلى مستوى إعادة تشكيل العقد الاجتماعيّ وترميم الثقة بين المواطن والدولة ارتكازًا إلى السلطة المحليّة؟
ماذا عن إعادة إنتاج مكانة السلطة المحليّة كحكومة مصغَّرة قادرة على تحقيق أولويّات محليّة، في بنية النظام الاجتماعيّ والاقتصاديّ والتنمويّ اللبنانيّ؟
وماذا عن الإطار الانتخابيّ القانونيّ الذي يضمن حسن التمثيل وعدالته ورفع الكفاءة والانسجام وملاءمة مكان سكن الناخب ونشاط المواطن؟
ما هي السبل التي مهّدت لها الحكومة، في العهد الجديد، لـ"إعادة الإعمار" و"تحسين البنى التحتيّة"؟ كيف يعاد توزيع الصلاحيّات لصالح التوازن والاستقرار والهدوء والوحدة مع تعزيز آليات المساءلة بإنصاف، وخارطة طريق تستبشر ولا تنفّر؟

لقد جرت الانتخابات البلديّة والاختياريّة في خضم الدمار الذي خلَّفته الحرب العدوانيّة الأميركيّة بيد "إسرائيليّة" على لبنان، بعد مسار معقّد ضرب الاجتماع اللبناني في صميمه، في سياق تفاعل الأزمات المتفاقمة التي كان للولايات المتحدة الأميركيّة ووزارة خزانتها وقراراتها بالعقوبات المفروضة انطلاقًا من العام 2016م أغراضًا من تهيئة المسرح للعدوان "الإسرائيليّ" الجبان، إلى استكمال جريمته بإحكام الحصار والتحكّم بحركة المرفأ والمطار والحدود البريّة والبحريّة، ومنع إعادة الإعمار؛ وقابل ذلك، إذعان رسميّ مريب.

لقد جاء الاستحقاق أجنبيًّا، في وعي رئاسة الحكومة والعهد الجديد، عن رسم ملامح مرحلةٍ جديدةٍ تجمع بين الإصلاح الداخلي الجديّ، ومقاومة الاحتلال على أنها مسؤوليّة دستوريّة سياديّة، وتسهم في رفع آثار العدوان والإفراج عن الأسرى، وهي وظيفة مركزيّة مقوّمة لأهليّة الدولة أمام مواطنيها كافّة، وتنفتح على خيارات وبدائل تحفظ سيادة البلد بوجه الهيمنة ألأميركيّة والاحتلال "الإسرائيليّ".

كان الجدير أن لا تكون الانتخابات البلدية 2025 مجرّد استحقاقٍ إداري، بل أن تفتح نافذةً على إمكان بناء "جمهوريّة البلديّات"، حيث تتحوّل معها الإدارة المحليّة من دائرةٍ لتيسير بعض الخدمات إلى فضاءٍ لتجديد الاجتماع السياسيّ ومنحه قوّة دفع حقيقيّة في مواجهة التحدّيات كافة. وهو ما يتطلّب تصميم رؤية استراتيجيّة تجمع بين الإرادة السياسيّة، وتعبئة الموارد، وبناء الثقة بين المواطنين والإدارة، ما يجعل السلطة المحليّة مُحرِّكةً للتغيير بالتركيز على تعزيز المشاركة والابتكار واللامركزيّة بدلًا من كون البلديّات مُجرّد أداة تنفيذيّة محدودة الدور والفعاليّة.

أمّا من حيث النتائج، فقد أثارت قلقًا في الدول الغربيّة وملحقاتها وبعض الداخل اللبنانيّ، والتي رأت في فوز الثنائيّ الوطني تعزيزًا لموقع حزب الله ونفوذه السياسيّ كـ"قوة لا تُهمّش" قبيل الانتخابات النيابيّة المقبلة، بينما تزامنت هذه الانتخابات مع ضغوط أمريكيّة قصوى لـ"تجفيف تمويله".

ومن جهة أخرى، عزّزت النتائج سرديّة الثنائيّ الوطنيّ في دوره في "حماية أبناء الوطن كافة" وتعزيز الوحدة الوطنية، على الرغم من قساوة الخطاب المقابل والتحدّيات الأمنية والاقتصادية غير المسبوقة والناشئة بفعل تلازم العدوان مع الضغوط الخارجيّة المعادية والتواطؤ الداخليّ المشبوه.

وعليه، يبقى المجتمع المقاوم والمقاومة الشريفة رافعة الوطن والمواطنة في دولة هشّة تستقوي فيها سلطتها التنفيذيّة على مقاومين يفدون الوطن بأرواحهم، بينما تسرح الأعمال العدوانيّة، فلا يبقى من الدولة إلا الفولكرور، ومن فرعنة رأس سلطتها التنفيذيّة الراقص على ركام البيوت المهدّمة إلا الصمت أمام مهابة الوطن وشهامة مواطنيه، حفظة الموقف والوصيّة وعدم التخلي عن البندقيّة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة