عين على العدو

قال مفوّض شكاوى جنود الاحتلال السابق اللواء يتسحاق بريك، في مقال في صحيفة "معاريف الإسرائيلية"، إنه: "لسنوات طويلة، وأنا أصرخ في كل وسيلة ممكنة، في المقالات في الصحف وفي البودكاستات وفي المقابلات الإذاعية والتلفزيونية، وفي المحاضرات التي ألقيها، وفي المحادثات المباشرة مع رؤساء الحكومات، ووزراء الأمن وأعضاء اللجنة الخارجية والأمن ورؤسائها ورؤساء الأركان والضباط برتبة ألوية وأعضاء كنيست ووزراء بأن الجيش "الإسرائيلي"، بخلاف كل جيوش العالم، يُعِد نفسه لحروب الماضي وليس لحروب المستقبل. ويتجلى هذا الأمر، بشكل خاص، في تحوّل الجيش "الإسرائيلي" إلى "جيش سلاح الجو" على حساب باقي الأذرع".
وأضاف: "طوال سنوات، جرى توجيه غالبية الاستثمار المتاح للتعاظم العسكري إلى سلاح الجو، سواء من خلال المساعدات الأميركية بالدولارات أم من خلال ميزانية "الدولة". في المقابل، قلّص جيش البر وسُحق حتى العظم، انطلاقًا من تصورٍ ترسخ مفاده أن الحروب الكبرى أصبحت من الماضي".
وتابع: "لكن هذه ليست سوى مشكلة واحدة من بين مشكلات كثيرة، إذ لم تُخصص الأموال لإقامة سلاح صواريخ، وليس لشراء عشرات الآلاف من الطائرات المسيّرة، وليس لتطوير ليزر قوي وهو الوسيلة الوحيدة لاعتراض الصواريخ الباليستية المناورة والصواريخ المتشظية، وليس لشراء أسلحة مضادة للطائرات متعددة الفوهات، وليس لزيادة حجم جيش البر بعد سنوات من التقليص الدراماتيكي، حيث وصل هذا التقليص إلى حد أننا لم نعد نملك قوات كافية لحماية "حدودنا"، ولا حتى القدرة على حسم المعركة مع حماس في جبهة واحدة".
وأردف: "المفارقة الأكبر من بينها جميعًا، أنه حتى بعد استخلاص الدروس كلها من حرب "السيوف الحديدية"، والتي أثبتت أن الطائرات وحدها لا يمكنها حسم الحروب، ما يزالون يواصلون استثمار 40 مليار دولار في شراء طائرات، ولا يكاد يُستثمر شيء في وسائل قتالية تتفوق على الطائرات بعشرات الأضعاف في حروب الحاضر والمستقبل، والتي تستثمر فيها كل الجيوش الحديثة".
وأكد أن: " "إسرائيل"، على مدار سنوات، تجاهلت تطوير صاروخ باليستي فرط صوتي، كما تجاهلت الصواريخ الباليستية المتشظية التي لا يمكن لصواريخ "حيتس" و"مقلاع داوود" اعتراضها".
ورأى أن: "التكنولوجيا متوفرة، ويمكن تطويرها، لكن الجيش "الإسرائيلي" يواصل التفكير بعقلية الماضي. كذلك، لم ينل سلاح الصواريخ، والذي تتفوق فعاليته ضد أهداف استراتيجية على بُعد آلاف الكيلومترات بأضعاف مضاعفة على فعالية الطائرات، أي اهتمام كافٍ، فمثلًا، من أجل شن هجوم في اليمن باستخدام طائرات، نحتاج إلى تدريبات تستمر أسابيع، وتنسيقات مكثفة، وتستغرق الرحلة ثلاث ساعات، مع تكاليف فلكية يدفعها دافع الضرائب، بينما صاروخ باليستي يصل اليمن خلال 20 دقيقة، وبتكلفة أقل بعشرات الأضعاف من تشغيل الطائرات، وفعاليته أعلى بسبعة أضعاف".
وتابع: "تُظهر هذه القائمة كيف أن الجيش "الإسرائيلي" بقي متأخرًا، بلا رد على حروب المستقبل، بسبب لوبي قوي لسلاح الجو، وضعف جميع رؤساء الأركان، وانفصال تام للمستوى السياسي عما يجري في الجيش "الإسرائيلي"، وتصور ثابت لم يتغير منذ عشرات السنين ويمسّ بشكل بالغ بأمننا". وأكد: "مع مستوى سياسي وعسكري من هذا النوع، لسنا بحاجة إلى أعداء خارجيين، إذ إنهم، بحماقتهم، سيجلبون علينا الخراب، فالوقت يعمل ضدنا ولمصلحة أعدائنا، وقد نصل خلال مدة قصيرة إلى نقطة لا عودة عنها، ولن يتبقى أمامنا سوى أن نصلي لإلهنا أن يهبّ لنجدتنا، وعندها سنصبح جميعًا مهووسين بالخلاص نصلي للمعجزات، تمامًا مثل أولئك في المستوى السياسي".
ولفت بريك إلى أن: "المستوى السياسي والعسكري كذّب على الجمهور، طوال مدة الحرب، عندما أعلنوا مرارًا أن المسألة مجرد أيام على استسلام حماس، وأنها فقدت السيطرة بالكامل. وها هي الأكاذيب ذاتها تتواصل اليوم، فالجيش يراوح مكانه مجددًا، وتبدأ كل الأعذار الممكنة، وكلما استمرت هذه الحرب العبثية، والتي هي من صنع رئيس الأركان ووزير "الأمن" ورئيس الحكومة، سندرك حجم الكارثة الرهيبة التي تقودنا إليها هذه المجموعة ورفاقها الذين خرجوا عن السكة ويتصرفون بانعدام مسؤولية مروعة وغير مسبوقة".
وقال: "في الوقت ذاته، تعلن وزارة المالية أنه، وفقًا لهذه الوتيرة، ستنفد ميزانية "إسرائيل" خلال أسابيع، مع أننا لم نصل حتى إلى منتصف العام، وستتفاقم الأزمة الاقتصادية، ما سيشل قدرة "إسرائيل" على العمل في المجالات كلها".
وشدد على أن الجيش "الإسرائيلي": "لا يكاد ينجح بضرب حماس؛ بل يقتل بالأساس سكان غزة غير المتورطين، بفعل هجمات سلاح الجو التي تحرّك السكان من مكان إلى آخر. وسيأتي اليوم، وهو ليس ببعيد، حين سيُضطر الجيش إلى تسريح الاحتياط ومنح الجنود النظاميين استراحة، ولن تكون هناك قدرة اقتصادية لمواصلة تحريك عجلة الحرب، وعندها ستنكشف الحقيقة أمام العالم أجمع، وسنصبح أضحوكة في أعين الجميع".
وقال: "جيش كان يظن نفسه الأقوى في الشرق الأوسط، يُهزم على يد حماس، ما يشكّل ضررًا هائلًا لهيبة الردع "الإسرائيلية" أمام أعدائها، وسيدفع أعداءنا المحيطين بنا إلى الاستعداد لحرب ضدنا".
وختم: "في هذه الأثناء، سيموت الأسرى في الأنفاق، وسيسقط المزيد من جنودنا قتلى وجرحى، وكل هذا يحصل لنا بسبب مجموعة فقدت طريقها بالكامل، وفقدت التفكير العقلاني والحكمة. والشيء الوحيد المهم لديهم هو البقاء الشخصي والسياسي، فيما يحيط بهم زمرة من المتملقين وأصحاب المصالح، إنهم يقودون "شعب إسرائيل" نحو انتحار جماعي".