مقالات

دخل الكيان المحتل، منذ أيام، في مواجهة عسكرية صعبة جدًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلم تتأخر تبعاتها الاقتصادية بالظهور مباشرة وتباعًا على الاقتصاد "الإسرائيلي" المنهك أساسًا من تداعيات عدوانه المستمر على غزة وكذلك عدوانه الأخير على لبنان. ومن المرجّح أن تمتد هذه التداعيات لتشمل حركة الاقتصاد العالمي الذي تأثر فعليًا منذ الأيام الأولى للمواجهات.
يشير الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور رشيد الحداد إلى أن الكيان "الإسرائيلي" لم يكن مستعدًا اقتصاديًا لمثل هذه الحرب، ربما لأن سقف توقعاته كان أقل مما يحدث ومن قوة الردع والرد الإيراني، وذلك وفقًا لما ذكرته مصادر ووسائل إعلام عبرية. كما أن خسائره الاقتصادية هي في تعاظم مستمر من يومٍ إلى آخر، في سياق هذه المواجهة، حيث بلغت التكلفة المباشرة للاقتصاد "الإسرائيلي" نحو 5.5 مليارات شيكل (1.53 مليار دولار) خلال أول يومين فقط من المواجهات العسكرية مع إيران. كما من المرجح أن ترتفع إلى نحو 40 مليار شيكل (11.1 مليار دولار) بحسب ما تذكر وسائل إعلام العدو. يضاف إلى ذلك؛ العجز القائم في ميزانية وزارة الحرب "الإسرائيلية" البالغ 20 مليار شيكل (5.5 مليارات دولار). ويأتي هذا كله في ظل شللٍ شبه كامل لعمل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية، في كيان يعيش اليوم تحت وطأة النار.
يلفت الباحث الاقتصادي، في هذا الإطار، إلى أن استهداف منطقة حيويّة مثل "حيفا" ووقوعها ضمن بنك الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، سيتسبب بأضرار كبيرة جدًا على مختلف القطاعات الاقتصادية في الكيان المحتل، لا سيما بعد استهداف مصفاة نفطية مهمة جدًا تغذي هذا الكيان بكمياتٍ كبيرةٍ تفوق الـ 200 ألف برميل يوميًا من المنتجات البترولية والنفطية المختلفة. هذا فضلًأ عن دورها الأساسي في تغذية محطات الطاقة والمناطق الصناعية الموجودة بمعظمها في الشمال، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
الخبير الاقتصادي أوضح أن وجود المرافق الحيوية كافة تحت نار القوات المسلحة الإيرانية، يعني توقف الصادرات والواردات كلها، وكذلك حركة الطيران من الكيان "الإسرائيلي" وإليه، عوضًا عن الأضرار الكبيرة التي أحدثتها الضربات الإيرانية في البنى التحتية، ما أسهم بخفض تقديرات النمو بنسبة 0.1% حتى الآن. وإذا استمر التصعيد، قد تنخفض التقديرات بنسبة إضافية تصل إلى 0.3%، وهذه حال غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان المؤقت، وسيتسبب ذلك بخسائر اقتصادية كبيرة وعميقة جدًا على مستوى المستوطن وعلى مستوى الحكومة.
الخسائر والتكاليف الاقتصادية تمتد أيضًا لتشمل - ضمن الجبهة الداخلية الصهيونية- ملف التعويضات، مع توقع استقبال 12 ألف مطالبة تعويض، في حين يمتلك صندوق التعويضات "الإسرائيلي" حاليًا نحو 9.5 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار)، وهو مبلغ لا يبدو كافيًا في ظل حجم الأضرار غير المسبوقة التي خلّفها الهجوم الإيراني، بحسب صحيفة "غلوبس" العبريّة.
على صعيد الاقتصاد العالمي، لفت الدكتور الحداد إلى أن إمدادات الطاقة حتى اللحظة لا تزال بعيدة عن التأثيرات الكبيرة؛ على الرغم من ارتفاع أسعار النفط العالمية بنسبة 7%. ولكن حتى الآن لا يزال إغلاق "مضيق هرمز" خيارًا قد تلجأ اليه إيران لوقف إمدادات الطاقة لعدد من دول العالم، ما سيؤدي حينها إلى ارتفاع كبير جدًا في أسعار النفط على المستوى الدولي، وسيحصل إرباك شديد خاصة في ظل إغلاق ممر "باب المندب". كما أن احتمال دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب ودول أخرى، بشكل مباشر، سيهدد بشكل كبير جدًا إمدادت النفط العالمية، وبالتالي الارتفاع الجنوني في أسعاره.
الخبير الاقتصادي يرى أن اقتصاد الكيان "الإسرائيلي" لن يصمد طويلًا أمام الضربات الايرانية، بخلاف الاقتصاد الإيراني الذي قد يكون- نتيجةً للحصار الأميركي- من الاقتصاديات الهشّة بمعنى أنه يتّسم بمرونة في امتصاص الصدمات التي قد يتعرض لها.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد "الإسرائيلي"، فهو أساسًا منهك ويعاني عجزًا في الميزان التجاري، مع تراجع كبير جدًا في مؤشرات النمو الاقتصادي، وأيضًا في كثير من المشاريع الاقتصادية التي كان الكيان المحتل يعوّل على تحقيقها في العام 2025. لكنّ الواقع اليوم متغير كليًا، كما أن تداعيات الحرب ستؤدي إلى انخفاض التصنيف الائتماني لهذا الكيان؛ خاصة وأن "إسرائيل" أصبحت دولة غير آمنة، ومعدل المخاطرة الاستثمارية فيها كبير جدًا ما سيدفع المستثمرين الدوليين إلى سحب أموالهم من الكيان، وكذلك المستثمرين "الإسرائيليين" أنفسهم.
إن محاولات هروب الاقتصاد "الإسرائيلي" من هذه الأزمة والتعافي الاقتصادي قد لا يكون قريبًا أبدًا، خاصة وأن هذا النوع من العمليات والضربات يعدّ الأول من نوعه منذ 75 سنة؛ من حيث حجم الخسائر القائمة؛ على الرغم من تكتّم كيان الاحتلال بشكل كبير عن خسائره الاقتصادية الحقيقية.