مقالات

المفارقة الأشد وقعًا، في كيان العدو "الإسرائيلي" بعد العدوان على إيران، أن المجرم بنيامين نتنياهو الذي لم يستطع استعادة جنوده وأسراه من قبضة المقاومة الفلسطينية، يقرر بدلاً من ذلك احتجاز المستوطنين الصهاينة داخل الكيان، مانعًا إياهم من السفر ومغادرة فلسطين المحتلة، في خطوة تسوّغها حكومته بـ"الظروف الأمنية عقب التصعيد مع إيران".
هذه السابقة تعكس حجم التخبط السياسي والأمني، داخل "إسرائيل"، حيث يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه في مرمى نيران الانتقادات بعد أن فشل في تحقيق ما وعد به منذ بداية الحرب على غزة، وهو الإفراج عن الأسرى "الإسرائيليين" المحتجزين عند حركة "حماس".
منذ بداية العدوان على غزة، استخدم نتنياهو ملف الأسرى ورقةً سياسية، مُقدِّمًا وعودًا باستعادتهم "بالقوة أو التفاوض"، لكن الأشهر الطويلة من العمليات العسكرية لم تحقق أي تقدم يُذكر. ومع اتساع رقعة الاشتباك لتشمل جبهات إقليمية، خصوصًا مع إيران، بات واضحًا أن حكومة العدو "الإسرائيلي" تعاني أزمة أولويات، وأن المستوطنين باتوا يدفعون ثمن الحماقات والمغامرات غير المحسوبة.
الإغلاق المفروض على مطار "بن غوريون" وقرارات التقييد على حركة السفر، أثارت موجة استياء داخل الأوساط "الإسرائيلية"، وخصوصا عند العالقين في الخارج، لا سيما في ظل غياب جدول زمني واضح للمدى الزمني لهذه الإجراءات، بينما يضطر مئات المستوطنين للفرار من المرافئ البحرية في "هرتسليا" وحيفا وعسقلان على متن يخوت خاصة باتجاه قبرص، مقابل آلاف الدولارات. أما بالنسبة إلى العالقين في الخارج، فالمفارقة العجيبة أنهم لا يريدون العودة بقدر ما يبحثون عن تعويضات لدفع تكاليف بقائهم في الخارج للغذاء والسكن في الفنادق.
المفارقة الأكثر غرابة، وربما تكون الأكثر منطقية، أن عددًا كبيرًا من الصهاينة أصبحوا يرغبون بمغادرة "أرض الميعاد"، ولا ننسى أن نسبة كبيرة منهم لديهم جواز سفر آخر، غير "الإسرائيلي"، يمكنه بسهولة السفر به خارج الكيان؛ ولكن نتنياهو لا يريد فضح نفسه وتعرية حكومته الحالية.
إذًا، الخطوة تكشف أزمة داخلية متفاقمة تحاول حكومة نتنياهو احتواءها عبر إجراءات أمنية مشددة، وليس غريبًا أن يشعر الصهاينة المغتصبون بأنهم تحولوا إلى رهائن وأسرى عند نتنياهو، وقراراته الأمنية المفتقرة إلى الشفافية والتخطيط الاستراتيجي.
يُلاحظ، أيضًا، أن قرار حظر السفر لا يُقرأ بمعزل عن أزمة نتنياهو الداخلية، سواء على صعيد القضايا القضائية التي تلاحقه أم هشاشة حكومته التي تواجه تململاً متصاعدًا حتى داخل صفوف اليمين، لا سيما قبل العدوان على إيران. إذ أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا في شعبية نتنياهو، وتزايد المطالب بإجراء انتخابات مبكرة ومحاسبة الحكومة على إخفاقاتها، من إدارة الحرب إلى عدم إحراز تقدم في ملف الأسرى. وبالتأكيد ستكون سياسات التقييد المدني، والتي تهدد الحريات الأساسية، سببا إضافيا، لكنها لن تتجلى بشكل أوضح إلا بعد مضي أيام أخرى من الفشل في مواجهة الصواريخ الإيرانية.
في النهاية، يبدو أن نتنياهو الذي عجز عن تحرير الأسرى، قرر تقييد حرية مستوطنيه، محولاً "إسرائيل" من كيان يزعم الدفاع عن مستوطنيه إلى كيان يُحكم بقرارات طوارئ بلا أفق.. إنها مفارقة سياسية تجسد انسداد الأفق أمام "حكومة" تحارب الجميع، وتخسر على الجبهات كلها.