خاص العهد

في تطور يُنذر بتحوّل نوعي في مسار الصراع بين موسكو وكييف، شهدت إحدى القواعد الجوية الروسية عملية تخريبية غير تقليدية، تعكس تصاعدًا في مستوى الانخراط الغربي في الحرب الدائرة. الهجوم الذي جرى بتخطيط استخباراتي محكم يُرجّح ضلوع جهة أوروبية كبرى فيه، وبتنفيذ ميداني أوكراني، تبعتهما حرب إعلامية موازية، سبقت المفاوضات بين البلدين، وذلك في محاولة لمنع روسيا من تثبيت معادلاتها الميدانية والسياسية التي كشفت العملية أن لديها ثغرات دفاعية عليها معالجتها سريعًا في ظل حربها القائمة مع الغرب الجماعي". فهل نحن أمام تصعيد تقني عابر، أم منعطف إستراتيجي يزيد من زخم هذه الحرب؟
الخبير بالشؤون الروسيّة الأوكرانية الدكتور إسكندر كفوري أكَّد أنَّ " هذا التطور الخطير يظهر دخول الصراع بين موسكو وكييف مرحلة جديدة. تعرضت إحدى القواعد الجوية الروسية لعملية تخريبية تم التخطيط لها بعناية، بإشراف مباشر من استخبارات دولة أوروبية غربية كبرى، يرجّح أنها بريطانيا، ووفقًا لمعطيات أولية غير رسمية، فإن هذه العملية جاءت على شكل هجوم مركّب باستخدام شاحنات كبيرة مزوّدة بدرونات، وقد تم تنفيذها ميدانيًا عبر الاستخبارات الأوكرانية، ما يشي بعملية خداع عسكرية مكتملة الأركان.
حرب تقنية جديدة.. ونقطة تحوّل إستراتيجية
وأكَّد كفوري في حديث لموقع العهد الإخباري أنَّ "العملية التي نجح بعضها وأُحبط بعضها الآخر سلّطت الضوء على ثغرات لوجستية وتقنية في المنظومة الدفاعية الجوية، وهو "ضرر نافع"، لأنها كشفت وجوب تحديث آليات الحماية في عمق الأراضي الروسية، خصوصًا ضد تقنيات الدرون الحديثة التي باتت تهدد قواعد تبعد آلاف الكيلومترات عن خط المواجهة".
وقال كفوري: "فيما تروّج مصادر إعلامية أوكرانية وغربية لأرقام مبالغ بها بشأن عدد الطائرات المتضررة، تُؤكد المعطيات الروسية أن الخسائر الفعلية اقتصرت على تسع طائرات فقط، أُصيبت بأضرار متفاوتة، معظمها جزئية، ما يمثل أقل من 6% من أسطول الطائرات الكبيرة المشابهة. كما أن معظم هذه الطائرات تنتمي إلى الطراز القديم الذي يعود للعهد السوفياتي".
الأوكراني أداة.. والخديعة في قلب الجغرافيا
ورأى كفوري أنَّ "العملية كشفت مرة أخرى، كيف تُستغل البنية السكانية المشتركة بين الروس والأوكرانيين لتمرير أعمال استخباراتية. فالمعرفة باللغة والتاريخ والجغرافيا، سهلت حركة العناصر التخريبية داخل العمق الروسي، وهو أمر لا يمكن لأي عنصر استخبارات غربي مهما كانت خبرته أن ينجزه دون الدعم الأوكراني الداخلي".
الرد الروسي كما أوضح الدكتور إسكندر كفوري، لن يكون باستخدام السلاح النووي، خصوصًا أن الشعب الأوكراني "ليس عدوًا" بل جزء من الشعب الروسي تاريخيًا وثقافيًا، ومع ذلك، فإن روسيا لن تتهاون في حماية أمنها القومي، وستستخلص من هذه الحادثة دروسًا إستراتيجية لمواجهة محتملة أكثر تعقيدًا مع "الغرب الجماعي"، وليس فقط مع كييف".
الحرب الإعلامية والتضليل الغربي
يُلاحظ الخبير بالشؤون الروسية الأوكرانية أن "جلّ ما يُنشر عبر الوكالات الغربية اليوم مبني على مصادر أوكرانية، معظمها غير دقيق أو مضلل، وهو جزء من معركة نفسية تحاول النيل من المعنويات الروسية، بالتوازي مع تحركات عسكرية مشبوهة تستهدف منشآت مدنية، كما حصل مؤخرًا في قصف قطارات تقل أطفالًا، ما أدى إلى إصابة نحو 90 مدنيًا بينهم عدد كبير من الأطفال".
وأشار إلى أن "روسيا منذ بدء العملية العسكرية لم تستهدف أية منشآت مدنية، بل تجنّبت حتى ضرب الجسور الحيوية على نهر دنيبر، بالرغم من أهميتها العسكرية. وهذا يكشف التمايز الأخلاقي في الأداء العسكري الروسي، مقارنة بالنهج الأوكراني المدعوم غربيًا".
مفاوضات إسطنبول.. والرد الحقيقي في الميدان
العملية التخريبية بحسب كفوري:" جاءت في توقيت بالغ الحساسية، متزامنة مع مفاوضات بدأت مؤخرًا في إسطنبول بين الوفدين الروسي والأوكراني. ما جرى يُفسَّر كمحاولة متعمّدة لإفشال المسار السياسي وضرب أي فرصة لوقف إطلاق النار، وهو ما يعزّز الشكوك الروسية حول الدور التخريبي الأوروبي لا سيما البريطاني في تعطيل فرص الحلول السياسية".
أما في الميدان فلفت كفوري إلى أن "القوات الروسية تواصل تقدمها في محاور سومي وخاركيف، حيث يتم إنشاء مناطق آمنة داخل الحدود الأوكرانية لتأمين العمق الروسي، وهذا يعكس إصرار موسكو على تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وعدم السماح بتحويل هذه المواجهة إلى ساحة استنزاف تُدار بالوكالة لصالح الغرب".
روسيا تقاتل بعقل وهدوء… لكنها لن تتراجع
ترى موسكو وفق كفوري أن " هذه الحرب تخطّت بُعدها الأوكراني، وباتت مواجهة مفتوحة مع مشروع غربي هدفه استنزاف روسيا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. غير أن روسيا، بعكس خصومها، لا تتصرف بردود أفعال انفعالية، بل تردّ بهدوء مدروس، وتعدّ نفسها لمعارك مستقبلية أكثر أهمية".
وشدد كفوري في ختام حديثه لموقعنا على أن " أي "خديعة تقنية" لن تغيّر مسار المعركة، بل ستُسرّع من تحديث آليات الدفاع وتكتيكات الهجوم الروسي. أما الصوت الفصل، فسيبقى للميدان، لا لطاولات المفاوضات التي تسعى أوروبا من خلالها لتثبيت نظام أوكراني فاقد للشرعية، فقط لتبرير المليارات التي أُنفقت على هذا المشروع العبثي".