مقالات

من أجل فهم خلفيات الهجوم "الإسرائيلي" على إيران، فإنه علينا أن ننظر إلى الوضع بشكل أشمل وبأبعاده "الجيوسياسية" الدولية والإقليمية. فالهجوم يأتي لتطويع آخر قوة في "الشرق الأوسط" تواجه الهيمنة الأميركية وتمنع سيطرتها على المنطقة من المحيط الأطلسي غربًا إلى حدود الصين شرقًا. وبالتالي، فإن البرنامج النووي الإيراني ما هو إلا الذريعة لضرب إيران نفسها وليس النظام الإسلامي فيها. أما السبب الذي يجعل واشنطن تسعى للهيمنة على هذه المنطقة فهو أهميتها "الجيوسياسية" بحكم وقوعها على تقاطع الطرق الدولية بين القارات الثلاث التي انطلقت منها الحضارة الإنسانية وهي أفريقيا وآسيا وأوروبا.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال سيطرتها على هذه المنطقة إلى منع أوروبا من التواصل مع أفريقيا دون إذن واشنطن، لإبقاء القارة العجوز تحت سيطرتها. أيضًا، فإن واشنطن تريد من ذلك منع تواصل الدول الأفريقية مع القوى الأوراسية لإبقاء أفريقيا تحت الهيمنة الغربية. إضافة إلى ذلك، فإن واشنطن تريد مد نفوذها إلى شرق أوروبا انطلاقًا من "الشرق الأوسط"، لمنع توثيق العلاقات بين روسيا وأوروبا وإبقاء موسكو معزولة في عمقها الآسيوي، ناهيك عن عرقلة وصول موسكو إلى شرق المتوسط والانطلاق منه إلى قلب القارة الأفريقية وكسر الهيمنة الغربية على القارة السمراء.
عدا عن ذلك، فإن السيطرة على هذه المنطقة تتيح لواشنطن عرقلة وصول الصين إلى شرق المتوسط والانطلاق منه إلى افريقيا، في الوقت الذي تسعى إلى تطويق الصين بطوق من الأزمات يمتد من وسط آسيا إلى جنوب شرق آسيا وبحر اليابان ومنعها من الوصول بحرية إلى بحر الصين الجنوبي والانطلاق منه إلى طرق الملاحة البحرية. كذلك، فإن السيطرة على هذه المنطقة بعد ضرب إيران تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى منطقة آسيا الوسطى التي تشكل الخاصرة الرخوة لروسيا والصين، ما يخوِّل واشنطن الضرب في العمق الروسي والصيني وزعزعة الاستقرار فيهما.
هذا يفسر الموقف الروسي الذي أدان العدوان "الإسرائيلي" على إيران، ولكنه بالدرجة الأولى يفسر الموقف الصيني الداعم لإيران خصوصًا أن بكين تعتبر نفسها المستهدف الأول من سياسيات الرئيس الأميركي دونالد ترامب العدائية تجاهها. من هنا، فقد اعتبر وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يكون له عواقب وخيمة.
ونشر موقع وزارة الخارجية الصينية تصريحات "لوانغ يي"، أكد فيها أن تصرفات "إسرائيل" انتهكت بشكل خطير مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية.
وكانت الناطقة باسم الخارجية الصينية "لين جيانغ"، قد أعربت عن قلق بكين العميق من الضربات "الإسرائيلية" التي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة، مؤكدةً معارضة الصين لأي اعتداء على سيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها، ومعارضتها للتصعيد في "الشرق الأوسط"، ومشددةً على استعداد الصين لحل الأزمة في المنطقة. أما مندوب الصين في الأمم المتحدة "فو تشونغ"، فقد أدان العدوان "الإسرائيلي" على إيران، ودعا "إسرائيل" إلى الوقف الفوري لاعتداءاتها، مؤكدًا أن هذه الاعتداءات أصابت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بضرر عميق.
المواقف الصينية هذه، لا تنبع فقط من تمسكٍ بالقانون الدولي، بل تنبع أيضاً من شعور بكين بأن الهدف غير المباشر للعدوان على إيران هو استهداف الأمن القومي للصين، إضافة إلى الأمن القومي الروسي في صراع تسعى واشنطن من خلاله إلى عرقلة صعود روسيا والصين كقوتين عظميين تؤدِّيان دورًا مستقلًا على الساحة الدولية، وتمنعان واشنطن من فرض أحاديتها القطبية.